تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قطن الرقة يذبل..سوء الأصناف وارتفاع بتكاليف الإنتاج

مصدر الصورة
الوطن

لم تنجح كل الجهود المبذولة من الحكومة في تحويل الرقة إلى محافظة صناعية أو سياحية على الرغم من توافر كل مقومات النجاح لذلك وقد تكون هناك أسباب كثيرة وراء ذلك وستبقى الرقة محافظة زراعية بامتياز فهي المحافظة الأولى في تنفيذ مشاريع الري واستصلاح الأراضي لكونها محافظة سد الفرات الذي مازال يشكل صمام الأمان للاستقرار الزراعي بما يوفره من مياه للري بشكل منتظم وكانت الرقة وما زالت تعتمد بشكل أساسي على زراعة المحاصيل الإستراتيجية وبشكل خاص القمح والقطن والشوندر السكري والذرة الصفراء فهي تنتج سنويا 500 ألف طن من القمح و200 ألف طن من القطن ومثلها من الشوندر السكري ويعمل في زراعة وإنتاج هذه المحاصيل 80% من عدد سكان المحافظة و20% من باقي سكان المحافظة تعتمد أعمالهم على المزارعين ومن هنا تأتي أهمية الزراعة ولكل من هذه المحاصيل مشاكله الكبيرة وإذا كان محصول القمح هو المحصول الوحيد الذي لا يعاني من مشاكل بسبب استلام الإنتاج من الدولة وتتوافر أصناف جيدة من البذار لهذا المحصول لكن هناك محاصيل أخرى مازالت تعاني من مشاكل كثيرة أدت وستؤدي لتراجع زراعتها فعندما أنتجت الرقة 125 ألف طن من الذرة الصفراء وهي تشكل نصف إنتاج القطر من الذرة في العام الماضي توقفت عمليات الاستلام وفي هذا العام تراجعت الزراعة وتم توقيف زراعة الشوندر السكري للعروتين الخريفية والشتوية واستبدلتا بالعروة الصيفية التي ثبت إخفاق زراعتها بشكل مخيف وأدت إلى خسائر كبيرة للفلاحين لم يعوضوا عنها ولم يبق في المحافظة إلا محصول القطن حيث تعتبر الرقة من المحافظات الأساسية في زراعته وإنتاجه منذ عام 1960 واكتسب أهلها خبرة في زراعة هذا المحصول وهذه الزراعة مهددة الآن بالتراجع لأسباب عديدة منها عدم ملاءمة الصنف المخصص للرقة لبيئة المحافظة وارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم وجود مراكز استلام موزعة على مناطق الإنتاج.

 
سوء الصنف
نتيجة انتشار ظاهرة الذبول في محافظة الرقة قامت وزارة الزراعة في مطلع التسعينيات باعتماد صنف جديد للرقة أطلق عليه اسم «رقة 5» وتم تعميمه على الفلاحين ولكن يبدو أن الجهات التي درست هذا الصنف لم تلاحظ أن درجة الحرارة خلال الفترات الحرجة للمحصول لا تنخفض في الرقة عن «43» درجة وهذا الصنف لا يتحمل درجة حرارة أكثر من 38 درجة كما جاء في مواصفاته ولذلك في كل عام يتعرض المحصول للتسمم الحراري وتتساقط الزهور نتيجة ذلك ما يؤدي لخفض كمية الإنتاج في وحدة المساحة وإذا حاول الفلاح التبكير في الزراعة كما تطلب دوائر الإرشاد الزراعي فإن مستلزمات الإنتاج من أسمدة وبذور وقروض لا تتوافر في الوقت المناسب كما حدث في الموسم الماضي عندما لم تصدر تسعيرة الأسمدة إلا في وقت متأخر ما أدى لتأخر الزراعة حتى منتصف شهر نيسان وعلى الرغم من الشكاوى الكثيرة على سوء هذا الصنف والدراسات التي قامت بها لجان مختصة من وزارة الزراعة وتم إقرارها بذلك مازال هذا الصنف هو المعتمد ويقال إن هناك صنف «رصافة» قد تم تجريبه وهو بديل لصنف «رقة 5» لكنه لم يعتمد حتى الآن فهل ننتظر المزيد من الخسائر حتى نعتمد الصنف الجديد..؟؟
 
