تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هذا مافعلناه برئة دمشق! 1000 دونم من أراضي الغوطة تتحول سنوياً إلى أبنية ومرافق..!

 

محطة أخبار سورية

بعد أن كانت جنة خضراء وسلة غذائية متكاملة تؤمن كل الحاصلات الزراعية الصيفية والشتوية ومورد رزق لأبناء دمشق وريفها والمناطق المجاورة  تحولت معظم غوطة دمشق إلى كتل إسمنتية من الأحياء النظامية والعشوائية التي اعتدت على نحو 70% من الأراضي الزراعية الخصبة التي طالما تغنى الشعراء والأدباء بجمالها ونضارتها وكثرة خيراتها.
كما كانت غوطة دمشق فيما مضى تسمى رئة دمشق ومتنفسها إلى ان تحولت معظم أجزائها وأراضيها الممتدة من شرق دمشق إلى غربها إلى بؤر مشكلات بيئية وخدمية تعوق عمليات التنمية والتطور وتستنزف الموارد الحكومية لتأمين الخدمات الضرورية لأحياء سكنية وسرطانات عمرانية تكاثرت وأكلت أجمل رقعة خضراء وأخصب الأراضي واستنزفت المياه وأصبحت عبئاً وهمّاً ومعوقاً أمام كل عمليات التنمية التي تسعى الدولة لتحقيقها.
وفي ملفنا الآتي نسلط الضوء على بعض من الهموم وربما المآسي التي أصابت غوطة دمشق وساهم فيها ضعف معدلات التنمية في الريف التي زادت من الهجرة إلى المدن حيث توجه عدد كبير من أبناء الريف إلى مدينة دمشق للحصول على فرصة عمل  مما زاد الطلب على المساكن التي وجد فيها من يسمون تجار الأزمات أو تجار المخالفات الفرصة التي لا تعوض للكسب فتحولت على أيديهم آلاف الدونمات من الأراضي الخصبة إلى ضواح وأحياء سكنية معظمها مخالف، مع أن تلك الأراضي كانت مزروعة بالفاكهة التي اشتهرت بها دمشق وعرفها العالم مقترنة باسمها كالمشمش والتوت الشامي والعنب الديراني نسبة إلى داريا وغيرها.
وتعاني هذه التجمعات السكنية من خدمات عامة سيئة وشح في الحاجات الضرورية وأهمها مياه الشرب كما أن هذه السرطانات الاسمنتية شكلت بؤر استنزاف للاموال العامة التي تذهب هباء لتقديم خدمات عامة دون المستوى المطلوب، إضافة إلى التلوث البيئي والبصري وغيره من المشكلات وقد امتدت تأثيراتها حتى صارت من أكبر الهموم والمشكلات التي تواجهها أي عملية تطويرية وأي سياسة تنموية تنتهجها الحكومة.
ويبين ملفنا الآتي أيضاً أن الحكومات المتعاقبة جميعها كانت تسعى إلى زيادة المساحات القابلة للزراعة في مختلف أراضي القطر من خلال عمليات استصلاح الأراضي، وأنفقت مليارات الليرات على هذه العمليات لكنها تراخت وقصرت على نحو واضح في الحفاظ على أخصب الأراضي من التعديات العمرانية، ولعل غياب السياسات المتكاملة وتعدد جهات الرقابة وتداخل الصلاحيات  بين العديد من الجهات الحكومية العوامل التي سببت خسارة مورد زراعي مهم وسمة مميزة بل هو مقوم من مقومات الحياة في أقدم مدينة مأهولة في التاريخ.

