تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

صحيفة: خسارة أردوغان لحظة مفصلية في تاريخ تركيا

مصدر الصورة
عن الانترنيت

أعادت الانتخابات المحلية التي جرت في تركيا الأحد 31 مارس تشكيل المشهد السياسي في البلاد، وحملت آثاراً كبيرة على مسارها المستقبلي.

ومني حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان بهزيمة قاسية، حيث خسر مدناً رئيسية. فقد فاز حزب الشعب الجمهوري المعارض في 35 بلدية من أصل 81، بما في ذلك انتصارات على مستوى رؤساء البلديات في أكبر خمس مدن في تركيا: إسطنبول، وأنقرة، وإزمير، وبورصة، وأنطاليا.

وتقول ليسدي إسبينوزا بيدرازا، وهي أستاذة السياسة والعلاقات الدولية بجامعة أبردين في إسكتلندا، ضمن تقرير نشره موقع “مودرن بوليسي” إن “هذه المفاجأة الانتخابية تمثل نقطة تحول في السياسة التركية، ما يثير تساؤلات حول قبضة أردوغان على السلطة واتجاه البلاد”.

ومنذ توليه رئاسة تركيا في عام 2014 عزز أردوغان سلطته بشكل مطرد وقمع المعارضة. وقد اتسم حكمه بسلسلة من القرارات المثيرة للجدل، بما في ذلك قمع وسائل الإعلام والقضاء والمجتمع المدني، الأمر الذي أثار مخاوف بشأن تآكل المعايير الديمقراطية والحريات في تركيا.

والأحد الماضي أجرت تركيا انتخابات على مستوى البلاد لاختيار رؤساء بلديات المدن ورؤساء البلديات وغيرهم من المسؤولين المحليين، لمدة خمس سنوات. وفي تطور مهم خسر حزب أردوغان، الذي يشارك في الانتخابات منذ عام 2002، أصوات الأغلبية للمرة الأولى.

نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة بمثابة توبيخ واضح لأسلوب قيادة رجب طيب أردوغان وسياساته

وعلاوة على ذلك فقد أيضًا السيطرة على المناطق التي كانت تعتبر في السابق معاقل لحزب العدالة والتنمية. وتعكس هذه النتائج السخط المتزايد على حزب العدالة والتنمية، حيث يعزوه كثيرون إلى سنوات من التضخم المرتفع.

وبلغ التضخم ما يقرب من 70 في المئة في فبراير الماضي، ما دفع تركيا إلى رفع أسعار الفائدة، وهي السياسة التي بدأها أردوغان بعد إعادة انتخابه.

وقد تؤثر هزيمة حزب العدالة والتنمية أيضًا على جهود أردوغان لتمديد حكمه إلى ما بعد عام 2028 من خلال دستور جديد. كما فاز حزب الشعب الجمهوري أيضا بمدينة أديامان الجنوبية، التي كانت واحدة من أكثر المناطق تضرراً من الزلزال المدمر الذي وقع العام الماضي، ومحافظة كلس، وهي معقل محافظ تقليدياً على الحدود مع سوريا.

وكان الأثر الاقتصادي لرئاسة أردوغان كبيرا أيضا. وبينما شهدت تركيا فترة من النمو الاقتصادي السريع في السنوات الأولى من حكم أردوغان، تعثر الاقتصاد في السنوات الأخيرة.

وقد ساهم ارتفاع معدلات التضخم وضعف العملة وارتفاع معدلات البطالة في تفاقم حالة عدم اليقين الاقتصادي والسخط بين السكان الأتراك.

وكان سوء إدارة آثار الزلزال، إلى جانب الفساد في مشاريع البناء التي أدت إلى سقوط المزيد من الضحايا، من العوامل المهمة التي ساهمت في الانخفاض الكبير في دعم حزب العدالة والتنمية وأردوغان.

وسلطت هذه القضايا الضوء على إخفاقات الحكومة في الاستجابة للكوارث وأثارت مخاوف بشأن الشفافية والمساءلة.

منذ توليه رئاسة تركيا في عام 2014 عزز أردوغان سلطته بشكل مطرد وقمع المعارضة. وقد اتسم حكمه بسلسلة من القرارات المثيرة للجدل

وبالإضافة إلى ذلك أدت سنوات من التضخم المرتفع والتحديات الاقتصادية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية إلى تآكل ثقة الجمهور، ما دفع الكثيرين إلى السعي للتغيير من خلال أصواتهم.

