تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تقسيم مصر.. لمصلحة مَن!؟؟

خاص/ محطة أخبار سورية

نقلت عددة صحف أن القوات المسلحة المصرية لديها وثائق تشير الى مؤامرة لتقسيم مصر ثلاث دويلات، وأن عددا من قادة القوات المسلحة التقوا الأسبوع الماضي ممثلي ائتلاف مجلس قيادة الثورة المصرية، وأطلعوهم في اللقاء على وثائق تؤكد تعرّض البلاد لمؤامرة من أطراف داخلية وخارجية.

ونُقِل "أن هذه الوثائق تكشف أهدافاً عدة، هي الوقيعة بين الشعب والشرطة لإغراق البلاد في الفوضى، والتأثير على الحالة الاقتصادية والاجتماعية، والوقيعة بين الأقباط والمسلمين لزعزعة استقرار البلاد، والإيحاء للعالم بوجود فتنة طائفية". وتهدف "المؤامرة" أيضا الى "الوقيعة بين الشعب والجيش لمعاقبة القوات المسلحة على وقوفها إلى جانب الثورة وحمايتها، وأيضا التأثير على القوة العسكرية للدولة وإضعافها". وقال الجيش ان "الهدف النهائي من كل ما سبق هو تفتيت مصر إلى دويلات صغيرة: دولة نوبية في الجنوب، وأخرى مسيحية في الصعيد، وثالثة إسلامية في شرق البلاد، على أن يتم طرد الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء... في إطار خطة أوسع لتقسيم الدول العربية.

بالطبع، طويلة هذه المقدمة المنقولة عن الجيش المصري. ولكن لا بد من قراءتها والتمعن فيها بدقة.

لو تحدث أي كاتب أو أي شخص عن تقسيم السودان إلى دولتين قبل خمس سنوات لتم اتهامه بالمس في عقله. ولكن السودان أصبح مقسماً وربما سيعاد تقسيم المقسّم أيضاً، والأمور تبدو متجهة "سريعاً" بهذا الاتجاه، وما الذي يمنع!؟.

ليس السودان وحده. فالمحاولات التي جرت في العراق وتجري حالياً في ليبيا، تؤكد أن الاتجاه هو لإعادة تقسيم الدول العربية الواحدة تلو الأخرى لإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد وفق مصالح الدول الغربية، وبالطبع في مقدمتها إسرائيل التي تعتبر بالنسبة لهؤلاء حاجز الدفاع الأول عنهم كما أكد رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أزنار، في مقال كتبه ونشره قبل أشهر.

وفي العودة للشأن المصري، نتساءل، لماذا لم يعدْ المسلمون والمسيحيون قادرون على العيش مع بعضهم الآن، مع أنهم عاشوا منذ وجود المسيحية والإسلام معاً، ولم تكن هناك مشكلة!؟ ولعل الجواب البسيط هو بسبب التدخل الخارجي الغربي بشكل رئيسي وهو الذي يغذي التفرقة بين الجانبين لتحقيق غايات أوسع.

ومنذ وجود مصر وهي تعتبر هبة النيل، فلماذا الآن يجري التضييق على مصر في مياه نيلها وتحريض دول المنبع على بناء السدود على النهر الكبير لتقليص حصة مصر؟ بالطبع لأن اليد الأمريكية والإسرائيلية أصبحت موجودة في تلك الدول وهي من يحرّض على الإخلال بالاتفاقيات التاريخية القائمة بشأن توزيع حصص المياه.

هل الهدف هو تفتيت مصر!؟ كيف يمكن استبعاد ذلك، والسياسة الغربية الاستعمارية قائمة على شعار فرّق تسد!! ولكن ماذا يؤمن تقسيم مصر للغرب وكيف سيؤثر على المنطقة؟  قد يقول قائل إن الحديث عن تقسيم مصر طوباوي وليس له أساس، ولكن الواقع والتجربة علمونا أن الغرب لا يهمّه غير مصالحه، وإذا كان تقسيم مصر يخدم هذه المصالح فسيسعى إلى تقسيمها. وحقيقة فإن تقسيم مصر، لا قدّر الله، يخدم المصالح الغربية الإسرائيلية ويعني تحقيق الكثير من الأمور، منها:

أولاً، أن مصر هي أكبر دول عربية، هي أم العرب، وتقسيمها يعني "كسر الرأس الكبير لدى العرب"، وبالتالي فإن ما خضعت له مصر يمكن ان تخضع له السعودية واليمن ولبنان وسورية والجزائر وأن تتكرر التجربة في هذه الدول. وما يجري حالياً في الدول العربية، لا يبشّر بالخير لجهة إدراك هذه المخاطر والاستعداد لمواجهتها، بل إن العديد من أبناء الدول العربية لا يتورعون ان يكونوا حصان طروادة للدول الغربية لتسهيل دخولها إلى بلداننا، تحت شعارات مختلفة ولغايات صغيرة وضيّقة. والأهم من ذلك أنه في الظروف الحالية "الرجراجة" أصبحت علاقات الدول العربية شبه مقطوعة بين بعضها البعض والقرار العربي شبه غائب، لكن جميع هذه الدول مرتبطة بحبل سرّة الولايات المتحدة.

