تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سر رغبة الدكتور البرادعي في الانتقام من نظام مبارك

لم تنس مصر أن الدكتور محمد البرادعي أحرجها وهزم مرشحها لوكالة الطاقة.. ولم ينس البرادعي أن المسئولين فضلوا علىه شخصا آخر ورفضوا دعمه حتى بعد أن خرج المرشح المصري من السباق

 

ومن حق الدكتور محمد البرادعي أن يرشح نفسه لرئاسة مصر، ومن حقه أن ينتقد النظام كما شاء، ليس فقط لأن النظام يستحق، أو لأن عيوبه لا يمكن سترها، ولكن لأن الديمقراطية والأجواء الليبرإلىة التي تبحث عنها مصر، تمنحه ذلك الحق هو وغيره بشرط الجدية وامتلاك رؤية قادرة على أن تخرج بمصر من النفق المظلم الطويل الذي تمشي فيه منذ زمن.

 

الكلام السابق اتفاق لا يمكن لأحد أن يخالفه، إلا إذا كان مهووسا أو غير متزن مثل بعض رجال الحكومة الذين هاجموا الرجل بشدة وقسوة لمجرد أنه أعلن شبه رغبة في خوض انتخابات الرئاسة القادمة في 2011، فرغبة البرادعي حق أصيل له، وتأييده ودعمه حق مكفول لكل مواطن وكل حزب، بغض النظر عن سذاجة الموقف الرسمي للدولة الذي اختار معاداة البرادعي والهجوم عليه، وكأنه يثبت للعالم كله إلى أي مدي وصلت ديكتاتوريته بإعلانه الخصومة مع كل من راودته أحلام أو رغبات غير مؤكدة في منافسة الرئيس مبارك.

 

الأزمة الوحيدة في مسألة الدكتور البرادعي تكمن في جزءين.. الأول يتعلق بسؤال يقول: هل فعلا الدكتور البرادعي يمتلك رغبة حقيقية في خوض السباق نحو كرسي الرئاسة، ويحلم بخدمة هذا الوطن وانتشاله من هوامش الحرية والعدل التي يعايرنا بها النظام الحالي إلى حيث صفحات التقدم والديمقراطية البيضاء؟.. أم أن المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية والحاصل على جائزة نوبل، تم توريطه في المسألة كلها بسبب الضغوط الإعلامية والنداءات الحزبية التي داعبت مشاعره بنقل صورته إلى حيث الصفوف الأولي، بدلا من ظلمة حياة المعاش؟ وهو سؤال سيظل مشروعا طالما الدكتور محمد البرادعي لم يقف في منتصف ميدان التحرير، ليعلن ترشيح نفسه بشكل رسمي في الانتخابات القادمة سواء كان مستقلا أو على قائمة أحد الأحزاب.

 

أما الجزء الثاني من أزمة الدكتور البرادعي، فهو يتعلق بحالة الخصومة الواضحة بينه وبين النظام منذ بدأ اسمه يتردد كمرشح للرئاسة، صحيح أن النظام المصري يعادي ويفجر في خصومة كل من يقترب من الكيان الرئاسي، ولكن الأمر مع الدكتور البرادعي يختلف عما حدث مع الآخرين.. فلم يتعرض الدكتور عمرو موسي لهجوم بهذا الشكل، رغم أنه الاسم الأكثر ترددا منذ زمن على ألسنة الجماهير، حينما تأتي سيرة المنافس الحقيقي للرئيس مبارك، أيمن نور أيضا لم يتعرض لتلك الهجمة الشرسة إلا بعد أن تأكد بشكل رسمي خوضه للانتخابات الرئاسية، وبدأ يتعامل مع الدولة على أساس أنه الوصيف القادم لإزاحة جمال مبارك، أيضا حمدين صباحي ومحمود أباظة والدكتور زويل وغيرهم لم يتعرضوا لما تعرض له الدكتور محمد البرادعي، رغم أنه حتى الآن لم يعلن نفسه منافسا رسميا.