 70% من مساحة أراضي غوطة دمشق صارت  معامل و مساكن

تعاني غوطة دمشق عدداً من المشكلات التي أهمها سرطان التوسع العمراني والصناعي فقد تحولت 70% من مساحتها إلى غابات من المعامل والمساكن والورش المهنية الأمر الذي خفض  مساحتها الخضراء إضافة إلى معاناتها من تراجع مستوى هطول الأمطار السنوية وجفاف بعض الموارد المائية ولاسيما فروع نهر بردى، وقد انعكس ذلك سلباً على المحاصيل الصيفية كالقطن والشوندر والذرة و..الخ التي لم تعد تزرع بسبب ضيق المساحات المتبقية للزراعة وانحباس الأمطار، إضافة إلى تقلص المساحات التي كانت تزرع بأشجار الحور وتناقصت أعدادها من 85 ألف شجرة عام 2000 إلى حدود 63 ألف شجرة حالياً. وتقدر مساحة الغوطة بحوالي 30 ألف هكتار   بما فيها مدينة دمشق، ويبلغ عدد قرى الغوطتين الشرقية والغربية 42 قرية، ويحدها شمالاً جبل قاسيون وجنوباً جبل المانع، فيما تمتد إلى الشرق منها منطقة المرج والى الشمال قريتا التل ومنين اللتان ترتفعان 1300 متر عن سطح البحر، مع الإشارة إلى أن طول الغوطة يقدر بحوالي 120 كيلومتراً ويتراوح عرضها ما بين 12 و15 كيلو متراً. وتشير الإحصاءات إلى أن 21 ألف هكتار من مساحة الغوطة خرجت من حيز الإنتاج الزراعي نظراً للامتداد العمراني، ونتيجة للاستملاك الواسع لأراضي الغوطة من قبل الحكومات المتعاقبة لبناء مبان حكومية ومساكن ومرافق وخدمات.. وتالياً المساحة المتبقية من الغوطة الخضراء هي نحو 10 آلاف هكتار وتعد احصاءات عام 2005 وخرج منها حتى عام 2011 قرابة 500 هكتار لصالح الأبنية والمرافق. السيد خليل سعدية -رئيس دائرة الإحصاء والتخطيط في مديرية الزراعة في ريف دمشق أشار إلى أن المساحة المزروعة بالأشجار حالياً في غوطة دمشق بلغت أكثر من 3600 هكتار مزروعة بأكثر من 806 آلاف شجرة منها أكثر من 697 ألف شجرة مثمرة كالزيتون والمشمش والتفاحيات والعنب والجوز والرمان والتين، في حين كان عدد الأشجار المثمرة عام 2000م في حدود 750 ألف شجرة، أي أن أعدادها تناقصت بمقدار 53 ألف شجرة من الأشجار المثمرة مع الإشارة إلى أن هذا التناقص يعود لجفاف مصادر المياه والتمدد العمراني على الأراضي الزراعية. وبلغ إنتاج الغوطة من التفاحيات أكثر من 111 ألف طن ومن اللوزيات (الكرز والدراق والسفرجل) وصل الإنتاج إلى أكثر من 34 ألف طن في حين وصل الانتاج عام 2000م إلى 165 ألف طن من التفاحيات والى أكثر من 53 ألف طن من اللوزيات. لقد كانت الغوطة بشكل رئيس تعتمد على زراعة المحاصيل بمختلف أنواعها وتعد سلة غذائية من الخضراوات وفاكهة المشمش الذي يصنع منه أفضل أنواع قمر الدين، ويقوم سكانها بتربية الأغنام والأبقار حيث بلغ إنتاج الغوطة العام الماضي أكثر من 295 ألف طن من حليب الأبقار في حين كان الإنتاج عام 2000 أكثر من 355 ألف طن، كما كانت الغوطة من المناطق المهمة في تربية الماعز الشامي الذي يعد من الحيوانات الزراعية الاقتصادية جداً، ويمكن الحصول منها على منتجات متعددة وبتكلفة رخيصة كالحليب الذي قد يصل متوسط انتاجه من 350- 400 كغ لرأس الماعز الواحد سنوياً. إلا أن تربية الماعز تكاد تنقرض حالياً وقد تناقصت أعداد هذه الثروة بشكل كبير، نتيجة تناقص الأراضي والمراعي التي تحولت إلى أحياء عشوائية ومخالفة. ورغم الزحف العمراني والهجرة الواسعة من قبل سكان المدن المجاورة لمدينة دمشق التي التهمت عدداً من بساتين الغوطة منذ عام 1945 وحتى اليوم، ولاسيما بساتين الصالحية والشاغور والميدان وقرى جوبر والقابون وبرزة ودمر والمزة وكفر سوسة، إلا أن ما بقي منها ما زال يلعب دوراً مهماً في الحد من التلوث البيئي في العاصمة دمشق،
كما أنها ما زالت من المصادر المهمة التي تصدر الخضار والفواكه إلى أسواق دمشق، فهناك مزارعو الغوطة المعروفون بتعلقهم بمهنة الزراعة وعدم التخلي عنها لمصلحة الزحف العمراني.


