تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

نتائج قمة دون سقف الموقف التركي

لم يكن متوقعاً بالأصل أن تأتي نتائج القمة العربية متطابقة مع آمال، وطموحات الجماهير العربية، غير أنه كان هناك أمل بأن تخرج القمة بمواقف الحد الأدنى، تنتفض فيها لكرامة الأمة المهدورة في القدس، وغزة، وتتصدى للصلف، والتعنت الصهيوني الذي وجه صفعة للمبادرة العربية، وأن تعمد الدول العربية التي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني إلى قطعها، وإلى فك الحصار عن غزة، ولكن كما في كل مرة فإن النتائج جاءت متواضعة جداً، وكأنه ليس هناك خطر داهم يتهدد ما تبقى من عروبة القدس، والمقدسات في حين ذهب بعض العرب بعيداً في الاستمرار بسياسة اللهاث خلف الموقف الأميركي، والمراهنة على مفاوضات عقيمة لم تؤدِ يوماً إلى استعادة الحقوق السليبة، ولا إلى الحيلولة دون مصادرة، وقضم، وتهويد أرض فلسطين قطعة وراء قطعة.

إن قراءة سريعة في النتائج التي تمخضت عنها القمة العربية في سرت بليبيا تظهر الأمور التالية:
الأمر الأول: إن القرار بتخصيص نصف مليار دولار لدعم القدس، وطرح ملفها أمام المحاكم الدولية لم يتضمن آليات تؤمن عملياً وصول الأموال إلى المقدسيين لتمكينهم من الصمود في أرضهم، ما يثير الخوف من أن تمر هذه المساعدة المالية عبر السلطة الفلسطينية التي أظهرت أنها غير مؤتمنة على المال، وأنه ليس لها مصلحة في دعم صمود الناس، ولا في تأييد انتفاضتهم، حيث عبرت عن خشيتها، وخوفها من امتداد انتفاضة المقدسيين إلى أنحاء الضفة الغربية بدلاً من التشجيع عليها.
وفي حال اعتمدت قناة السلطة الفلسطينية لإيصال الأموال فإن القرار بدعم المقدسيين سوف يتحول إلى دعم للسلطة، وسياساتها المعادية للمقاومة، والانتفاضة، وليس للشعب الفلسطيني.
وحتى في حال تم التنبه إلى هذه المسألة من قبل رئاسة القمة، وجرى اعتماد قناة فلسطينية حريصة على إيصال المال إلى مستحقيه، فإن الموقف العربي لم يلب الحد الأدنى المطلوب لمواجهة التحدي الصهيوني، الذي وضع على جدول أعماله تهويد القدس، والمقدسات، والضرب بعرض الحائط كل المبادرات العربية، في وقت عجزت فيه الولايات المتحدة الأميركية عن إلزام حكومة بنيامين نتنياهو بالتراجع عن مواصلة عمليات الاستيطان، والتهويد في المدينة المقدسة، ويعود السبب في ذلك إلى التراخي، والتهاون في مواقف بعض الدول العربية التي تصر على الاستمرار في المراهنة على المفاوضات سبيلاً وحيداً، وإن أدى ذلك إلى ضياع الأرض، والحقوق رافضة الإقرار بالحقيقة التي رددها الرئيس بشار الأسد خلال المناقشات، والتي أثبتتها التجربة، وهي أن ثمن المقاومة أقل بكثير من ثمن المفاوضات المذلة.
الأمر الثاني: إن الموقف العربي لم يرتق حتى إلى مستوى الموقف التركي، الذي عكسه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في كلمته التي ألقاها في بداية افتتاح أعمال القمة حيث تضمنت مواقف أقوى بكثير من موقف القمة، وأعلى من السقف العربي وخاصة عندما ربط الأمن والسلام في تركيا، بالأمن والسلام في فلسطين، والقدس على وجه التحديد، في حين كان الأحرى بالعرب أن يعتبروا ما يجري في القدس من هدر للحقوق، والكرامة العربية، ومن استمرار للحصار الإجرامي لقطاع غزة، خطراً داهماً يهدد الأمن القومي العربي برمته، وأن يدفعهم ذلك إلى الانتفاض، وأخذ الموقف الذي ينصر الشعب الفلسطيني قولاُ، وعملاً، وألا يكون هناك أدنى خلاف حول سبل دعم قضية العرب الأولى فلسطين.
الأمر الثالث: لقد جاء قرار إقامة رابطة إقليمية مع تركيا خطوة مهمة تسجل في خانة الإيجابيات لما لهذه الرابطة من انعكاس إيجابي يصب في مصلحة العرب، وخاصة أن لتركيا دوراً فاعلاً في مجريات الصراع في المنطقة، ولديها موقع مؤثر، وهي تقف إلى جانب الحقوق العربية.
غير أن هذا القرار أتى ناقصاً، وقاصراً لأنه لم يشمل الجمهورية الإسلامية في إيران بسبب رفض بعض الأنظمة، العربية، إقامة رابطة معها وممانعتها فتح الحوار معها، الأمر الذي يلحق الضرر الفادح بمصلحة العرب، ويصب في خدمة المشروع الأميركي الصهيوني الذي يسعى إلى إثارة الفتنة بين العرب، وإيران في سياق محاولته خلق الذرائع، والمبررات لفرض عزلة على إيران.
ويحصل ذلك مع أن طهران تعتبر من أوائل الدول في العالم التي تدعم القضايا العربية العادلة، وفي مقدمها قضية فلسطين، وتساند المقاومة العربية ضد الاحتلال الصهيوني، متقدمة في ذلك على مواقف بعض الدول العربية التي ترفض الحوار مع إيران نتيجة ضغوط تمارسها عليها الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر إقامة رابطة عربية إيرانية، ضربة موجعة لمشروعها الهادف إلى تحويل الصراع من صراع عربي صهيوني إلى صراع عربي إيراني.
 
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.