تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

رسالة الى محمود عباس من كلوفيس مقصود

 

سيادة الرئيس محمود عباس رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، تحية واحترام ومودة.
ترددت كثيراً قبل التوجه مباشرة اليكم بهذه الرسالة لأن الكثير من آرائي في القضية الفلسطينية معروف وموثق، الا ان ما يدفعني الى التوجه مباشرة اليكم هو دعوة الرئيس باراك اوباما اليكم والى رئيس الحكومة الاسرائيلية لمعاودة "المفاوضات المباشرة" في مستهل الشهر القادم في واشنطن، كما اني مدرك تماما لما تعرضت له من "ضغوط" واصفاً اياها بأنها "غير محتملة" الا ان الواقعية السائدة دفعت، وربما عن غير اقتناع، الى عدم رفض الدعوى رغم الممارسات الاستفزازية التي مارستها الحكومات الاسرائيلية السابقة وتستمر الحكومة الاسرائيلية الحالية فيها بشراسة اكثر كما تختبرون وتعانون وتدركون. وبما ان قرار العودة الى "المفاوضات المباشرة" صار محسوماً ارى من الواجب نظراً الى علاقاتي وتجاربي بشأن ما اعتبره القضية المركزية لنا جميعاً، ولكوننا اعتبرنا في ما مضى من ايام وعقود ان فلسطينية الهوية ليست محصورة بالشعب الفلسطيني بل اصبحت ويجب ان تكون مرادفة لهوية نضالية لكل احرار العالم وبخاصة في دائرة الوجدان التي احتضنت ولا تزال حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
من هذا المنظور اسمح لي اولاً بالتركيز على ضبط المصطلحات التي كان انفلاتها من الدقة مدخلا لاسرائيل الى تزوير الحقائق واجهاض الحقوق واعتماد الالتباس لتصميم اسرائيل على اجهاض جميع حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والانسانية، كما للتحايل على قرارات الشرعية الدولية والآراء الاستشارية لمحكمة العدل  الدولية بخاصة في ما يتعلق بالحائط الفاصل داخل الاراضي الفلسطينية.
سيدي الرئيس محمود عباس،
أولا – يكفي قول نتنياهو مثلا ان مطالبتكم بمرجعية واضحة لمعاودة "المفاوضات" هي بعرف الحكومة الاسرائيلية "شروط مسبقة" في حين انه اجاز لاسرائيل الاستمرار في فرض وقائع جديدة كالاستمرار في تهويد القدس والاعلانات الواضحة عن استمراره في القيام بـ"تنازلات اليمة" عندما يكون الطلب التزام مفاعيل الشرعية الدولية مثلما اعلن في اعقاب طلب الرئيس اوباما "تجميد الاستيطان"، معتبراً تجاوبه الموقت "تنازلاً أليماً" وخدمة لرغبته في السلام".
في هذا الصدد، اخي ابو مازن، ارجو ان لا تسفر مطالبتكم بالاستمرار في تجميد الاستيطان في لقاءاتكم القادمة في العاصمة الاميركية عن استمرار التهويد كما قال بالامس كبير المفاوضين الاخ صائب عريقات ان عدم الاستمرار في تحجيم الاستيطان من شأنه ان يؤدي الى "الانسحاب". ورغم النية الصادقة التي دفعته الى هذا الرأي ارجو ان تتخلوا عن المطالبة باستمرار "تجميد الاستيطان" والمطالبة الملحة بتفكيك المستوطنات لكون التجميد اقراراً ضمنياً بالمستوطنات وستوظفه اسرائيل في مستقبل المفاوضات على أنه اقرار ضمني بشرعيتها. يستوجب ضبط المصطلح في هذا الموضوع القول بالتفكيك بدل التجميد.
ثانياً - الاستمرار في القول ان ما تقومون به منذ محادثات اوسلو الى يومنا هذا ليس حتماً "مفاوضات". لماذا؟ لأن المفاوضات تبدأ بالاتفاق مسبقاً على نتيجة التفاوض. فالمفاوضات ليست عملية تفتيش عن حقوق للأطراف بل تحصل للتفاوض على المراحل والخطوات لانجاز ما اتفق عليه، أي حل الدولتين، والاقرار بكون القدس المحتلة عاصمة لدولة فلسطين. هذا اذا كان هذا هو الهدف المرحلي او النهائي. لذا، ارجو القول ان ما تقومون به هو "محادثات" وليس مفاوضات، لأن الاخيرة تعطي الجمهور الفلسطيني آمالاً مغلوطة، واذا كان من نجاعة للزيارة التي تقومون بها للبيت الابيض فهي في ايصال رغبتكم الى الرئيس اوباما في الاتفاق المسبق على نتيجة مقبولة للطرفين.
ثالثا – في سياق ضبط المصطلحات على الادارة الاميركية ان تعلن في شكل غير قابل للتراجع او لأي التباس ان الاراضي الفلسطينية منذ 5 حزيران 1967 هي اراض محتلة، وهذا الطلب يجب ان يكون حاسماً من الادارة الاميركية كي تمتثل اسرائيل لموجبات اتفاقيات جنيف الرابعة والتي لا يكتفي معها القول ان المجتمع الدولي يعتبر اسرائيل محتلة، في حين ان اسرائيل ترفض توصيفها بالمحتل وهي لم تعترف بكونها محتلة منذ عام 1967، لذلك اذا بقي الموقف الاميركي غير معني بهذه المقاربة فلا مفر من اعادة النظر بمسيرة السلام في حالتها الراهنة.