9 مناطق للمخالفات في جرمانا التهمت الأراضي الزراعية

عوامل كثيرة ساعدت خلال العقدين الماضيين على تقليص مساحة أراضي غوطة دمشق، منها عوامل طبيعية وهي ازدياد عدد السكان وحاجاتهم الماسة إلى المزيد من الأبنية السكنية والمرافق العامة التي ترافق هذه الأبنية كالشوارع والمدارس والحدائق والأبنية الحكومية  والخ، إضافة إلى النهضة الصناعية والزراعية والسياحية التي تحتاج بطبيعتها إلى مبان عدة جاء الكثير منها على حساب الأراضي الزراعية ولاسيما تلك المحيطة بدمشق العاصمة أو ما يسمى بغوطتها الشرقية والغربية.
إلا أن التزايد الطبيعي لسكان دمشق وريفها لم يكن ليتسبب بالتهام هذه المساحات الشاسعة من الأراضي لو أن الأمر اقتصر على ذلك، والمشكلة الحقيقية التي أدت إلى زيادة الطلب على أراضي الغوطة أو الأراضي المحيطة بدمشق هي الهجرة الداخلية التي توجهت من جميع المحافظات السورية إلى محافظتي دمشق وريفها حتى تضاعف عدد سكانها لعشرات المرات خلال العقدين الماضيين، وهذه الهجرة كان من أهم أسبابها البحث عن فرص عمل التهمت نتائجها الكثير من أراضي الغوطة بسبب الطلب المتزايد على بناء المساكن وما درته تجارة البناء على تجار هذه الأبنية الذين باتوا يعرفون حالياً بتجار المخالفات، ومما زاد الطين بلة هو عدم وجود خطة استراتيجية في محافظتي دمشق وريفها لتطوير المخططات التنظيمية لإيجاد طريقة تخفف من التهام أراضي الغوطة، وهذا  الأمر فاقم ظاهرة تجار المخالفات الذين قضوا على الكثير من أراضي الغوطة وأصبحت هذه الأراضي عبارة عن أبنية عشوائية حارت معها المكاتب التنفيذية في طريقة تخديمها.. لأن تخديمها يحتاج إلى التهام المزيد من أراضي الغوطة، إضافة إلى أن القوانين والأنظمة التي من شأنها أن تخدم الأبنية لا تنفذ إلا داخل المخططات التنظيمية ولا تطبق داخل الأبنية العشوائية، ما تسبب بالقضاء على ما تبقى من الغوطة أو يكاد.
المياه الناتجة عن محطة المعالجة قضت على الأشجار

 ويؤكد «ثائر الدكاك» مزارع من جرمانا شدة الضرر الذي لحق بأراضي جرمانا جراء تعدي مخالفات البناء على الأراضي الزراعية التي تحولت إلى كتل اسمنتية جرداء، مشيراً إلى وجود 9 مناطق لمخالفات البناء في جرمانا وحدها هذا عدا عن تلوث وتلف المحاصيل الزراعية بسبب المياه الراجعة من محطة الصرف الصحي في عدرا، إضافة إلى التضخم السكاني حيث ارتفع عدد سكان جرمانا إلى حوالي 200 ألف نسمة بعد أن كانت 10 آلاف في السنوات الماضية.
كما عبرت سهيلة حموش من عربين عن حزنها الشديد على التلف الذي لحق بالمئات من أشجار المشمش البلدي في أراضي عربين والتي قضت عليها المياه الراجعة من محطة الصرف الصحي في عدرا، ولاسيما أن هذا النوع من المشمش يعد من أجود الأنواع في العالم،
بعد إعادة تصنيعه كـ «قمر الدين» وتصديره مؤخراً كمنتج استراتيجي إلى مصر وإفريقيا، وأسف عز الدين يونس من ببيلا على ضياع الكثير من الأراضي الزراعية التي التهمتها المجمعات السكنية في ببيلا وما حولها.

