تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قراءات من هناك.. قراءة من هنا!!

خاص/ محطة أخبار سورية

تروج في هذه الأيام سوق القراءات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للواقع السوري ولما كان عليه وكيف وصل إلى هنا وإلى أين يتجه. ومعظم هذه القراءات لا تريد الوصول إلى الحقيقة بقدر ما تريد الوصول إلى غايات في نفس القائمين بها والذين تختلف غاياتهم وشهواتهم وأمانيهم. ومعظم القارئين الخارجيين لا يهمهم الشعب السوري ولا أمانيه ومستقبله وما يريده هذا الشعب المعطاء. وفي كل مكان من حولنا نجد الأنواع الكثيرة لهذه القراءات المتناقضة.

تصوروا مثلا أن المدعو سمير جعجع قلبه على الشعب السوري، بحيث عندما يتحدث عن مصلحة هذا الشعب، يحس البعض أنه من الغريب لماذا لا يستنجد السوريون برحمة جعجع لمساعدتهم.. تصوروا أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تهتم لأدق التفاصيل في أخر قرية سورية، ولكنها لم تسمع بوجود /11/ ألف أسير فلسطيني في سجون إسرائيل.. تصوروا أن وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه يطالب "السلطات السورية "بتغيير في المسار أكثر وضوحاً وأكثر جرأة وواعداً أكثر" وذلك بعد إعلان الرئيس بشار الأسد العفو العام عن معتقلين سياسيين قبل يومين. جوبيه أعرب عن خشيته من أن يكون الأمر متأخراً جداً، مشيراً إلى أن ذلك كان رد المعارضة السورية: المعارضة السورية وبيت القصيد. وكأنه يتحدث عن قوة منظمة وفاعلة لا عن ثلاثة أشخاص (في الخارج لا يعرف إلا الله سرّ توجهاتهم)، إضافة إلى قناة الجزيرة التي استضافتهم، استشهد بهم، قالوا إن العفو متأخر، إذن العفو متأخر حسب جوبيه!! مع أن العفو خطوة إيجابية كبيرة بالمنطق والمطلق، مهما كانت ومهما كان توقيتها وليست متأخرة.

بعض المحللين السياسيين يقولون إن الوقت تأخر.. الوقت ينفد.. الوقت لا يسمح.. وبعضهم اعتبر، ومنذ بداية الأحداث في سورية، أن لا وقت أبداً أمام القيادة السورية للقيام بأي إصلاح، ثم تراجع بعد أن أثبتت القيادة في سورية امتلاكها زمام الأمور، ليطالب هذه القيادة بحوار مع المعارضة وبالقيام بالخطوات التي يريدها مع التهديد بنفاد الوقت طبعاً.

يروّج الكثيرون لِما على القيادة السورية أن تقوم به والإجراءات الواجب اتخاذها ونوع التغيير وشكله وتوقيته، وكأن هذه القيادة غير معنية بأي شيء إيجابي، أو أنها ضد التغيير أو أنها تقوم به رغماً عنها.. وبالمناسبة، لم تتعرض إسرائيل ـ على أساس أنها العدو ـ منذ قيامها للهجوم الذي تتعرض له سورية من بعض الإعلام العربي، ولا نريد أن نقول الإعلام الغربي بالطبع.

بالطبع، الجميع، من الإمبراطور باراك أوباما إلى الرئيس الفرنسي إلى بان كي مون وصولاً إلى النائب في تيار المستقبل خالد الضاهر في طرابلس الشام، يتكلمون باسم الشعب السوري ونيابة عنه وكأنه قاصر عن معرفة حاجاته وأولوياته، ولا ندري من أين حصل كلّ هؤلاء على وكالات فردية وجماعية للتحدث باسم الشعب السوري. ولن ننسى بالتأكيد بعض وسائل الإعلام التي باتت تستخدم أساليب أقل ما يقال عنها إنها بمنتهى الإسفاف والتحريض والتدخل في الشأن السوري والساعية "لخربطة" الأوضاع في هذا البلد العظيم؛ فتنشر السموم وتتحدث عن معلومات لا وجود لها وتهدد كل يوم بشتى أنواع المآسي التي وقعت وستقع على رأس السوريين لأنهم لا يثورون ضد قيادتهم التي، وحدهم يعلمون حقيقة توجهاتها وصدق نواياها وحجم الجهود التي تبذلها للحفاظ على سورية قوية وعلى الشعب السوري مرفوع الرأس..

