تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تشومسكي في الجنوب: أخبروني عن حرب تمّوز

مصدر الصورة
sns - الأخبار

 

محطة أخبار سورية

حين زار المفكّر اليساري نعوم تشومسكي لبنان في 2006، غادر قبل نشوب حرب تموز. لكنّه في جولته على قرى الجنوب، الجمعة، تعرّف عن كثب على المعارك الطاحنة التي دارت على أراضيه. الرحلة بدأت في صور وانتهت في مليتا، مروراً بمارون الراس..

 

أصيب الجندي الإندونيسي بالخوف حين رأى موكب السيارات الخمس يصل إلى محيط دبّابته التابعة لقوات اليونيفيل، قاطعاً عليه أيّ طريق للهرب. لكنّه اطمأنّ بعدما اكتشف أنّه وفد «سياحي» جاء يستطلع الحدود الجنوبية ويلقي نظرة على فلسطين. بعد برهة، سأل عن هوية الشخص الذي يسارع الجميع لالتقاط صور له ضمن المجموعة، أجابه أحدهم: «نعوم تشومسكي». هزّ رأسه قائلاً إنّه لم يسمع به قط، وعاد إلى دبّابته.

 

لكنّ عالم الألسنيّات الشهير، تشومسكي، كان قد نال اعترافاً دولياً آخر خلال رحلته الجنوبية التي بدأت في صور وانتهت في مليتا. فحين كان والوفد المرافق له في مارون الراس يستطلع الأراضي الفلسطينية المحتلة، عرّفته أستاذة جامعية إيرانية تدعى طيبة محمود زادة، صودف وجودها في المكان نفسه مع وفد من سفارة بلادها يضمّ نائبين، وقالت إنّها تدرّس أفكاره وكتبه في جامعة طهران.

 

كانت رحلة المفكر العالمي الذي يلقي ندوة في 25 أيار في الأونيسكو عن «السياسة الأميركية في الشرق الأوسط» بدعوة من «نادي اللقاء»، طويلة. بدأت في الثامنة والنصف صباحاً في صور بلقاء مع مسؤول حزب الله في الجنوب الشيخ نبيل قاووق. رحّب هذا الأخير بتشومسكي في زيارته الثانية للبنان والجنوب، التي تصادف في الذكرى العاشرة للتحرير.

 

وتحدث تشومسكي عن الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي لم يذكر لبنان سوى مرة واحدة خلال حملته الانتخابية، حين قال إنّه ساند عدوان 2006. وأضاف إنّ أوباما تكفل بألا يُفعَل شيء لمعاقبة الدولة العبرية على حربها. كذلك تناول وضع اللوبي الصهيوني الفاعل في واشنطن التي لا تدفع ضريبة مقابل السياسات الإسرائيلية، والدليل على ذلك أنّ إسرائيل تطيع أميركا كما فعلت حين أوقفت حرب غزة قبل تسلّم أوباما منصبه، كي لا يضطر إلى التطرق إليها في خطابه. وقبل أن يغادر المفكر اليساري، أصر قاووق على منحه هدية هي عبارة عن قارورة تحتوي على مياه زمزم.

 

بعد صور، توجّه الوفد إلى بنت جبيل، حيث اطّلع تشومسكي من ممثل لحزب الله على عملية إعادة بناء وترميم المباني التي تهدّمت أو تضرّرت خلال حرب تموز. ثم انتقل الجميع إلى بلدة مارون الراس. وخلال الرحلة إلى هناك، سأل تشومسكي عن سبب عدم رؤيته أي دورية لليونيفيل بين البلدتين، ولم يستطع أحد الإجابة عن سؤاله. هناك كان تشومسكي حائراً بشأن المياه، وكيف يستطيع سكان المنطقة الحصول عليها في ظل الخلاف المائي مع إسرائيل، ففسر له ممثّل حزب الله أنّ الأهالي يعتمدون على مياه الأمطار وشراء صهاريج المياه في مواسم القحط. وأضاف شارحاً له إنّ جزءاً من بلدة عيترون موجود في الأراضي المحتلة، وإنّه يوجد 193 مركزاً عسكرياً إسرائيلياً على الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان، رغم أنّ المسافة الحدودية بينهما لا تتعدى 92 كيلومتراً.

 

وكان لافتاً سؤال إحدى الصحافيات المرافقات للوفد، عن المتنزّه المشيّد في مارون الراس، فتلقّت إجابة بأنّه يحتوي لُعباً جهاديّة للأطفال!