تكاليف الإنتاج
يعتبر محصول القطن من أكثر المحاصيل الزراعية تكلفة في الإنتاج لكونه من المحاصيل المروية ويحتاج إلى رعاية وخدمات كبيرة ودائمة ابتداء من الفلاحة إلى التسكيب والبذار والتفريد والتعشيب والري والمكافحة والقطاف والنقل وفي كل مرحلة من هذه المراحل يحتاج إلى نفقات كبيرة تتجاوز 10 آلاف ليرة للدونم هذا بالنسبة للقطن المزروع على مشاريع الري الحكومية وهي تمثل 50% من المساحات المزروعة بالقطن وهناك مساحات مزروعة بالقطن تروى من الآبار والأنهار والبحيرات بواسطة الضخ تضاعفت تكاليف الإنتاج فيها بسبب ارتفاع أسعار المازوت لذلك لم تتحقق الخطة الزراعية لمحصول القطن في العام الماضي لهذا السبب وعلى الرغم من دعم إنتاج القطن المزروع على الآبار لكن هناك مساحات كبيرة تروى بالضخ من نهر الفرات ونهر الجلاب وبحيرة الأسد وبحيرة البعث لم تحصل على الدعم لسعر المازوت على الرغم أن أحد الحقول المزروعة على البحيرة قد اخذ في هذا العام الدرجة الأولى في الإنتاج وتمت مطالبة وزير الزراعة خلال زيارته الأخيرة إلى الرقة بشمول جميع الأراضي المروية على نهري الفرات والجلاب وبحيرتي الأسد والبعث بالدعم المقدم للمازوت. والكل مازال الجميع بالانتظار..!!!
 
مراكز الاستلام
تنتشر زراعة القطن على كامل مساحة الرقة ابتداء من تل ابيض التي تبعد عن مدينة الرقة 100 كم إلى نهر الفرات ومن دبسي فرج غربا التي تبعد عن الرقة 110 إلى معدان شرقا التي تبعد عن محلج الرقة 80 كم وفي جميع هذه المراكز لا يوجد مراكز لاستلام المحصول ما يضطر الفلاحين لنقله إلى مركز محلج الرقة الواقع في المدينة وإلى محلج عين عيسى الذي يبعد عن الرقة 50 كم على الرغم أن مسألة إنشاء مراكز استلام في مختلف مناطق الاستلام لا تحتاج إلى تكاليف لأن التخزين يتم في العراء ويتم الشحن أولا بأول إلى المحالج في المحافظات الأخرى في الوقت ذاته نجد أن في الرقة 21 مركزاً لاستلام الحبوب. والسؤال لماذا لا يتم إنشاء 21 مركزاً لاستلام الأقطان اسوة بالحبوب ونوفر على الفلاحين وعلى الدولة تكاليف النقل الكبيرة والتخلص من حالة الازدحام الخانقة التي يعاني منها مركزا الرقة وعين عيسى لأن فترة قطاف القطن وتسويقه لا تتجاوز 60 يوماً ولا يستطيع المركزان استلام 200 ألف طن خلال هذه الفترة ما يعرض المحصول للأمطار والكل يستغل الفلاح فعمال القطاف وسائقو الجرارات وآخرون يستغلون حاجة الفلاح لسرعة القطاف والتسويق قبل موسم الأمطار وكلهم يرفعون أسعارهم والخاسر هو الفلاح.. ألا يكفيه خسائر..؟! لا نقدم له بذاراً مناسباً.. ولا نسمح له بزراعة ما يريد من أنواع البذار.. ونرفع سعر المازوت ولا نعوضه.. ولا نوفر له الظروف المناسبة لتشجيعه على الزراعة.. وفوق كل ذلك نلزمه بعدم بيع المحصول إلا لمراكز مؤسسة حلج وتسويق الاقطان..!! هل بهذه الطريقة ندعم الزراعة...؟
ولأنني مؤمن بأن من واجب الإعلام أن يطرح المشكلة ويقترح الحل فإنني أقترح أن يتم منح جميع الفلاحين ممن يروون مزروعاتهم بواسطة الضخ سواء من الآبار أم الأنهار أم البحيرات فرق سعر المازوت وأن يتم اعتماد صنف من البذار ملائم لواقع الرقة وأن نوفر مستلزمات الإنتاج في موعدها المحدد وأن يتم افتتاح عدد كاف يغطي مواقع الإنتاج من مراكز الاستلام.. حينها يحق لنا أن نلزم الفلاح بتسليم إنتاجه بالسعر الذي نحدده له وإلا سنجد في السنوات القادمة تراجعاً مخيفاً في زراعة القطن وغيره من المحاصيل الأخرى وخروج مساحات كبيرة من الاستثمار الزراعي وهجرة أصحابها والعاملين فيها إلى خارج المحافظة وفي تقرير المركز الوطني للإحصاء يوجد أكثر من 30 ألف مهاجر من الرقة خارج المحافظة وهي التي كانت منذ عشرات السنيين مستقطبة للهجرة الداخلية بسبب مشاريع الفرات. لعل في ذلك اخطر إنذار على أننا بحاجة لدراسة هذا الواقع بما يحقق استقرار أهلنا في هذه المحافظة التي تأتي في إطار دائرة المناطق ذات الحاجة الكبيرة للتنمية.. فهلا نحن فاعلون...؟
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.