ثانياً، بالطبع لن يكون تقسيم مصر صباح غد، ولكن يتم التحضير له وإنضاج الظروف لإحداثه وتنفيذه، تماماً كما حدث في السودان قبل خمسين عاماً. وهذا التقسيم لن تكون آثاره وتداعياته على الداخل المصري فقط، إذا ما تحولت مصر إلى ثلاثة دول، كما تشير معلومات الجيش المصري. وغني عن القول أن الدول التي يمكن أن تنشأ عن التقسيم لن تكون على وئام وتحابب، والتجربة التاريخية تؤكد ذلك (لاسيما وان العمل على التفرقة الطائفية بدأ منذ الآن على قدم وساق)، ولكن أوضاع وعلاقات هذه الدول الجديدة ستنعكس على المحيط العربي والعمل العربي والوفاق العربي والتنسيق العربي الذي بالكاد يأتي الحديث على ذكره، ويحاول الجميع التهرب منه وكأنه عار عليهم وعبء ينؤون به.

ثالثاً، تقسيم مصر يعني بداهة ان تصبح مصر في غاية الضعف أمام إسرائيل، وهو بيت القصيد. فرغم مرور قرابة ثلاثين عاماً على اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، إلا أن المصريين لم يهضموا هذه الاتفاقية ومجرّد أن سقط نظام حسني مبارك، بدأت تطفو على السطح الدعوات لإلغاء هذه الاتفاقية، وعلى أعلى المستويات، وهو ما يطالب به ويعلنه المرشحون للرئاسة المصرية كل يوم، وكأنه وقود لحملاتهم الانتخابية. هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى، فقد استمرت إسرائيل رغم توقيع اتفاقية كامب ديفيد بالعمل على تخريب الداخل المصري ومحاولة اللعب به وإيذاء المصالح المصرية أينما وجدت ومتى تمكنت من ذلك. وما إن سقط حسني مبارك حتى ارتعدت إسرائيل وقادتها خوفاً، وأبدى الجميع أشد قلقهم من الوضع الجديد الناشئ في مصر.

وبتقسيم مصر تتخلص إسرائيل من قوة إحدى أهم الدول العربية ومن دورها المحوري المركزي، وتتخلص من قوة الجيش المصري الذي أثبت إخلاصه الوطني والقومي رغم سنوات " السلام" والوهم ويكون "الكيان الصهيوني هو مخلب القط في الشرق الأوسط الجديد كما هو مخطط له".

رابعاً، وإذا ما حدث تقسيم مصر فإن المتأذي الأول سيكون القضية الفلسطينية التي يؤكد المخطط أن "إسرائيل تهدف لطرد الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء"، والدفع باتجاه تحقيق إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل. وبوجود دولة مصرية قوية، وجيش مصري قوي، لا يمكن تحقيق هذا المخطط التاريخي القديم. أما تقسيم مصر فيعني أن إسرائيل اقتربت من النيل إن لم نقل وصلت إليه.

خامساً، إن كشف مخطط تقسيم مصر يلقي بالضوء على أهداف الضغوط الدولية الحالية على سورية. فرغم أن القيادة السورية أعلنت ان مطالب الجماهير محقة، وأنها تسعى لتنفيذها، ورغم كل الخطوات الإصلاحية التي اتخذتها راغبة، تصرّ الولايات المتحدة وشركائها الغربيين على القول إن القيادة السورية لا تريد الإصلاح. بل وتعمل هذه الدول على "شيطنة" القيادة السورية وممارسة أقسى الضغوط عليها، لدفعها للتنازل في عدد من النقاط، أصبحت معروفة للقاصي والداني؛ وهي فك العلاقة التاريخية مع إيران والتخلي عن المقاومة والرضوخ للشروط الإسرائيلية. وما تسرّب عن مكافآت للنظام السوري إن هو نفّذ هذه الشروط، يكشف أن الغربيين لا يهمّهم الإصلاح في سورية ولا يعنيهم، ولكنهم امتطوا موجة الإصلاحات ليحرّضوا على تخريب هذا البلد ولفرض شروطهم. وغني عن القول ما هي النتائج الكارثية المترتبة على تخلي سورية عن ثوابتها وسياساتها الوطنية والقومية.

ولذلك، فليس المطلوب غربياً من القيادة السورية الإصلاح وتقوية البلاد، بل السير بها نحو أوضاع تقود في نهاية المطاف إلى جعلها عرضة للتقسيم والتفكك، مثلها مثل حال الدول العربية الأخرى. ولو كان المطلوب الإصلاح، فما علاقة التحريض الطائفي والغرائزي في سورية والذي تنشره وتبثه الفضائيات التي ترعاها وتتبناها الدول الغربية!؟ أليس التحريض على القتل جريمة في القانون الدولي والأخلاقي والإنساني!؟

سادساً، إن تقسيم مصر وبالتالي، وضع الدول العربية الأخرى على المقصلة، لن يستثني منه تركيا. فهذه الدولة "المسلمة" التي تم رفضها في النادي الأوروبي، لا يحق لها أيضاً في القاموس الغربي أن تقود الدول العربية والإسلامية نحو أفق أفضل، ولا يحق لها ولزعامتها أن تطمح بلعب دور لا يرى فيه الغربيون مصلحة لهم. وتجربة تركيا والبرازيل في الملف النووي الإيراني تؤكد هذا المنطق.

إن الصورة التي يرسمها الآخرون لنا ولدولنا ولمصيرنا، ويخططون لتنفيذها ليست وردية أبداً. ومَن يراقب التجييش والتحريض الطائفي والأوضاع التي آلت إليها المنطقة في تونس والجزائر ومصر والسودان واليمن والعراق... وما يحاولون القيام به في سورية، يمكنه التعرف على ملامح وأولى نتائج "وصفة" الفوضى الخلاّقة التي وزّعتها الولايات المتحدة الأمريكية على المنطقة، والمصير الغامض المخيف الذي ينتظرنا جميعاً، خدمة للغرب وخدمة لإسرائيل..

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.