كلّ هذه القراءات التي تهبط من فوق أو الآتية من هناك.. ولغايات لا تخدم قطعاً الشعب السوري، بل مصالح أصحابها ليست حقيقية وليست دقيقة. فما يجري على الأرض السورية من تغيرات متنوعة تقوم بها القيادة السورية، مستعينة بآراء مواطنيها وخبراتهم ومهاراتهم وصدق محبتهم لوطنهم تضع الأسس القوية لمستقبل سوري جديد، آخذة في الاعتبار تجارب الآخرين وأخطائهم للتعلم منها، ومحاولة في الوقت ذاته إبعاد الكأس المرّة التي شربها الآخرون، عن سورية.

في القراءة من تحت.. من هنا، من خلف الشعب السوري، من داخل الشعب السوري، يشعر المرء بمدى جهل الآخرين بحقيقة الأوضاع في سورية ـ أو بمدى خبثهم وهو المروجّ للتعمية على هذه الأوضاع ـ  وبمدى عجزهم عن تطبيق المخططات التي رسموها لتفجير سورية.. ولذلك، فكلما ارتفعت الأصوات المهددة، يعني أن مشروع أصحابها بات أقرب للفشل.

قبل يومين طلعت علينا بعض وسائل الإعلام لتتحدث عن تغيير في المواجهة في الأحداث في سورية، وكأنها اكتشفت سراً خطيراً عندما تحدثت عن وجود أسلحة بين أيدي العصابات.. مع أن كلّ من يتحلى بهامش صغير من الموضوعية، كان يدرك ان هناك أسلحة مع هؤلاء أقرت المعارضة نفسها بوجودها، وأن ما عرضه التلفزيون السوري لم يكن ملفقاً.. لكن عندما يزداد كذب هؤلاء، فهذا معناه الاقتراب من الإفلاس، ومعناه غايات خبيثة وقذرة.

بالطبع لن تخرج قناة الجزيرة أو العربية أو البي بي سي، أو عبد الرحمن الراشد أو عبد الباري عطوان أو الشيخ يوسف القرضاوي أو عزمي بشارة... الخ، ليقولوا إننا كنا مخطئين.. أو إننا كنا نحرّض على الفتنة والقتل في سورية ولن يكشفوا يوماً ما اقترفوه بحق هذا البلد الكريم ومواطنيه..

في القراءة من تحت، من داخل البيت السوري، يشعر المرء بهاجس أغلبية السوريين (الصامتة التي لا تخرج إلى الفضائيات لبث التصاريح المأجورة)، من المخططات الغريبة ومن الأشخاص الغرباء ومن النوايا الخبيثة عندما يتم في كلّ ثانية تشريح الجسد السوري على مقصلة الفضائيات والتصريحات والأخبار الملفقة والعقوبات والتدخل السافر، ويشعر المرء بمدى محبة السوريين لوطنهم وحرصهم عليه وعلى وحدته بكلّ مكوناته، وتكاد الدمعة تعبر عندما يسمع المرء المحب لهذا الوطن الأبي من عشرات المواطنين، من مختلف الانتماءات والأطياف تكرار عبارة: "نحنا كنا مبسوطين هيك شو بدن منّا ؟"، أو عندما يتصل بعض هؤلاء الأشخاص من آخر البلاد ليس لشيء إلا ليطمئنوا على الصحة والأحوال وليؤكدوا أننا معاً، كنّا وسنبقى، وأن الوجع واحد، وليقولوا: هانت! مرّ أصعب منها بكثير!!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.