 

في كلّ محطة جديدة، كان تشومسكي يسأل المرافقين له عن انطباعاتهم، وعمّا إذا كانوا قد زاروا هذه المنطقة من قبل، ويستفسر عن كلّ محطة ومكان وحدث بأسئلته الهادئة.

 

وبما أنّ زيارة تشومسكي الأولى إلى لبنان كانت قبل حرب تموز بأشهر، فقد حصل من الوفد المرافق له على شرح مفصّل للمعارك التي حصلت في الأماكن المختلفة التي زارها. فهنا حاول الإسرائيليون الدخول يوم 12 تموز ولم يستطيعوا. وهناك قاموا بإنزال فاشل ارتدّ عليهم، وسط بهجة ظاهرة على محيّاه لحصوله على كلّ تلك المعلومات.

 

كذلك علم المفكر أنّ الدولة اللبنانية غائبة عن المناطق التي يزورها، وأنّ المواطنين يلبّون احتياجاتهم بأنفسهم، معتمدين على الأحزاب وعلى مساعدة الدول التي أعادت إعمار الجنوب إثر حرب تموز. كما تعرّف تشومكسي على ما فعله تيري رود لارسون، حين حدّد الخط الأزرق، فاقتطع عشرات الأمتار من الأراضي اللبنانية لمصلحة إسرائيل.

 

بعد مارون الراس، تابع الوفد الرحلة عبر عيترون وبليدا اللتين بدتا فارغتين إلّا من اللافتات

الترويجية للمرشحين قبل يومين من الانتخابات البلدية، وصولاً إلى ميس الجبل التي كانت شوارعها تعجّ بالمواطنين، وقد استقبلت زوارها بلافتة لحركة أمل تقول «السلاح زينة الرجال».

 

بعد بلدة حولا، تصبح الطرقات سيئة جداً، ولا تزال الهيئة الإيرانية تعمل على تسويتها وتزفيتها، وصولاً إلى العديسة. هناك استمع تشومسكي لوصف عن الجولان ومزارع شبعا التي استطاع الجميع رؤيتها مع مستوطنة «مسكاف عام» الواضحة كلّها من الجانب اللبناني للحدود. أمتار قليلة ووصل الجميع إلى «بوابة فاطمة». هناك استنفر الجندي الإسباني العامل في قوات اليونيفيل، الذي يقف على الرصيف في الجانب اللبناني من الحدود بعد رؤيته أعضاء الوفد يترجّلون من السيارات. واستدعى بعض التعزيزات التي وصلت بعد قليل، وكانت عبارة عن عنصرين إضافيين. هناك وقف الصحافيون وأعضاء الوفد ينتظرون وصول دورية إسرائيلية. إذ علموا قبل ذلك أنّ الإسرائيليين، حين يكون الوفد كبيراً، يرسلون أحياناً دورية لاستطلاع ما يحصل في الجانب اللبناني. مرت الدقائق ثقيلة على الواقفين تحت الشمس، ومن ضمنهم تشومسكي الثمانيني، ولم يصل أحد. شُغل الجميع بالتقاط الصور للجانب الآخر من الحدود وللتعزيزات الإسرائيلية الواضحة التي تقع على بعد أمتار قليلة منها. ووقفت فتاتان أمام السياج، ورفعتا علامة النصر باتجاه فلسطين. وحده عصفور صغير بقي يتنقّل فوق السياج ذهاباً وإياباً قبل أن يستقر على شجرة في الجانب اللبناني.

 

مع مرور الوقت، والتأكد من عدم وصول أيّ من الإسرائيليين، قرر الوفد استئناف الطريق باتجاه الخيام. في المعتقل السابق المدمر، تجوّل تشومسكي مستمعاً إلى شروح عن تاريخ المعتقل، وكيف استضاف عدداً كبيراً من المناضلين اللبنانيين، الذين اعتقلهم عملاء ميليشيا «جيش لبنان الجنوبي»، وكيف دمّرته الطائرات الإسرائيلية في حرب تموز. كذلك اطّلع على القطع الحربية التي تعرضها المقاومة هناك، من دبابات وصواريخ، فيما أمضت ابنته الأستاذة الجامعية، أفيفا، الوقت متجولة بين الركام وهي تلتقط الصور.

 

بعد هذه الجولة التي شملت قرى وبلدات عدّة، حان وقت الاستراحة للمفكر التعب، فتوجّه الوفد إلى النبطية لتناول الطعام اللبناني الذي يحبّه تشومسكي وابنته كثيراً، ثم انطلق الجميع باتجاه مليتا للمشاركة في احتفال حزب الله.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.