تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الخردة تجارة لها أسرارها في حماة

مصدر الصورة
sns

 

ازداد خلال السنوات الماضية عدد المشتغلين بتجارة الخردة وتهريبها إلى الخارج وأصبحت هذه التجارة تسودها العشوائية فترتب عليها انعكاسات وآثار سلبية على الأسرة والمجتمع منها ازدياد ظاهرة سرقة المنازل والمحال وورش إصلاح السيارات بهدف البيع وغيرها..!!
 علاقة طردية بين الفقر وبين الخردة ..
يلاحظ أن هناك علاقة طردية بين الفقر وبين الخردة، كما يشكلان القاسم المشترك لمجموعة من الأحياء الفقيرة في محافظة حماة، إذ يمتهن الأطفال قبل الرجال العمل بالخردة، ولا يقتصر الأمر على الأحياء الفقيرة بل وصل إلى قلب المدينة حتى خاصرتها الجنوبية الشرقية حيث تنتشر انتشار النار في الهشيم.
أما حي الصواعق بحاراته الصغيرة والضيقة فيحمل مفارقات عديدة منها بعض الألقاب التي يطلقها الأهالي على أسر تعمل بكاملها بالخردة بتسميتها: (بيت أبو قراضة)، إذ يعد جمع الخردة أول درس يتلقاه الأطفال، وهي أول ما تتفتح أعينهم عليه ليشاهدوا مساحات واسعة من الخردة بانتظارهم لجمعها ثم بيعها وهنا لا مانع من سرقتها إذا اضطروا لذلك ...
أما المدارس فهي مجرد مشهد عرضي يتقاطع أمامه مجموعة من الأطفال الذين حمل كل منهم شوالاً مليئاً بالخردة بدل حقيبة المدرسة وغالباً ما ينسى هؤلاء الأطفال أعمارهم وكذلك المدرسة والسؤال عن قضايا منسية كهذه سيكون أشبه بالأحجية بالنسبة لهم، فمحمد الشيخ ابن الثلاثة عشر عاماً لم يدر بماذا يجيبني واكتفى بالقول: "ما بعرف أنا بطلت من الصف الثالث وأخي علاء بطل من الصف الثاني".
الأيام كلها متشابهة بالنسبة لهم، والنهار يبدأ بالبحث سيراً على الأقدام بين حاويات المدينة وشوراعها وتفريغها مما تحتويه من مواد بلاستيكية وأخرى معدنية .. ولا يتوقف الأمر عند هذه المواد فالعمل يقتضي البحث في حاويات المستشفيات بكل ما تحمله من مواد خطرة ومجرثمة وجمعها بأيديهم.....
تجارة بلا خدمات
قامت بلدية حماة العام الماضي بإغلاق محال الخردةفي أحد الأماكن القريبة من المنطقة الصناعية ليستقر مكانها في مدخل بعض الأحياء الفقيرة ومنها حي الصواعق أو داخلها كما هو الحال في حي مزارع جبرين خلف المجزر الفني لمجلس مدينة حماة، وأحياناً بشكل متفرق منحصرة على عدد من المحال المتنقلة التي لا تستقر في مكانها.
الإجراء الأخير هو عبارة عن ذر للرماد في العيون من قبل البلدية  التي تعلم جيدا أنه لا يمكن السيطرة على هذه التجارة ما لم تخصص بأماكن خاصة بها بعيدة عن التجمعات السكنية والتخفيف من أضرارها، حيث إن استمرارية هذه المحال بهذا الشكل البدائي يشكل حالة من انعدام السلامة، كما أنها تحولت إلى سوق تباع المسروقات فيه، وهي الأخرى تتعرض للسرقة العكسية خصوصا في أوقات الليل حيث الكهرباء معدومة، وهذه الحقيقة يؤكدها معظم العاملين في الخردة الذين يفاجَؤون بأن عملية سطو تحدث على محالهم (غير المغطاة) وغير المحمية والفاعل في كل الأحوال مجهول...
وكل ذلك هين في ظل معاناة من يعمل بالخردة من افتقارهم إلى جميع الخدمات التي تبدأ من أماكن مبيت العمال، حيث تحولت البراميل والقلابات المهترئة إلى مكان لمبيتهم، لا صرف صحي ولامياه ولا إنارة ولا كهرباء ولا شوارع معبدة.
يقول أنس غازي عاقولي أحد العاملين بتجارة الخردة: "الوضع مأساوي والبلدية لا تستجيب لنا، ولا حياة لمن تنادي، فالبلدية أسقطتنا من اهتماماتها ولا عمل لها سوى تغيير أماكن وجودنا".
وعن أسرار هذه التجارة يوضح أنس: "لتجارة الخردة أسرار ولا يمكن الاضطلاع عليها إلا لمن عمل فيها، كلما ذكرت كلمة "تاجر خردة" رادفها الناس في أذهانهم بأنه ذلك الشخص الذي يصبح مليونيرا في مدة وجيزة، ويتمكن من اختراق صفوف الأثرياء غير أن تلك الصورة لدى مشاهديها تخلو من معظم الحقيقة فالواقع أن تلك المهنة شاقة والتراكم المالي يأخذ فيها سنوات، وله أداة رئيسية هي السعي المستمر بلا كلل أو حتى نوبات إحباط".
يضيف أنس"تاجر الخردة يبدأ حياته من الشارع، حيث يكون صبيًّا يتعلم أسرار العمل، ثم يتدرج حتى يصبح صاحب تجارة بعد أن يجوب الأسواق طولا وعرضا".