 بالأرقام

ومن خلال جدول خاص بمساحات الأراضي الزراعية التي التهمتها المخططات التنظيمية  والأبنية النظامية والعشوائية وغيرها من منشآت يتبين أن المساحات القابلة للزراعة تراجعت بين عامي 2005 والعام الحالي إلى 5388 هكتاراً مقارنة بعام 2005 حيث كانت 6187 هكتاراً، ومعظم هذه الأراضي الزراعية في الغوطة التهمتها المخططات التنظيمية والأبنية العشوائية، سواء كانت مساكن أو منشآت استثمارية وغيرها، وقد وصلت مساحات الأراضي التي تحولت لأبنية 4039 هكتاراً عام 2010 مقارنة بـ 3542 هكتاراً في 2005. ويقول المهندس علي سعادات مدير الزراعة في محافظة ريف دمشق: إنه وبالرغم من ازدياد المساحات الزراعية بشكل كبير خلال العقد الماضي بسبب عمليات إصلاح الأراضي الوعرة، إلا أن المساحات التي التهمتها الأبنية سواء النظامية أو المخالفات كانت أكبر، فقد كانت المساحات القابلة للزراعة عام 1995 بحدود 190600 هكتار بينما أصبحت عام 2010 بحدود 211258 هكتاراً، أي بزيادة قدرها 20658 هكتاراً، على كامل أراضي محافظة ريف دمشق.
بينما ازدادت مساحات الأراضي التي تشغلها الأبنية والمرافق من 72535 هكتاراً عام 1995 إلى 85205 هكتارات عام 2010 أي بزيادة قدرها 12670 هكتاراً.
صحيح أن الزيادات في الأراضي الزراعية هي أكبر من حجم الأراضي التي التهمتها الأبنية والمرافق، إلا أن هذه الأخيرة كانت في معظمها على حساب أراضي الغوطة واستصلاحات الأراضي تركزت على المناطق الجبلية والوعرة والصحراوية التي لا يرغب البناء بها ولا يستثمرها تجار المخالفات؟!.

اقتراحات.. وحلول

ويرى سعادات أنه لا بد من اتخاذ إجراءات صارمة للحد من التجاوزات على الأراضي الزراعية من خلال وقف الزحف العمراني والتوسع في المخططات التنظيمية في الأراضي المصنفة في الفئات من 5 إلى 8 حسب دليل مخططات تصنيف الأراضي الصادر عن وزارة الزراعة مروراً بتعديل ضابطة البناء في القرى، وذلك بعدم التوسع الأفقي للبناء على الأراضي الزراعية واعتماد التوسع الشاقولي في عمليات البناء مع تجهيز البنى التحتية للحد من الزحف العمراني على الأراضي الزراعية وإقامة التجمعات السكانية على أراضي أملاك الدولة، وإعطاء ميزة نسبية بالدعم الزراعي للمساحات الصغيرة والهدف من ذلك الحفاظ على الرقعة الزراعية وكذلك دعم التسويق الزراعي، واقتراح مشاريع ري جماعية مع تأمين مصدر مياه دائم وإيجاد تشريع جديد من قبل وزارة العدل لحل مشكلة تفتت وتشتت الأراضي الزراعية وتحديد حق استثمار الأراضي الزراعية من قبل وريث واحد مع ضرورة توزيع إيرادات الأرض على كل الورثة حسب التشريع المطبق، وإيجاد صيغة قانونية لعدم بيع الأرض بشكل مجزأ وإنما قطعة واحدة ورفع سقف الملكية ضمن العقار إلى أكثر من خمسة دونمات للحائز الواحد أو مجموعة من الحائزين وعدم قبول تفتت الحيازات، وإعادة العمل بالنظام التعاوني المطبق قديماً قبل عام 1975 وذلك لزيادة كفاءة استخدام التقنيات الزراعية الحديثة.