 

كما أن نبرة الدكتور البرادعي في انتقاد النظام والتعرض له، كانت أعلى وأقسى مما توقع البعض، فالرجل لم يترك تصريحا له يمر من هنا أو هناك، إلا وغلفه بلهجة انتقاد حادة تشير إلى عيوب النظام وفساده وأخطائه، وهو في ذلك لم يكذب أو يبالغ، كل هذا دفع البعض نحو الإشارة إلى أن حالة التراشق بين رجال النظام والدكتور البرادعي وعدم حسم الدكتور البرادعي لمسألة ترشحه، بها جزء كبير من محاولة انتقام يسعي الدكتور البرادعي لتفجيرها في وجه النظام المصري وإحراجه، مثلما أحرجه النظام عام 1997.

 

تلاعب الدكتور البرادعي بأعصاب النظام ورجال الدولة بالتصريحات العائمة والمائعة حول مسألة الانتخابات الرئاسية، وما تحمله هذه التصريحات من كلمات غير مريحة بين السطور غذت ذلك الإحساس عند قطاع كبير من المتابعين لمسيرة المدير السابق لوكالة الطاقة النووية، فمن الواضح ألا أحد منهما- الدكتور البرادعي أو النظام- قد نسي أو غفل عما حدث في 1997 وقت انتخابات وكالة الطاقة الذرية، لم ينس البرادعي أن النظام المصري فضل علىه الدكتور محمد شاكر، ولم ينس النظام المصري أن الدكتور البرادعي تحدي رغبته وأكمل المسيرة وروج لنفسه باسم مصر ليضع الدولة في موقف حرج، ثم يهزم إرادة دولة الرئيس مبارك بشكل ساحق ويصبح هو مدير وكالة الطاقة الذرية ويعود الدكتور الشاكر المرشح المصري إلى القاهرة بخفي حنين، بالإضافة إلى أن تلك العودة القوية للدكتور البرادعي، وكل هذا النجاح الذي حققه طوال فترة وجوده في الوكالة تطرح أسئلة أكثر إحراجا على الرئيس مبارك ورجاله، على رأسها.. هل الدولة لا تجيد اختيار رجالها في منافسات المحافل الدولية؟ هذا بالطبع لا يعني أن الدكتور محمد شاكر الذي رشحته الدولة كان أقل كفاءة من الدكتور البرادعي، ولكنه فقط لم يكن يمتلك نفس قوة البرادعي على المستوي الدولي.

 

فتش إذن عن اسم الدكتور شاكر لتعرف سر هذه الخصومة المشتعلة بين البرادعي والنظام الحاكم، ولتدرك لماذا يستمتع الدكتور البرادعي بملاعبة رجال الدولة بتصريحات الترشح للانتخابات الرئاسية، ربما لا يكون الدكتور محمد شاكر طرفا رئيسيا في هذه المعادلة، ولكنه بكل تأكيد وبدون أن يدري هو التفسير القريب من المنطق لبعض تحركات الدكتور البرادعي في مسألة الانتخابات الرئاسية، والأمر هنا لا يعتمد على تخمينات أو تكهنات، لأن اعترافات واضحة من جانب الدكتور البرادعي في حواره مع جزيل خوري الذي بثته قناة العربية عقب فوزه بنوبل، تؤكد بما لايدع مجالا للشك أن الرجل لم ولن ينسي لنظام الرئيس مبارك أنه فضل عليه مرشحا آخر، وهي التصريحات التي خرجت مرة أخري في حواره الأخيرة مع جريدة الشروق، ولكنها خرجت على استحياء بين السطور، حينما أكد أن ترشيح الدولة المصرية لشخص آخر غيره سبب له دهشة غير عادية، بل خرج عن إطار الدبلوماسية وقال إنه تم اختيار الدكتور محمد شاكر بدلا منه، بسبب علاقات شخصية بينه وبين رجال في الدولة، ثم قال الدكتور البرادعي في نفس الحوار، الجملة التي يمكنك أن تؤكد بها أن جانبا كبيرا من تحركات الدكتور البرادعي في مسألة الانتخابات الرئاسية وانتقاداته للنظام، يتعلق برغبة انتقامية، خاصة أنه قال بشكل واضح وصريح وبالعامية المصرية إن اختيار الدولة لشخص آخر غيره «حز في نفسي كثيرا».

