فجعت عندما جاء الخبر من بيروت يحمل نبأ ترجل فارس الصحافة ورائد الكلمة وعلم من إعلام لبنان.... النقيب ملحم كرم الذي توفي في مستشفى هوتيل ديو في صباح السبت 22 أيار/ مايو 2010، ورغم مرضه الشديد الذي أبطأ من بعض حركته وعجز عن إطفاء حضوره إلا أن موته كان مباغتاً.
كان حتى اليوم الأخير من حياته متواجداً على رأس عمله سواء في نقابة المحررين متابعاً أمور أعضاء النقابة، مدافعاً عن حقوقهم، جالساً بجانبهم ومتضامناً معهم في قصر العدل حين تعرضهم لأي اتهام، فكان اسم النقيب ملحم كرم ضمانة للمحررين اللبنانيين بالحفاظ على حقوقهم من قبل نقابتهم في كل زمان وتحت أي ظرف، وما زال المحررون اللبنانيون يذكرون كيف كان النقيب كرم يتنقل بين خطوط التماس التي تقسم العاصمة بيروت خلال الحرب الأهلية اللبنانية مخاطراً بحياته ليطلع على شؤون وأوضاع المراسلين والصحفيين وتأمين رواتبهم، وليكون من أهم رموز الوحدة الوطنية اللبنانية.
كما بقي في مكتبه في دار ألف ليلة وليلة، مشرفاً على مطبوعات الدار مترأساً تحرير عدد منها، ولم يفقد يوماً إيمانه بجوهر الصحافة القائم على الدفاع عن الحقيقة دائماً فظل الشعار الشهير «علمتني الحقيقة أن أكرهها فما استطعت» الذي وضعه والده الروائي الشهير كرم ملحم كرم يتصدر جميع إصداراته.
ولم يتغرب عن التكنولوجيا الحديثة والتطويرات التي أدخلتها على العمل الإعلامي، فواكب النقيب كرم الذي مارس الصحافة يوم كانت تكتب بالقلم وتصف الجرائد يدوياً ركب التطور، فأصدر الصحافة الالكترونية إلى جانب الصحافة المطبوعة.
وظل حاضراً في الحياة الاجتماعية والسياسية في لبنان، فكان متواجداً في المناسبات الاجتماعية والسياسية المهمة، بأناقته التقليدية ودماثة طبعه وكرم أخلاقه، ينقل الرسائل ويوفق بين الأطراف المتنازعة، حاضراً في المنابر السياسية والإعلامية مدافعاً حتى النهاية عن ثوابته الوطنية المتجسدة بلبنان الواحد والعيش المشترك بين جميع أبناءه، صاحب الحق في المقاومة، والعلاقة السورية اللبنانية المميزة القائمة على الاحترام المتبادل لأمن وسيادة البلدين الدولتين الشقيقتين.
ولد النقيب ملحم كرم في دير القمر عام 1932 ، وهو نجل الأديب اللبناني العربي الكبير كرم ملحم كرم صاحب روايات «ألف ليلة وليلة» و«العاصفة» و«الأسرار» وكاتب ألف قصة وقصة ومئة قصة طويلة، فضلاً عن الدراسات والمحاضرات والمقالات.
درس علومه الثانوية في مدرسة «الحكمة» وتخرج منها حاملا شهادة البكالوريا الجزء الثاني (الفلسفة). ثم نال شهادة الحقوق من معهدي اليسوعية والجامعة اللبنانية. وأنشأ كرم إتحادي الطلاب الثانويين والجامعيين في لبنان، وكان رئيسا لاتحاد الطلاب الثانويين ست سنوات، ثم رئيساً لاتحاد الطلاب الجامعيين على مدى خمسة أعوام.
انتخب نقيباً للمحررين في عام 1961، ثم نال شهادة الدكتوراه في القانون. ومنذ ذلك العام يجدد المحررون انتخابه نقيباً لهم كل ثلاث سنوات. كما انتخب نائباً أول لرئيس اتحاد الصحافيين العرب في عام 1977 ولا يزال، ونائباً لرئيس الجامعة الدولية للصحافيين.
يرأس النقيب كرم تحرير: مجلة «الحوادث»، جريدة «البيرق» اليومية العربية، مجلة «لا ريفيو دي ليبان» الفرنسية الأسبوعية، ومجلة «مونداي مورنينغ» الإنجليزية، كما يشغل منصب مدير عام لـ «دار الف ليلة وليلة» التي تصدر 14 إمتيازاً لأربع عشرة مطبوعة.
النقيب ملحم كرم كان جسراً للمودة والمحبة والوئام، كما كان ويعرف الجميع لبنانياً عربياً فصيحاً، بليغاً، فيه كل الجرأة والإقدام والرجولة.. ولا غرو في ذلك فقد ولد النقيب وتربى بين الحروف والكلمات وترعرع مع ورق الصحف والمجلات.
ربطتنا بأستاذنا النقيب الراحل علاقة محبة واحترام ومودة.. حضرنا بمعيته وإلى جانبه عشرات اللقاءات والمنتديات والمؤتمرات الإعلامية في لبنان وسورية والدول العربية، شاركناه الاحتفال بمئوية والده كرم ملحم كرم، وبعزاء زوجته المرحومة ليلى مبارك.
نعاه دولة الرئيس نبيه بري قائلاً: «.. يرحل واحد من أبرز فرسان الكلمة وركن من أركان الصحافة البنانية..».
ورئيس الجمهورية عماد سليمان: «.. نذر حياته للصحافة.. عاملاً على إعلاء شأن المهنة وتحصين أهلها، وله مواقف وطنية جريئة ومشهودة».
لأولاده د. كرمى وكرم وثائر وحفيده ريان وشقيقه أستاذنا النقيب عصام كرم نقيب المحامين المتميز ولشقيقته سوزان زوجة النقيب السابق للمحامين ريمون شديد ومهى زوجة الياس فرنسيس ولنقابة المحررين اللبنانيين ونقابة الصحافيين واتحاد الصحافيين العرب العزاء وطول البقاء.
لنقيب محرري الصحافة اللبنانية الراحل الرحمة وجنات الخلد، والبقاء لله والوطن.
