تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

نزار قباني

تمر في الثلاثين من نيسان الذكرى الثانية عشرة لوفاة الشاعر العربي السوري الدمشقي الكبير نزار قباني عام 1998، وفي حين ارتبطت اسماء الشعراء العشاق عبر التاريخ بأسماء معشوقاتهم (مجنون ليلى – جميل بثينة – كثير عزة – عنترة وعبلة) فإن اسم نزار قباني ارتبط إلى الأبد بالعشق والحب، فكان الشاعر الذي علم الرجال كيف تحب وتعشق، وعلم النساء كيف تكون محبوبة ومعشوقة وعلم الجميع حب دمشق الشام.

ولد نزار قباني في 21 آذار 1923 في حارة «مئذنة الشحم» الواقعة في قلب المدينة القديمة بدمشق، لعائلة دمشقية (من بيت آق بيق وتعني الشارب الأبيض بالتركية)، كان أكبر إخوته رشيد، معتز، وصباح الإعلامي والسفير، أما اخته الوحيدة وصال فقد توفيت مبكراً بمرض القلب وتركت وفاتها أثراً كبيراً على نفس الشاعر، وتربط صلة القربى بين نزار وأبو خليل القباني مؤسس المسرح الحديث في بلادنا.

ترعرع نزار في منزل العائلة المكون من طابقين حول باحة مكشوفة يتوسطها نافورة مياه و يتسلق جدرانها الرخامية الياسمين الأبيض والورد الأحمر وتزهر فيها أشجار الليمون، فكان عطر الياسمين هو أقدم ذكريات الذي ظل يحن إليها طوال عمره ويتغزل بها في شعره واكسبته لقب عاشق الياسمين.

درس في مدارس دمشق وجامعتها وتخرج عام 1945 من كلية الحقوق والتحق بالسلك الديبلوماسي وكانت أولى المهام التي تسلمها في السفارة السورية بالقاهرة لتتبعها بعثات دبلوماسية أخرى في كل من أنقرة ولندن ومدريد وبكين، واستقال من العمل الديبلوماسي عام 1966 وانتقل للعيش في العاصمة اللبنانية بيروت متفرغاً للكتابة ولدار النشر الخاصة به.

على الرغم من تمرده على التقاليد والعادات وانتقاده السلوكيات البالية للمجتمع العربي كان الزواج الأول لنزار قباني تقليدياً، حيث تزوج من قريبته السيدة زهراء آق بيق وأنجب منها بكره توفيق الذي توفي في سن الثانية والعشرين بمرض القلب ورثاه والده في قصيدة الأمير العربي وابنته هدباء التي توفيت عام 2009، ولم تستطع زوجة الشاعر التأقلم مع الشهرة التي حصدها والمعجبات التي أحطن به، فكان أن تم الانفصال بين الزوجين بشكل ودي.

في بداية الستينيات التقى نزار قباني في حفل استقبال في بيروت بفتاة عراقية تدعى «بلقيس الراوي» سرعان ما استحوذت على قلبه وعقله فتقدم لخطبتها وتزوج الحبيبان عام 1969 وأنجبا طفلين هما عمر وزينب، لكن القدر عاد ليضرب الشاعر من جديد حين خطف منه زوجته وتوأم روحه في انفجار ببيروت إبان الحرب الأهلية اللبنانية عام 1981، ورثاها الشاعر بقصيدته الطويلة الوحيدة التي حملت اسمها «بلقيس»، وبعد موت بلقيس هجر نزار قباني بيروت وانتقل للعيش نهائياً في العاصمة البريطانية لندن.

ظهرت الروح الإبداعية عند نزار مبكراً لكنه لم يكن يعرف الوسيلة الأمثل لتفريغ وإظهار طاقاته الخلاقة، فجرب الرسم أولاً يشده الولع بالألوان، لكنه لم يقتنع بما قدمه من لوحات، وجرب الموسيقى بعدها لكنه أخفق في تعلم العزف، ليكتشف فيما بعد طاقته الشعرية، فينتج أجمل اللوحات الشعرية ويعزف بكلماته أحلى الألحان.