ويشير انتصار حزب الشعب الجمهوري في المدن الرئيسية إلى رغبة الناخبين الأتراك في التغيير ورفض حكم أردوغان الاستبدادي. وقد تؤدي هذه النكسة الانتخابية إلى إضعاف قبضة أردوغان على السلطة وتشجيع قوى المعارضة داخل تركيا.

وعلى الصعيد الدولي اتسم حكم الرئيس أردوغان في تركيا بتوازن دقيق بين الحفاظ على العلاقات مع حلفاء تركيا الغربيين التقليديين، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والسعي أيضًا إلى إقامة علاقات أوثق مع دول مثل روسيا والصين.

ومن الجوانب الرئيسية لسياسة أردوغان الخارجية إقامة علاقات أوثق مع روسيا. وقد تجلى هذا بشكل خاص في قطاع الدفاع، إثر شراء تركيا نظام الدفاع الصاروخي الروسي أس – 400 على الرغم من اعتراضات حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقد أثارت هذه الخطوة الخوف في نفوس حلفاء تركيا الغربيين، لما لها من آثار على أمن الناتو وقابلية التشغيل البيني.

وتسببت قرارات السياسة الخارجية التي اتخذتها تركيا، وخاصة علاقاتها الوثيقة مع روسيا والصين، في حدوث توترات مع حلفائها الغربيين، الذين يتخوفون من هذه التحركات لأنها من المحتمل أن تقوض وحدة حلف شمال الأطلسي والمصالح الغربية.

ومع ذلك دافع أردوغان وحكومته عن هذه الإجراءات باعتبارها ضرورية وتخدم المصالح الوطنية، بحجة أن تركيا لا ينبغي أن تقتصر على سياسة خارجية تتمحور حول الغرب، ويجب أن تسعى إلى إقامة علاقات مع مجموعة متنوعة من الشركاء.

ومن وجهة نظر تركيا، فإن تنويع علاقاتها الخارجية والتعامل مع دول مثل روسيا والصين من الممكن أن يحققا فوائد اقتصادية، وتعاوناً أمنياً، وسياسة خارجية أكثر استقلالية. ومع ذلك، من وجهة نظر حلفائها الغربيين، يمكن النظر إلى هذه التحركات على أنها تقوض تماسك الناتو وربما تضع تركيا في صف القوى التي لديها مصالح متضاربة مع الغرب.

وبخصوص الانتقام المحتمل من قبل الغرب كانت هناك عواقب، لاسيما في شكل علاقات متوترة وإجراءات محددة مثل القرار الأميركي الذي يقضي بإزالة تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة من طراز أف – 35  بسبب شرائها نظام أس – 400 الروسي.

هزيمة حزب العدالة والتنمية قد تؤثر على جهود أردوغان لتمديد حكمه إلى ما بعد عام 2028 من خلال دستور جديد

وبالرغم من ذلك، فإن انتقام حلفاء أنقرة الغربيين من تركيا انتقاما صريحا يظل قضية معقدة وحساسة نظرا لأهمية تركيا الإستراتيجية كعضو في الناتو ودورها في الاستقرار الإقليمي، وخاصة في الشرق الأوسط.

وفي حين تسببت خيارات تركيا المتعلقة بالسياسة الخارجية في حدوث توترات مع حلفائها الغربيين، فإن موقعها الإستراتيجي وعضويتها في حلف شمال الأطلسي وإمكاناتها الاقتصادية ونفوذها الإقليمي… كل ذلك يجعلها ذات أهمية جيوسياسية بالنسبة إلى روسيا والصين والغرب. وسوف تظل موازنة هذه العلاقات تشكل تحديًا معقدًا للسياسة الخارجية التركية في المستقبل.

ومن الممكن أن تؤثر نتائج الانتخابات الأخيرة على علاقة تركيا مع روسيا والصين والغرب. وقد يكون أردوغان الأضعف أقل قدرة على متابعة أهدافه الطموحة في السياسة الخارجية، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعادة ضبط أولويات السياسة الخارجية لتركيا. وقد تكون لذلك تداعيات على الديناميكيات الإقليمية، خاصة ما تعلق منها بسوريا والقضية الكردية، حيث تلعب تركيا دورًا رئيسيًا.

