تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سورية: الخروج من عنق الزجاجة

 

لؤي توفيق حسن (*)

فتح الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير نافذة كبيرة نحو المستقبل. بدا تهيبه للحدث الجلل الذي أصاب سورية واضحاً بدءًا من رمزية ربطة عنقه السوداء، وحتى اللهجة الواضحة في التوصيف والتحليل، والرؤية. كأي رجل دولة بكل ما للكلمة من معنى.

 

لعل من أبرز مزايا كلمته إدراكه التفصيلي لكل الأسباب التي دفعت الى الاحتجاج. ادراكاً لامس تفاصيل مشاعر المواطنين الذين حاورهم. منهم من تظاهر، ومنهم من "لم يخرج للتظاهر" كما وصف. قضايا جوهرية تنبثق عن عنوان واحد كما جاء على لسان الرئيس الأسد: "الفساد، والكرامة، والهم المعيشي".

 

لا شك بأنه كان خطاباً متماسكاً في كل عناصره، وأفكاره خلافاً لما زعم به المكابرون، او الموتورون.

 

ولا شك أيضاً وأيضاً بأنه كان متقدماً بأشواطٍ كثيرة جداً عن الخطاب الرسمي المألوف منذ بداية الأزمة. والذي كان ينطلق دائماً من "نظرية المؤامرة!" في تقديم كل ما يحدث. أو تفسيره.

 

والحقيقة هي كما أشار إليها الرئيس الأسد بغير مواربة. وهو أن المؤامرة ليست طارئة على تاريخ سورية "قبل الاستقلال وبعده". أمر طبيعي ألفه السوريون ويعود الى الموقع الجيو سياسي لبلدهم الذي أحياناً تتضاعف أهميته كلما أصبح ملهماً للحركات القومية.

 

اما حقيقة "المؤامرة" فهي بالضبط كما وصفها الرئيس الأسد انطلاقاً من خلفيته الطبية: "كالجراثيم تتكاثر في كل لحظة وفي كل مكان". والعبرة تكمن في "تقوية المناعة". وهذا لوحده إشارة الى ضرورة إيجاد شبكة دفاع حقيقية، وبمفهوم عصري. بدءً من محاربة الفساد، وتحصين المجتمع بالكفاية والعدل، وليس انتهاءً بتحديث الأجهزة الأمنية لمواكبة عصر الأتصالات،والمعلومات.

 

لكي تكتمل الصورة أكثر لا بد من ملاقات ماسبق مع ما ذكره الرئيس الأسد من تشخيصٍ لـ "مكونات" الحراك الذي شهدته سورية.حيث أشار بلا لبسٍ ان :" المخربون مجموعة قليلة" فيما المكون الأساسي هم من أصحاب المطالب، والاحتياجات. اي بمعنى آخر هم طلاب الإصلاح الحقيقيين.

لقد اصبحنا الآن أمام "ساعة الحقيقة" التي تستدعي المكاشفة، وطرح الحقائق كما هي لنجيب على الأسئلة. وهي كما طرحها الرئيس في خطابه: من يشارك بالحوار؟. وماهي المعايير؟.

 

قد يكون من الواقع أن "القسم الأكبر" من دعاة الإصلاح لم يخرجوا للتظاهر. لكن هذا لن يلغي حقيقة ان من خرج كان يمثل هذا القسم الذي لم يخرج. وبالتالي فإنه يستمد شرعيته من هذا التمثيل بمعنىً من المعاني. هذا جانب. والجانب الآخر ان من خرج من الشباب اثبت بانه قد أطر نفسه في أشكال شبه تنظيمية على الأقل. فيما يعرف: بـ "التنسيقيات" وان هذه الأخيرة استطاعت ان تحرك الشارع في أكثر من مكان.  بصرف النظر عن الآراء المتضاربة في تقديرات الهجوم .

 

لكن تظل الحقيقة التي لا مفر منها ان وراء زبد الشعارات تيار عميق من جيل الشباب المنتمي الى القرن الحالي. ومن هنا ينبغي التمييز بين الشخصيات المعارضة المعروفة. وبين الحالة الناشئة التي أوجدها هذا الجيل من الشباب.

 

الشخصيات المعارضة من متثقفين وكتاب – مع كل التقدير لهم ـ ليسوا هم الحالة. ربما كانوا في مرحلة على أعتابها، أو خلفها. لكن كل المؤشرات تجزم بوجود قيادات ميدانية شابة لما يشهده الشارع. الأمر الذي يطرح محاورتها كضرورة قصوى. هذا كي لا نفقد البوصلة ونحن نعي جميعاً بأن السياسة هي "صناعة المستقبل".

 

ان بقاء الأمور على هذا النحو سيبقي الجميع في عنق الزجاجة. ومن مكان آخر سيقلص دور المكون الأساسي لما "يحصل في الشارع السوري" لصالح المكونين الثاني والثالث. أي بحسب وصف الرئيس الأسد: "الخارجين عن القانون والمطلوبين للعدالة". و"أصحاب الفكر المتطرف والتكفيري". هذين المكونين سيتقدمان مع يأس المكون الأول كبديل. وبوصفهما (الذراع العسكري للمعارضة)!. وهذا بحد ذاته قد يكون مطلوباً من قوى إقليمية ودولية لإدخال سورية في دوامة استنزاف طويل.

وعند هذا الحد سيصبح الحوار مستحيلاً ... حوارٌ حقيقي كالذي نتطلع إليه ـ (وطالبنا به في مقالتنا السابقة) – وصولاً "لميثاق عمل وطني" يحدد أساسيات الداخل، والخيارات الإستراتيجية امام تحديات الخارج: الموقف من العدو الإسرائيلي . المقاومات في وجهه. والحق الفلسطيني.

ان فشل أي حوار – وهو ما يشتهيه الغرب وبعض( أصدقائه) من العرب ـ سيجعل مما تسمى: (معارضة الخارج)  ـ المفروزة على أسس غير مبدئية، غير وطنية ـ تتصدر الواجهة لتكون (الذراع السياسي!) للمطالبة بـ (الإصلاح!). وهنا الطامة الكبرى!!

(*) كاتب من لبنان

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.