قرارات لم تطبق بالشكل الصحيح

كما تم تشكيل لجنة خاصة لدراسة هذا الموضوع منذ عدة سنوات، وقد خلصت  اللجنة إلى وضع الضوابط والصيغ اللازمة بالبناء على الأراضي الزراعية، ففيما يتعلق بالمخططات التنظيمية المصدقة وعند وجود اعتراض من جهة عامة مختصة على وجود أراض زراعية ضمن المخطط التنظيمي، تقوم مديرية الخدمات الفنية في المحافظة مع الجهة الإدارية بالتنسيق مع مديرية الزراعة لدراسة وضع هذه الأراضي وإمكانية إخراجها من التنظيم على أن تؤخذ بالحسبان الاحتياجات الفعلية الآنية والمستقبلية للتجمع السكاني من الأراضي اللازمة لتوسعها العمراني ومعالجة ذلك وفق أحكام المرسوم التشريعي لعام 1982. وفيما يتعلق بمشروعات المخططات التنظيمية وتوسيع المخططات المصدقة أكدت اللجنة على أن تحرص الجهة الإدارية أو الجهة التي تقوم بإعداد مشروع المخطط التنظيمي على عدم إدخال الأراضي الزراعية الخصبة والمروية والمشجرة ضمن المخطط التنظيمي قدر الإمكان والإبقاء عليها أراضي زراعية ما أمكن، واللجوء إلى إحداث ضواح على الأراضي غير الزراعية لاستيعاب التوسعات العمرانية للتجمعات السكانية التي تقع في مناطق زراعية خصبة والحد من الانتشار الأفقي في هذه التجمعات وتطبيق عامل الاستثمار وزيادة عدد الطوابق. أما في حال لجوء الجهات العامة للاستملاك خارج المخططات التنظيمية فعليها الابتعاد قدر الإمكان عن الأراضي الزراعية ومشروعات الاستصلاح، وعدم اللجوء إلى استملاك الأراضي الزراعية إلا للضرورات القصوى وفق دراسات فنية، وفي حال نشوء ضرورة ملحة لهذا الاستملاك يجب توخي استملاك الحد الأدنى من المساحة اللازمة بعد أخذ موافقة وزارة الزراعة والاتحاد العام للفلاحين.. كما أوصت اللجنة بمنع التعدي على الأراضي الزراعية في الغوطة وسرير نهر الفرات والغاب والروج والأراضي المستصلحة والزراعية أينما وجدت، إلا أنه ورغم جميع تلك الإجراءات والقرارات ما زال الزحف العمراني على الأراضي الزراعية مستمراً  .

جهات الإدارة المحلية تتحمل المسؤولية..

ولعل المسؤولية الكبرى في مواجهة تعديات البناء على الأراضي الزراعية تقع على عاتق أجهزة الإدارة المحلية، فكثيراً ما تتم عمليات البناء في ريف دمشق من دون أن يتحرك أحد للإبلاغ عنها، كما يتم التغاضي عن بعض المخالفات وفي أحيان أخرى تكون بعض الإزالة صورية، كما لم نلاحظ أي تحركات قانونية خاصة بالبناء في المناطق الزراعية، وإنما هناك قوانين وتعليمات تنظم حركة البناء بشكل عام.. وبالعودة إلى الإجراءات المتخذة خلال السنوات السابقة نجد أن تعليمات واضحة وصريحة صدرت بهذا الخصوص تتضمن منع التجاوز على الأراضي الزراعية، ولاسيما الأراضي الخصبة والمروية والمشجرة حيث قدم مشروع البرنامج الوطني لمكافحة التصحر العديد من التوصيات والمقترحات أبرزها عدم التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية وعدم استنزاف التربة الزراعية من قبل الشركات الإنشائية والاستعاضة عنها بمواد بديلة..