ومن الممكن أن تتأثر أيضًا علاقة تركيا مع الغرب، وخاصة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وأدى تحول أردوغان الاستبدادي وحملته القمعية ضد المعارضة إلى توتر علاقات تركيا مع حلفائها الغربيين. وقد تؤدي نتائج الانتخابات إلى إعادة تقييم علاقة تركيا مع الغرب، مع احتمال تحسين العلاقات إذا تبنت القيادة الجديدة نهجاً أكثر اعتدالاً. وهذا بالطبع سيكون بانتظار الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة عام 2024 وما إذا كان دونالد ترامب سيفوز.

وإذا فاز ترامب بإعادة انتخابه فمن المرجح أن تستمر تركيا في التعامل مع علاقة معقدة مع الولايات المتحدة، تتسم بالتعاون والتوتر. وقد أظهرت إدارة ترامب استعدادها للتغاضي عن قضايا معينة مثل انتهاكات حقوق الإنسان والنزعات الاستبدادية في مقابل التعاون الإستراتيجي في قضايا مثل مكافحة الإرهاب والمساهمة في تحقيق الاستقرار الإقليمي.

ولذلك يمكن أن يؤدي فوز ترامب إلى استمرار نهج المعاملات هذا، مع استفادة تركيا من أهميتها الإستراتيجية في مناطق مثل سوريا وشرق البحر المتوسط وحلف شمال الأطلسي للحفاظ على علاقة عمل مع الولايات المتحدة.

ومع ذلك يمكن أن تستمر التوترات أيضًا، لاسيما بشأن قضايا مثل شراء تركيا نظام الدفاع الصاروخي الروسي أس – 400، الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات وفرض عقوبات في ظل رئاسة ترامب.

وكانت سياسة أردوغان الخارجية أيضًا مصدرًا للجدل في الشرق الأوسط. وكانت العلاقة بين تركيا وإسرائيل معقدة على مر السنين، واتسمت بفترات من التعاون حينا والتوتر حينا آخر.

وتاريخيا حافظت الدولتان على علاقات جيدة نسبياً، حيث يشكل التعاون العسكري والعلاقات الاقتصادية جزءاً أساسياً من علاقتهما.

ومع ذلك، بدأت العلاقات تتدهور في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد صعود أردوغان إلى السلطة وانتقاداته الصريحة والمتزايدة لسياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين.

وسعى إلى توسيع نفوذ تركيا في الشرق الأوسط وخارجه، وغالباً ما كان يتصادم مع حلفاء تركيا في الناتو خلال ذلك. وكان أردوغان صريحًا بشكل خاص في دعمه للحقوق الفلسطينية، ما أدى إلى توترات مع إسرائيل والولايات المتحدة.

وعلى الرغم من التوترات حافظت تركيا وإسرائيل على مستوى معين من التعاون، خاصة في مجالات التجارة والأمن.

وبالرغم من ذلك جعلت انتقادات أردوغان الصريحة لإسرائيل من الصعب على البلدين تطبيع علاقاتهما بشكل كامل.

ومن الممكن أن تؤدي الانتخابات المحلية الأخيرة في تركيا إلى زيادة تعقيد الجهود المبذولة لتحسين العلاقات، فقد تؤثر حسابات أردوغان السياسية الداخلية على نهج حكومته تجاه إسرائيل، خاصة بعد الهزيمة التي مني بها في الانتخابات.

وتقف تركيا في مفترق طرق بعد الانتخابات المحلية الأخيرة. وتمثل هزيمة حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس أردوغان في المدن الرئيسية تحولا كبيرا في السياسة التركية وتشير إلى الرغبة في التغيير بين الناخبين.

وقد تضعف قبضة أردوغان على السلطة، ما يؤدي إلى مشهد سياسي أكثر تعددية. وسوف يراقب المجتمع الدولي تركيا عن كثب وهي تبحر في هذه التغييرات، مع ما يترتب على ذلك من آثار محتملة على الديناميكيات الإقليمية وعلاقات تركيا مع روسيا والصين والغرب.

وبالنسبة إلى تركيا لا يزال الطريق إلى الأمام غير مؤكد، ولكن الانتخابات مهدت الطريق لفصل جديد محتمل في التطور السياسي للبلاد.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.