تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

شوبان 1810 - 1849

احتفل العالم في شهر آذار 2010 بالذكرى المئوية الثانية لولادة الموسيقار فردريك فرانسيس شوبان، والذي يعد واحد من أهم الموسيقيين الكلاسيكيين في العالم والموسيقار الذي غير أسلوب العزف الموسيقي على آلة البيانو، وبدأ الاحتفال بعام شوبان بافتتاح متحف جديد يحمل اسم هذا الموسيقي في العاصمة البولندية وارسو.

ولد شوبان في قرية «زيلازوفا فولا Żelazowa Wola » قرب وارسو في 1-3-1810 لأب فرنسي هاجر إلى بولندا عام 1787 عندما كان في السادسة عشرة وأم بولندية من عائلة فقيرة ذات أصول نبيلة، وهو الابن الوحيد وله ثلاث شقيقات.

كانت عائلة شوبان تعشق الموسيقى، فكان والده يعزف على آلة الفلوت والكمان، أما والدته فكانت أستاذة بيانو تعلم الأطفال العزف على تلك الآلة، وفي هذه البيئة الموسيقية نشأ شوبان الطفل وأثرت الموسيقى تأثيراً كبيراً على تكوين شخصيته، وشوبان اعتاد أن يبكي من التأثر عند الاستماع إلى عزف أمه على آلة البيانو.

سرعان ما تبين للجميع الموهبة الخارقة التي يملكها شوبان، فكانت أول محاولاته لإعادة إنتاج الألحان التي يسمعها في سن السادسة، وأصبح يعزف في حفلات موسيقية أمام الجمهور عندما كان في سن السابعة، وقام بتأليف أولى مقطوعاته الموسيقي لآلة البيانو في تلك السن المبكرة أيضاً، وفي سن الحادية عشرة عزف أمام القيصر الروسي الكسندر الأول 1821 أثناء زيارته وارسو، وفي سن الخامسة عشرة وبعد حفلة قدم فيها عزفاً ارتجالياً أمتع الجمهور تم الاعتراف به كأفضل عازف بيانو في وارسو.

في فترة مراهقته اعتاد شوبان أن يقضي الإجازة في الريف البولندي، وهناك تعرف على الألحان الشعبية والفلكلورية، والتي لعبت في ما بعد دوراً كبيراً في صياغة أعماله الموسيقية.

كان أول أساتذة شوبان الموسيقيين أخته الكبرى لويز التي علمته العزف على البيانو، أما أول أساتذته المحترفين فكان التشيكي «واجيتش زيمني Wojciech Żywny»، الذي أشرف على تعليمه ما بين عامي 1816-1822، وفي العام 1826 انضم إلى المعهد العالي للموسيقى في وارسو والتابع لجامعتها حيث تتلمذ على يدي الموسيقار البولندي «جوزيف إلسنر Józef Elsner» الذي وصف عمله مع شوبان بأنه مراقبة موهبة تلميذه وهي تزهر أكثر من تقييده بالقواعد الأكاديمية الجامدة وتحفيز التلميذ على إنضاج موهبته الموسيقية ضمن شروطه الخاصة، وتخرج شوبان من المعهد العالي عام 1829.

إثناء دراسته قام شوبان بعدة رحلات إلى العاصمة النمساوية فيينا حيث قدم عدداً من الحفلات والتقى وتعرف على أعمال أشهر المؤلفين الموسيقيين في ذلك الزمان أمثال النمساوي فيلكس مندلسون والإيطالي نيكولو بغانيني.

غادر شوبان متوجهاً إلى باريس عام 1931 حاملاً معه حفنة من تراب الوطن «ميمماً شطر العالم الواسع، دونما هدف محدد، إلى الأبد» كما تذكر سيرة حياته، وصل باريس في شهر أيلول/ سبتمبر 1931 وقدم أولى حفلاته هناك في شهر شباط/ فبراير 1932، وقد كتب عنه الموسيقي الشهير «شومان» عندما استمع إليه: «لنرفع قبعاتنا أيها السادة، إنه عبقري».