55 ألف متر مكعب من المياه الملوثة تصب في نهر بردى يومياً

جنة الله على الأرض ومتنفس الدمشقيين وعشقهم، يجرى فيها نهر بردى الذي تغنى به الشعراء وأمضوا أجمل أوقاتهم على ضفافه الجميلة وأبرزهم الأخطل الصغير بقصيدته التي يقول في مطلعها: /بردى هل الخلد الذي وعدوا به/ إلاك بين شوادن وشواد
قالوا تحب الشام قلت: جوانحي مقصوصة فيها وقلت فؤادي
إنها غوطة دمشق التي تشتهر بخصوبة أراضيها حيث البساتين والأشجار المثمرة بكل أنواع الفاكهة وجودة المياه إذ تغذي بساتين الغوطة مجموعة من الأنهار الصغيرة من فروع نهر بردى وشبكة من قنوات الري وهي عبارة عن بساتين  تزرع فيها كل أنواع لأشجار وبساط أخضرينتج كل أنواع الخضروات وقد وصفها ابن الوردي في كتابه عجائب البلدان بقوله:
(هي الكورة التي قصبتها دمشق وهي كثيرة المياه نضرة الأشجار متجاوبة الأطيار مونقة الأزهار ملتفة الأغصان خضرة الجنان.. استدارتها ثمانية عشر ميلاً كلها بساتين وقصور تحيط بها جبال عالية من جميع جهاتها، ومياه خارجة من تلك الجبال وتمتد في الغوطة عدة أنهار وهي أنزه بقاع الأرض وأحسنها).
تقسم غوطة دمشق إلى قسمين الغوطة الغربية وتمتد من مضيق ربوة دمشق-   (خانق الربوة) وتمتد غرباً وجنوباً إلى مناطق محيط المزة وكفرسوسة وداريا وصحنايا والأشرفية ومن بعدها سبينة ومناطق وبلدات كثيرة محوطة بالأشجار المثمرة وأشجار الحور وكل أشجار الفاكهة مثل المشمش والخوخ والتوت الشامي والجوز البلدي وغير ذلك من فواكه الغوطة والبساتين والمروج بامتداد رائع أخضر يحتضن الطبيعة، والغوطة الشرقية وبدايتها هي مدينة دوما وتمتد نحو الشرق والجنوب محيطة  مدينة دمشق ببساط أخضر وكثافة أشجار الفواكه الشامية الشهيرة مثل المشمش والخوخ والدراق والكرز والتوت والجوز وغيرها وزراعة الذرة الشامية وجميع أنواع الخضروات والسرو وأشجار الحور الباسقة الممشوقة، وتواصل الغوطة امتدادها إلى مناطق وقرى وبلدات أصبحت مدناً الآن مثل جرمانا والمليحة وعقربا وببيلا وكفر بطنا وعربين إلى أن تلتقي بالغوطة الغربية لتكمل احتضان دمشق بالبساتين. وقد اجتذب جمال طبيعة الغوطة وجناتها وبساتينها وهوائها العليل الكثير من الناس وأقيمت داخل بساتين الغوطة مجموعة من الفنادق والمتنزهات ومدن الملاهي ومجمعات المطاعم الكبيرة المتنوعة المنتشرة في مناطق مختلفة من الغوطة حيث بساتين الفاكهة وعذوبة الماء ورقة الهواء وروعة المكان وجمال الطبيعة الساحرة، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد كما تشير مصادر وزارة الدولة لشؤون البيئة فقد بدا التوسع العمراني والصناعي يمتد تدريجياً إلى الغوطة فتحولت 70% من البساتين والغابات الخضراء إلى معامل ومصانع، الأمر الذي  خفض منسوب المياه  الجوفية وتلوثها بشكل خاص بالنترات والملوثات الميكروبية التي تصل لاحقاً للمياه الجوفية, ومن أشكال التلوث المحدقة في الغوطة أيضاً تراكم النفايات في مناطق معينة والتي تتبعثر بتأثير الرياح ما يسبب في تلوث المنطقة كلها فعناصر التلوث تنتقل من الإنسان إلى التربة فالنبات ثم للإنسان مرة أخرى. وأوضحت مصادر البيئة أنه على الرغم من إقامة محطة معالجة مياه الصرف الصحي في عدرا فإن المياه غير المعالجة لكثير من التجمعات السكانية في حوضي بردى والأعوج مازالت ترمى في الأنهار والمجاري المائية وتصب في الغوطة ملوثة المياه والتربة والنبات,
حيث إن هناك ما يقارب 203 آلاف متر مكعب يومياً من المياه الملوثة تحمل معها كمية من الحمل العضوي الملوث تقدر بـ91 طناً يومياً وكمية من المواد الصلبة العالقة مقدراها 122 طناً يومياً, وفي دراسة « مركز أكساد» تناول فيها التربة في المنطقة الشرقية من دمشق حيث أجريت مقارنة بين المناطق القريبة من دمشق من خلال تقسيم التربة بينت: أن الملوثات الموجودة في التربة ناتجة عن معامل الدباغات مثل ملوث الكروم, ومعامل النسيج, إضافة إلى معامل الدهانات, ومجموعة من المعامل المنتشرة مثل معامل النايلون والزيوت الناتجة عن تصليح السيارات وليس خافياً على أحد الخطر البيئي الذي تسببه المغاسل والمشاحم والمعامل والورشات المنتشرة وعلى طول نهر بردى, وتلوث المناطق المحيطة بنهر الداعياني وتلوث المياه الجوفية بشكل مباشر عن طريق الآبار المخالفة والنظامية والتي لا تتوافر فيها الشروط الفنية.. حيث تقدر كمية مياه الصرف الصناعي التي تصب في نهر بردى وفروعه يومياً بما يزيد على 55 ألف متر مكعب يومياً محملة بكل أشكال التلوث العضوي والكيميائي والسمي, وإن التصريف الوسطي اليومي الناتج من صناعة الدباغات في دمشق إلى نهري بردى والداعياني تقدر بحوالي 1100 متر مكعب يومياً، كما إن هناك الكثير من خطوط الصرف الصحي التي لم يتم ربطها بالمجرور العام الواصل إلى محطة عدرا ما يؤدي إلى استمرار التلوث.
وقد أظهرت التحاليل المخبرية لمياه الآبار في ريف دمشق مثل: دوما- حرستا- مليحة- النشابية- الشيفونية- جرمانا- ضمير- عربين أن محتوى مياه الآبار من النترات التي تعد مادة شديدة السمية وخطورتها عالية على الصحة البشرية مع احتمال تسببها بأورام خبيثة مازال مرتفعاً.