 

ليس هذا وكفي بل ساهم رفض الدولة القاطع لأن يصبح البرادعي مرشحها الرسمي في الانتخابات، في زيادة غضب الدكتور، خاصة أن الدولة المصرية ردت طلبا تقدم به بتأييده في الانتخابات بعد فشل الدكتور محمد شاكر في تجاوز الجولة الأولي، ولكن رفضت الدولة المصرية دعم الدكتور البرادعي لحجة ساذجة، تؤكد أن هذا النظام يعاني من خلل ما، حيث اعتبر المسئولون في الدولة أن إعلان مصر دعمها الرسمي للبرادعي في المرحلة الثانية، يعتبر اعترافا بفشلها في الاختيار، وخضوعها لرغبة الغرب الذي فرض الدكتور البرادعي على الانتخابات، وهو سبب يكفي لأن يصنع داخل الدكتور البرادعي أو أي مصري آخر تلالا من الغضب وليس مجرد دهشة أو «حززان في النفس».

 

الدكتور البرادعي في النهاية إنسان من حقه أن يغضب وألا يغفر، ونحن كمصريين نعرف جيدا وقع كلمة «حز» ومتى تقال، ونعلم أكثر أن تأثيرها النفسي يدوم ويدوم حتى تأتي اللحظة التي ينتصر فيها الإنسان لنفسه ويلغي هذا «الحززان» الذي أثر فيه وفي نفسيته.

هذا الاتجاه السابق للدكتور البرادعي، ظهر واضحا في حواره مع جزيل خوري حينما تهرب من الرد على سؤالها: لماذا لم تقف مصر بجواره في انتخابات وكالة الطاقة؟ وقال لها إن نجاحه وفوزه الساحق بـ33 صوتا من بين 34 يؤكد أن المسئولين في مصر يقرؤون الواقع بشكل خاطئ، بدليل أنهم تجاهلوا حالة التوافق الدولي على ترشيحي واختاروا شخصا آخر، وهو كلام في مجمله صواب.

 

حالة الغضب التي تملكت البرادعي بسبب اختيار مصر لشخص آخر غيره، تم التأكيد عليها مرة أخري ولكن من خلال الدكتور محمد شاكر أو الرجل الذي أصبح دون أن يتدخل سببا في تلك الفجوة بين البرادعي والنظام، ففي مقال له تعليقا على حوار البرادعي مع جريدة الشروق قال الدكتور شاكر إن الدكتور البرادعي شعر بمرارة بسبب اختيار مصر لمرشح آخر، وأضاف في نقطة خطيرة لا يجب أن تمر مرور الكرام، أن سفيرا هنديا سابقا في الوكالة، أكد له أن الدكتور البرادعي انتهز الفترة الحرجة قبل ترشيح الدكتور شاكر رسميا من قبل مصر، وروج لنفسه على أساس أنه مرشح مصر الرسمي، وهو الأمر الذي أثار بلبلة في أوساط الوكالة وأضعف فرص المرشح المصري كثيرا.

 

الكلام السابق حينما تضيف إليه الاتهمات التي وجهها البرادعي لمحمد شاكر، حينما قال في حواره للشروق: إن ترشيح مصر له لم يكن بسبب كفاءته، بل كان مكافأة من الرئيس مبارك للدكتور شاكر الذي كان يستعد للتقاعد، وهو كلام على قدر سخافته الإنسانية، وعيبة قوله من زميل على زميل، يعكس جانبا آخر من الدكتور البرادعي يغذي ما سبق أن قلناه إن تلاعب الدكتور بالمعارضة المصرية والنظام المصري في مسألة الانتخابات وعدم إبداء موقف واضح وصريح، يؤكد أن للرجل في الأمر بعضا من المآرب الشخصية، نتمنى ألا يطول تأثيرها عليه حتى لا تفقد مصر رجلا في كفاءته، وخبرة نحتاجها اليوم قبل الغد مهما كانت طبيعة منصبها.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.