كانت أولى قصائده عام 1939 خلال رحلة بحرية إلى إيطاليا وهو ما زال في السادسة عشرة من عمره، وأثناء دراسته في الجامعة نشر أولى دواوينه «قالت لي السمراء» على نفقته الخاصة، وأثارت قصيدة «خبز وحشيش وقمر» من هذا الديوان عاصفة جدلية في الأوساط الثقافية وجاء الديوان الثاني «طفولة نهد» الذي نشره عام 1945 عقب وصوله إلى القاهرة ليزيد من إشكالية هذا الشاعر، وليصبح الجدل والنقاش حول أفكاره وشعره والانقسام ما بين مؤيد ومعارض الميزة التي ترافق كل ديوان أو كتاب جديد ينشره نزار والذي وصل عددهم إلى 35 كتاباً وديوان شعر.

نكسة عام 1967 أحدث انعطافة جذرية في مسيرة نزار الشعرية، فبعد أن كان نزار شاعر العشق والتمرد على التقاليد أصبح شاعراً سياسياً ثائراً بامتياز فكانت قصيدته «هوامش على دفتر النكسة» الأولى من سلسلة من القصائد السياسية التي تعالج الواقع العربي المعاصر والمعاش.

يعد نزار قباني من أغزر الشعراء العرب على مر التاريخ حيث أحصى الصديق الباحث برهان بخاري في كتابه عن نزار قباني والصادر عن دار سعاد الصباح بالكويت 17310 بيتاً من الشعر موزعة على 766 قصيدة.

كما يعد من أكثر الشعراء التي غنيت قصائده في العصر الحديث، حيث لحنت قصائده وغناها كل من:

السيدة أم كلثوم أصبح عندي الآن بندقية، رسالة عاجلة إليك من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب.

السيدة فيروز: وشاية، لا تسألوني ما اسمه حبيبي من ألحان عاصي رحباني.

عبد الحليم حافظ: رسالة من تحت الماء، وقارئة الفنجان من ألحان الموسيقار محمد الموجي.

نجاة الصغيرة: ماذا أقول له، متى ستعرف كم أهواك، أسألك الرحيلا، سيد الكلمات من ألحان محمد عبد الوهاب.

فايزة أحمد: رسالة من امرأة من ألحان محمد سلطان.

وغيرهم مثل طلال مداح، أصالة، ماجدة الرومي، عاصي الحلاني، إلهام المدفعي ولطيفة التونسية، فيما أصبح المطرب الفنان العراقي كاظم الساهر متخصصاً في غناء قصائد نزار قباني حيث قدم إلى الآن اثنا عشر أغنية من قصائده.

وشاهدنا ونشاهد حالياً على شاشتنا الوطنية (دراما) مسلسلاً تلفزيونياً أخرجه الصديق باسل يوسف الخطيب وأعد السيناريو الصديق الكاتب قمر الزمان علوش عن حياة (نزار قباني) تناوب في تأدية دور نزار كل من الفتى الجميل مجيد (ابن باسل الخطيب وديانا جبور) وتيم حسن وسلوم حداد ومثل دور والد نزار أسعد فضة ووالدته صباح الجزائري بالإضافة إلى مجموعة من ألمع وأشهر الممثلين السوريين وأشرف على انتاجه الصديق الناشر السوري     د. نبيل طعمة مشكوراً.. هذا المسلسل جعل نزار يدخل كل بيت سوري وعربي لتتم المطابقة بين شخصية الشاعر وشعره وديبلوماسيته وإنسانيته..

توفي نزار قباني في 30-4-1998 في لندن وأعيد جثمانه إلى أرض بلده الشام وورى الثرى في مقابر العائلة في باب الصغير تنفيذاً لوصيته التي جاء فيها: «أدفن في دمشق.. الرحم التي علمتني الشعر والإبداع وأهدتني أبجدية الياسمين».

نزار قباني علامة وطنية، سورية، إبداعية، فارقة بامتياز.. كلما يذكر الياسمين والحب والعشق والأرض والشام وسورية.. سيذكر نزار قباني.

له الرحمة والبقاء لله والوطن.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.