تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الكيسنجرية تتجاوزها السياقات الإقليمية

 

محطة أخبار سورية

مع اقتراب موعد سحب ما تسميه إدارة الرئيس أوباما «الوحدات القتالية» من العراق بحلول شهر آب المقبل، تعيش واشنطن حالة قلق يفضحها الجدل المحتدم الذي يدور في دوائرها السياسية والأكاديمية حول الخيارات التي تضمن بقاء العراق حليفا للولايات المتحدة.

وزير الخارجية الأسبق هنري كسينجر، والذي مازال رغم بلوغه عتبة التسعين يعبر بما لديه من آراء وأفكار عن الاتجاهات السائدة في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية، نشر في الفترة الأخيرة مقالا في صحيفة واشنطن بوست انتقد فيه تركيز إدارة الرئيس أوباما على موضوع سحب القوات الأميركية من العراق دون الالتفات إلى تداعيات هذه الخطوة على المصالح الأميركية في البلد المنكوب والمنطقة برمتها.

يرى كيسنجر أن الانسحاب من العراق لن يغير الأهمية الجيوستراتيجية لهذا البلد سواء من جهة احتياطاته النفطية الحيوية للاقتصاد العالمي، أم من جهة التوازنات بين القوى الإقليمية في المنطقة أو حتى علاقات القوة المحلية بين الفئات والأطراف العراقية المختلفة. بالنسبة لكيسنجر فإن الدوائر الثلاث سواء قرأناها من الأكبر إلى الأصغر (أي العالمية والإقليمية والمحلية) أو بالعكس، تشكّل حالة صراع تنقسم فيه هذه الدوائر إلى معسكرين فيهما تراتبية معينة للقوة والتأثير. الولايات المتحدة، كما يقول عجوز السياسة الأميركية، لا تملك ترف الانسحاب من هذا الصراع الذي قد يقرر مستقبل المنطقة والعالم.

أمام قلة البدائل والخيارات الواقعية الممكنة، يدرك كيسنجر أن إدارة أوباما لا تملك إلا أن تسحب الجزء الأكبر من قواتها من العراق لتزج بها في الحرب في أفغانستان بعد إقرار الزيادة الأخيرة في القوات الأميركية لإضعاف طالبان، إلا أنه يعيب عليها عدم امتلاك رؤية واضحة لإبقاء العراق في الخندق الأميركي بعد الانسحاب. ورغم أنه لا يقدم مقترحات أو توصيات لتحقيق ذلك، إلا أن أفكاره تبقى حبيسة الفكر الكلاسيكي الذي لا يرى المنطقة إلا في إطار الصراع وموازين القوى التقليدية التي تفترض بقاء أقطابها في مواجهة بعضهم بعضاً.

مبعث قلق كيسنجر وآخرين في مدرسته هو ما إذا كانت إدارة أوباما قادرة أو على الأقل مهتمة بإعادة بناء العراق كقوة إقليمية تقوم بممارسة وظيفتها التقليدية في موازنة النفوذ الإيراني وإلى حد ما الدور التركي الصاعد. بالنسبة لكيسنجر يشكل هذا مقياس النجاح الحقيقي في الجهد الأميركي لإبقاء العراق في المعسكر الدولي والإقليمي «الصحيح».

هذه المقاربة، التي أنهكت المنطقة على امتداد عقود، تبين بوضوح أن «الكيسنجرية» التي طغت على الفكر السياسي الأميركي في سبعينيات القرن الماضي وبلغت ذروتها مع بداية الحرب الباردة الثانية، مازالت ترى العالم بالأبيض والأسود، متجاهلة النزعات الحديثة التي طرأت على السياق الإقليمي الشرق الأوسطي وبدأت ترى علاقات أركانه في إطار تعاوني أكبر.

يبقى أن «فراغ القوة»، الذي يحذر منه كيسنجر ويراه حتميا مع اقتراب انسحاب الأميركيين من العراق، هو نفسه الذي يدفع باتجاه تكامل اكبر وتنافر اقل بين أقطاب المنطقة وهو أمر لا يستطيع «الكيسنجريون» تقبله.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.