ولأنها تجارته التي عشقها منذ الصغر, فهو يفهم تفاصيلها وكل أسرارها, فالخردة -كما يقول"هي عالم واسع وتجارة ليس لها حدود, حيث تضم كل بقايا ورش المنشآت الصغيرة ومروراً بمخلفات المنازل سواء من الأجهزة الكهربائية وغيرها، وانتهاء بالمسامير الصغيرة مختلفة الأشكال والأحجام التي تدخل في صناعة كل شيء".
فلسفةالربح
وتقوم فلسفة الربح الوفير لهذه التجارة على منطق بسيط, وهو تحويل سلعة معدومة القيمة لدى صاحبها إلى عالية القيمة لدى طرف آخر يحتاج إليها ليعيد تصنيعها وتدويرها أو تصليحها, فقد تلجأ ربة المنزل لإلقاء طبق من البلاستيك في القمامة إذا كسر، لكنه يمثل مغنما لدى تاجرالخردة حين يبيعه لمصانع تدوير البلاستيك التي تطحن الطبق وتحوله لسلعة جديدة.
ورغما لاتساع تلك التجارة فإنها تكاد تكون مغلقة على أصحابها في حماة بمعنى أن من يعمل فيها يكون معروفًا لدى باقي التجار,لأنه عادة يكون أحد صبيانهم الصغار الذين استقلوا بتجارتهم بموافقتهم وتحت رعايتهم، أو أن يكون ابن أحد تجار الخردة الذين ورثوا العمل عن عائلاتهم.
التهريب إلى الخارج
تجار الخردة محمد جابر يقول:" الوضع الصناعي الذي يعيشه البلد لا يساعد في استيعاب الخردة محلياً وتصنيعها، مما يجعل هذه التجارة وخصوصاً التصدير – وقلنا له تهريبها- نوعاً من أنواع الحلول والمعالجات للتخلص من هذه المخلفات غير الصالحة للاستهلاك العملي بدلاً من أن تبقى وتفقد قيمتها".
وهنا كان لابد من مقاطعته وسؤاله عن مبررات أكثر لهذا التصدير-أي التهريب- حسب رأيه فيرى:أن الخردة تباع لمعمل الحديد بتسعيرة 7.70ليرة للكيلو الواحد من حديد الخردة وسياراتنا هي التي تقلها إلى معمل الحديد من خلال الالتزام بعقود خاصة للتوريد ولكن عندما تأتي سيارات ولنقل غريبة تجاوزاً فإن الكيلو الواحد من حديد الخردة يصل سعرها وسطياً إلى 10 ليرات ولا نكلف أنفسنا عناء في فرز الخردة كما هو الحال بالنسبة للمعمل الذي لا يتقبل أي خردة وإنما هناك نوع محدد من الخردة".
يضيف محمد "السيارات التي تنقل الخردة إلى معمل الحديد يتم شراؤها أحيانا قبل أن تدخل المعمل ولا ضرر في ذلك طالما أنها تحقق المزيد من الأرباح".
ويتابع "إن لكل قطعة في هذه الخردة زبونها فقطعة الأثاث -كرسي وحجرة نوم ومنضدة... يطلبها تجار بيع الأثاث القديم، ونحن لدينا التجارالذين نتعامل معهم، وبمجرد وصول قطعة الأثاث يتم نقلها إلى محل أحدهم ولقطع غيار الأجهزة الكهربائية زبونها، وهو عادة تاجر تصليح هذه الأدوات،أما خردة السيارات فزبائنها أصحاب السيارات والميكانيكي بالإضافة إلى بيعها لدى المصانع التي تشتريها وتعيد صناعتها، والإقبال على هذه السلعة كبير جدا مقارنة بالسلع الأخرى".
دائرة تأمين الخردة .. لا مبرر
رئيس دائرة تأمين الخردة في معمل حديد حماة المهندس زياد زيد يقول: "هناك مصدرون نعتمد عليهم في الحصول على الخردة الأول يتمثل في القطاع العام من قطع الغيار المتساقط واستهلاك الآلات القديمة الموجودة والآخر من القطاع الخاص عبر عقود التوريد وبكافة الأشكال البالات والفلت والثقيلة , وتبلغ حاجة المعمل سنوياً إذا حافظنا على 65ألف طن من الطاقة الإنتاجية فإننا بحاجة 80ألف طن من حديد الخردة, ويتم الحصول عليها بنسبة 30ألف طن من القطاع العام و50ألف طن عقود خاصة مع القطاع الخاص يتم تنظيمها من خلال العمل بالمناقصات".
وفيا يتعلق بخطوط التهريب المفتوحة بشكل دائم التي تحدث نتيجة لفروقات الأسعار وحقيقة الوضع الصناعي الذي يعيشه البلد لا يساعد في استيعاب الخردة محلياً وتصنيعها –حسب المبررات التي قدمها بعض تجار الخردة - فيرى زياد أن "دخول معامل من القطاع الخاص لرفع الأسعار وتوجه القطاع العام في هذا المجال لم يمنع من تهريب الخردة إلى الخارج, حيث إن حاجة المعمل تعتمد على أنواع وكميات محددة من الخردة, وهي في الغالب لا تكفي حاجة المعمل على الرغم من أن هناك أكثر من 30متعاقداً وجميعهم يقومون بتوريد الخردة من مخلف محافظات القطر، وأما الحديث عن الوضع الصناعي الذي يعيشه البلد لا يساعد في استيعاب الخردة محلياً وتصنيعها فهذه مجرد مبررات ليتسنى لتجار الخردة تهريبها إلى الخارج وتحقيق أرباح مادية من فروقات الأسعار بين الداخل والخارج".

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.