ارتفاع نسبة النترات في مياه الغوطة

أظهرت دراسات وزارة الإسكان أنه لحل مشكلة ارتفاع نسبة النترات في المياه الجوفية في الغوطة لا بد من التشدد في مراقبة استخدام الأسمدة الآزوتية وإقامة محطات تنقية والعمل على إيجاد مصادر مائية جديدة ومنع الحفر العشوائي وغير المرخص للآبار علماً أن عدد الآبار في ريف دمشق حوالي 1600بئر وهناك حوالي 220 بئراً ملوثاً كغطاء أخضر كما تعاني الغوطة من تراجع مستوى هطول الأمطار السنوية وجفاف بعض الموارد المائية خصوصاً فروع نهر بردى، إضافة إلى خطر التلوث الصحي الذي يهدد الغوطة نتيجة تحول العديد من الأراضي إلى مطاعم ومقاهٍ ومعامل ومصانع إضافة إلى التلوث البيئي الناجم عن المياه الناتجة عن مصانع الرخام والدباغات.

تلوث مصادر المياه

يأخذ التلوث أشكالاً متعددة منها التلوث الكيميائي الناجم عن رمي المخلفات الصناعية قبل معالجتها في المجاري العامة عبر التلوث بالمعادن الثقيلة كالكروم والرصاص والكادميوم والزرنيخ!.. إضافة إلى استخدام المنظفات الكيميائية الذي يؤدي إلى أضرار كبيرة في نوعية المياه وزيادة سميتها وتلوثها.
والمشكلة الكبيرة تكمن بتلوث المياه بالمبيدات والأسمدة الكيمائية الذي ويعد من أخطر أنواع التلوث المنتشرة في حوض بردى والأعوج, نظراً لاستخدامها بشكل واسع في أعمال الزراعة والري ومالها من تأثير على التربة والمياه والنبات, وهناك التلوث الحيوي  الناتج عن مياه الصرف الصحي للتجمعات السكنية التي يصب الجزء الأعظم منها في المجاري العامة ملوثاً المياه السطحية كما إن الري الزائد واستعمال مياه الصرف التي تمت معالجتها في الري وهي مصدر آخر من مصادر التلوث المهمة لأن المياه الزائدة عن حاجة النبات تغذي المياه، واقترح أحد الخبراء جملة من الحلول للخروج من أزمة التلوث التي باتت تؤرق المواطنين والمعنيين في دمشق وريفها وأبرز الحلول المقدمة قيام مؤسسة مياه ريف دمشق بتأمين الخزانات وتوزيعها على المناطق التي تم إيقاف آبارها الملوثة وإجراء دراسة جدوى إعادة تجهيز الآبار المستخدمة من قبلها في غوطة دمشق من أجل استخدامها للاستعمالات الأخرى غير الشرب، شريطة أن يتم عزل الطبقات عزلاً كلياً، وتنظيم مناطق حماية للآبار وضرورة الإسراع بوصل شبكات مياه الصرف الصحي للتجمعات السكانية للمناطق الواقعة في الغوطة الشرقية مع مسار الخط الرئيس الواصل إلى محطة معالجة عدرا وهي (حرستا- حمورية- سقبا- جسرين- كفر بطنا- زملكا- عين ترما)، إضافة إلى دراسة تنفيذ محطات للتجمعات السكانية التي يتعذر وصلها مع الخط الواصل إلى محطة المعالجة في عدرا، والإسراع في إنجاز الدراسات الخاصة بمشروع جر جزء من فائض مياه الساحل إلى مدينة دمشق وريفها.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.