رابعاً - بما أن اسرائيل تتعمد عدم الإعتراف بكونها سلطة محتلة، اراد نتنياهو ان يحدد بدوره أطر ومعالم "الدولة" التي يسوقها للرأي العام العالمي. و"الدولة" التي رسم معالمها فاقدة السيادة على حدودها الشمالية وعلى اجوائها وعلى مياهها الاقليمية، ويجب ان يكتفي الفلسطينيون بهذا التعريف لدولة فاقدة المناعة والحصانة ومنقوصة السيادة. فاذا رفضتم "دولة" كهذه، كما لا بد انكم فاعلون، فعندئذ كعادات الصهاينة سوف يقولون انكم فوتم على انفسكم فرصة ممكنة Gلتبقوا في عالم المستحيل. وهذا وصف بدأ مع أبا أيبان ولا يزال ساري المفعول. اضافة ان هذه "الدولة" المبتورة السيادة مرشحة لأن تفقد قدسها كعاصمة لها حيال سياسة الامعان في تسريع عملية التهويد والتهديد، اضافة الى التصريحات الاستفزازية التي يرددها نتنياهو بأن "القدس عاصمة أبدية وأزلية لدولة اسرائيل".
سيدي الرئيس محمود عباس،
بحكم وجودك على رأس منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية ادرك انك على اطلاع أكثر دقة وشمولا على معاناة شعبنا في فلسطين بسبب التلاعب في المصطلحات التي تعممها اسرائيل والتي كان من تداعياتها الاصرار الاميركي على عدم اللجوء الى مجلس الامن في الامم المتحدة، لكون اسرائيل ترفض اي مشاركة او حق لمجلس الامن في اصدار قرارات تؤكد الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف. ومهما تكن اقتناعات الرئيس اوباما في هذا الصدد، فان التجاوب التلقائي من أكثرية ضخمة في حزبه في الكونغرس كما في الحزب الجمهوري المتربص لكل اولوياته يفسر شدة مقاومة ادارته لأي لجوء عربي وخاصة فلسطيني الى مجلس الأمن والتهديد بحق النقض اذا بدا ان هناك اصراراً عربياً على سلوك هذا الاتجاه. أكثر من هذا ان استعانتكم بمرجعية "الرباعية"، وإن كانت أرحم من التفرد الاميركي، مشوبة بأن نجاعتها كمرجعية فاقدة الاستقامة، اضافة الى كونها فاقدة الفاعلية أكثر الا في ما يتعلق بمهمات يتم تكليفها بها من قبل العضو الرئيسي فيها أي الولايات المتحدة. ويعود فقدان الرباعية لصفة "المرجعية" الى وجود الأمين العام للأمم المتحدة عضواً فيها. فسبب الاعتراض الذي ابداه سيدي أبو مازن هو ان الامين العام هو المؤتمن على تنفيذ جميع قرارات الأمم المتحدة الصادرة عن الجمعية العامة أو مجلس الامن أو الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية واللجان لا سيما لجنة حقوق الانسان، وقرارات الاجهزة التابعة للمنظمة الدولية، نشير الى هذه الاشكالية لكون الامين العام في الرباعية المرشحة لاتخاذ قرارات منتقصة لما شرعته القرارات الأممية، كما ان اعتماد بياناتها كمرجعية لعملية استئناف "المفاوضات" كان متوقعاً أن تصروا على مرجعية قرارات القمم العربية المتحدة كمرجعية وحيدة.
أشير الى هذا الواقع للقول ان مرجعية الوفد الفلسطيني يجب أن تبقى محصورة بالمرجعية العربية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. ولكن سيدي الرئيس حتى اسرائيل لم تعر أي أهمية للرباعية وبالتالي حصرت قبولها بدعوة الرئيس الاميركي.
سيدي الرئيس محمود عباس، أدرك اني قد أطلت ووقتكم ثمين، لكن اعتبر ضبط المصطلحات التي تتعاملون بها حاجة ملحة، نظراً الى ان أي التباس من شأنه أن يوظف في سبيل الايقاع في مصيدات توظفها اسرائيل للتنصل من أي التزام والتحايل وشراء الوقت، كما لا بد أنكم أكثر خبرة في التلاعب في المصطلحات الذي مارسته اسرائيل لاجهاض حقوق شعبنا في فلسطين منذ قيام المشروع الصهيوني والذي لا يزال يعمل على استكماله.
وأخيراً حتى يكون لمستقبل المفاوضات، اذا تمت، نجاعة وصدقية وقدرة لتوفير صلابة عملية التفاوض اذا استؤنفت يجب ان تتم أولاً "مصالحة"، مع اني لا استسيغ هذه الكلمة التي تفترض فقدان الوحدة الوطنية التي يجب أن تبقى منيعة وفرضية مسلّماً بها، ومن ثم ان يكون الوفد الفلسطيني أشمل تمثيلاً بحيث يشمل الكل الفلسطيني من القدس والقطاع ومن اللاجئين تعبيراً عن شمولية وصدقية التمثيل. فيتعزز ميزان القوى ولا يقتصر الحضور العربي على الدول المطبعة فتكون المحادثات أكثر شمولية أو تختزل بوجود الأمين العام لجامعة الدول العربية...
سيدي الرئيس أبو مازن،
أتمنى لكم ولشعبنا في كل أرجاء فلسطين رمضاناً مباركاً يخرجنا من شطط الانقسام حتى تصبح المفاوضات المستقبلية أحد تجليات المقاومة التي بدورها تفرز مفاوضات مستقيمة وناجعة، وبالتالي تخرج من عبثية الدوامة الحالية الى مفاوضات تؤول الى التحرير الموعود، كما حق العودة ما هو وارد في مصطلح التحرير الذي يبدو انه لم يعد وارداً بما فيه الكفاية.
إن زيارتكم للبيت الابيض فرصة لاختراق مضيء اذا كان وضوح المصطلح ردكم على "الضغوط غير المحتملة".
مع الاحترام والمودة

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.