اعتاش شوبان من التأليف الموسيقي وإعطاء دروس في البيانو، ومنعته صحته العليلة من تقديم حفلات موسيقية كثيرة، فاكتفى بتقديم حفلة واحدة سنوية في صالة صغيرة تتسع لثلاثمائة شخص فقط، والعزف في صالونات بعض الأصدقاء، وفي شقته في باريس.

وفي باريس تعرف شوبان على الكاتبة الفرنسية «جورج صاند» وسرعان ما جمعتهما قصة حب بين عامي       1839 – 1847 أصبحت من أشهر العلاقات الغرامية في القرن التاسع عشر، وعاش حياته متنقلاً في أوروبا حيث عاش لفترات في جزيرة مايوركا الإسبانية وقلعة ستيرلنغ الاسكتلندية وألف في هذين المكانين العديد من الأعمال الموسيقية التي عرفت باسم «الفترة المايوركية» و«الفترة الاسكتلندية».

عانى شوبان طوال حياته من مرض السل الذي فتك بصحته وسبب وفاته المبكرة يوم 17-10-1849 في شقته بباريس في سن التاسعة والثلاثين، وصبغ المرض حياة الموسيقي بالحزن والكآبة التي كانت الصفة المميزة للعديد من أعماله الشهيرة، وانعكست حالته النفسية في القطع الموسيقية التي ألفها.

أما العامل الثاني الذي أثر في أعمال شوبان فكانت مأساة وطنه الأم بولندا التي فقدت هويتها السياسية المستقلة في القرن الثامن عشر وتم تقاسمها من قبل جيرانها الثلاثة (روسيا -  النمسا – بروسيا)، ومنفاه وعدم قدرته على العودة إلى وطنه والحنين الذي أضفاه هذا الأمر عليه، فحاول الموسيقي الذي كان «أكثر بولندية من بولندا» كما وصفته جورج صاند الحفاظ على الروح الوطنية البولندية عبر أعماله الموسيقية فكان أول موسيقار ينجح في تأكيد أن الموسيقى هي إحدى المكونات الأساسية للهوية القومية للشعوب.

دفن شوبان في مقبرة الأب لاشيه في باريس، ما عدا قلبه الذي أزيل من صدره بناء على وصيته وتم دفنه في كنيسة الصليب المقدس في العاصمة البولندية وارسو.

تم تكريم شوبان بعد وفاته فأطلقت بولندا اسم شوبان على المعهد العالي للموسيقا في وارسو وعلى المطار الدولي فيها، كما تم اطلاق اسم شوبان على أحد الكويكبات في المجموعة الشمسية، وتقام كل خمس سنوات مسابقة عالمية للعزف على البيانو تحمل اسم الموسيقي العظيم.

تعتبر موسيقى شوبان خير ممثل للمدرسة الرومانسية في الموسيقى والأدب التي اشتهرت في القرن التاسع عشر، وما تزال أعماله كالدراسة الثورية والمسيرة الجنائزية من أكثر الأعمال شعبية للبيانو إلى يومنا هذا، وتضم المجموعة الكاملة لأعمال فردريك شوبان للبيانو (3 سوناتات، 5 راندوز، 4 شيرزوز، 4 قصائد، 17 بولونيات واحدة منها بمرافقة الأوركسترا وواحدة بمرافقة آلة الشيلو، 58 مازوركا، 20 فالس، 3 إكوسايس، 26 افتتاحية، 4 تنويعات، 4 إيمبروبتوس، 21 نوكتورنس، 27 دراسة، 2 كونشيرتو مع الأوركسترا، ثلاثية للبيانو والكمان والشيلو، سوناتا للشيلو والبيانو)، كما لحن 19 أغنية باللغة البولندية.

تتطلب أعمال شوبان مهارة تقنية عالية من العازف، وقد اخترع شوبان نمطاً موسيقياً جديداً هو القصائد للآلات الموسيقية، كما قدم العديد من الابتكارات في مجال السوناتا والمازوركا والفالس والبولنيات والافتتاحيات الموسيقية.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.