تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مهرجان سينمانا في سلطنة عمان يمزج بين السينما والسياحة

مصدر الصورة
العرب

تمتلك العديد من الدول إمكانات ثقافية وسياحية كبرى، تكمن في أرجائها ويعرّفها التاريخ جزءا من التراث الإنساني. فالقلاع والجبال والمواقع وغيرها من تفاصيل تمثل أجزاء من التاريخ البشري. هنا جرت معركة وهناك حُقّق نصر وفي هذا المكان وُلد عالم أو مبدع. هذه التفاصيل ستكون خافية عن الناس، حتى داخل الأوطان ذاتها، حتى تأتي الفنون وخاصة السينما لتكشفها للعالم. في سلطنة عمان تجربة جديدة جدلت البعد السينمائي بالسياحي فكانت النتيجة مهرجان سينمانا.

مسندم أول مدينة عربية تشرق عليها الشمس، تقع في أقصى شرق الوطن العربي على ممر هرمز، تطل على الخليج العربي، تشكل مقابل مدائن المغرب مثل تطوان كامل اتساع الوطن العربي بين الخليج والمحيط الأطلسي. وهي منطقة تطل على البحر وتحوطها الجبال والوديان في مناظر جمالية خلابة، الأمر الذي دفع بالعديد من الجهود الرسمية والأهلية في سلطنة عمان إلى انتهاج توجهات لتنشيط التعريف بالمنطقة سياحيا من خلال بعض الفعاليات الثقافية والفنية التي تقام فيها.

كانت الفرصة مواتية لتحقيق ذلك من خلال مهرجان سينمانا السينمائي الذي يقوم على بنية تتجه نحو تحقيق أهداف سينمائية بحتة، لكنه حقق أهدافا سياحية، بما أنجزه في سلطنة عمان، فالمختصون هناك جدلوا السينمائي بالسياحي، فكانت النتيجة مهرجانا سينمائيا يحتفي بالفن السابع وأفلامه ونجومه، ويحقق في الآن نفسه حضورا سياحيا هاما لمحافظة مسندم في سلطنة عمان.

مهرجان سينمانا ولد قبل خمسة أعوام من خلال تفعيل فكرة متابعة النشاط المهرجاني السينمائي للشباب العربي في مقاومة جائحة كورونا، ونقل مؤسسه السينمائي العماني خالد الزدجالي الفكرة إلى حيز التنفيذ بمساندة اتحاد الفنانين العرب ورئيسه مسعد فودة نقيب السينمائيين في مصر.

وأقيمت الدورة الأولى والثانية في مسقط العاصمة، ومن الدورة الثالثة صار يقام في مناطق مختلفة، ليقدم مزيدا من الفائدة والأهداف التي تخدم السينما العمانية والعربية عموما. أقيمت الدورة الخامسة للمهرجان في محافظة مسندم وفي أربع ولايات فيها، ضمن فعالية ثقافية واسعة الطيف حملت اسم "شتاء مسندم" وهو مشروع ثقافي حضاري طويل يتضمن فعاليات مختلفة تهدف إلى تطوير المجتمع المحلي وتقديم أشكال فنية ومعرفية عليا فيه. ويعوّل عليه في تحقيق مردود ثقافي ومادي كبير في السنوات القادمة.

السياحة والسينما

◙ المهرجان أخرج العمانيين إلى صالات السينما

امتد المهرجان عدة أيام وقدمت فيه فعاليات ثقافية وعروض سينمائية وندوات شملت كل ولايات المحافظة (بخاء وخصب ودبا ومدحاء) وشارك في الدورة 130 فيلما عربيا وعالميا، كما حضر عدد من نجوم السينما العرب من كتاب ومخرجين وممثلين ونقاد وتوزعت مشاركات الأفلام على مسابقتي الأفلام الطويلة والقصيرة، وتابع العروض جمهور شغوف بالسينما في معظم عروضه.

ورغبة من صناع المهرجان في طرح مشروع سينمائي يهتم بشريحة الشباب واليافعين تم إطلاق فريق “سينما الأجيال”، وهو فريق تخصصي تحت رعاية وزارة الثقافة والرياضة والشباب في عمان، والهدف منه التوجه نحو طلبة المدارس والجامعات الذين يهتمون بفن السينما، ليقدموا لهؤلاء الشباب المزيد من المعرفة والخبرة السينمائية، باطّلاعهم على عدد من الورشات السينمائية التي قدمها خبراء ومشاهير في فن السينما. كما خصصت جائزة خاصة بالقضية الفلسطينية.

الدورة الخامسة من مهرجان سينمانا أقيمت قبل أيام بمشاركة عدد من الدول العربية والعالمية وعدد من النجوم السينمائيين العرب. وعن الآفاق الجديدة التي حملتها هذه الدورة وكيف ولد المهرجان يتحدث لـ"العرب" مؤسس المهرجان ورئيسه خالد الزدجالي فيقول "بعد توقف مهرجان مسقط السينمائي عام 2018 كان لا بد من مهرجان سينمائي جديد. وجاءت كورونا وولدت فكرة مهرجان سينمانا".

ويضيف “في عمان عدد من المهرجانات السينمائية وكلها مخصصة للأفلام القصيرة. بدأنا بسبب جائحة كورونا بالأفلام القصيرة ولكن فيما بعد توسعنا باتجاه الأفلام الروائية الطويلة. من هنا كان لا بد من البحث عن حضن يكون داعما للمهرجان ويسمح بأن تكون هنالك إمكانية استضافة عدد من الضيوف الهامين في عالم السينما. فمخرجو الأفلام الروائية الطويلة والممثلون الكبار عندما يحضرون فإنهم سوف يتناقشون في الإنتاج والعقبات التي تواجه صناعة السينما فيكونون الخبرة اللازمة لهم".

◙ صناع المهرجان لا يعتبرون أنه حدث عماني فحسب بل هو صيغة يمكن أن تكون عالمية وتسافر خارج السلطنة

ويتابع الزدجالي "من هنا وجدت أن المخرج في الموضوع سيكون من خلال دمج البعد السينمائي بالسياحي، بحيث يفيد كل منهما الآخر. وهذا ما تقوم به السينما العالمية الآن، فالكثير من الأفلام عرّفتنا بأماكن سياحية جميلة. وحتى المسلسلات التركية تقوم اليوم على هذا المبدأ، فهي تسوّق الأماكن التي يتم التصوير فيها من قصور وبيوت وقرى. هنا قررت التوجه نحو الجهات الرسمية وقدمت هذه الفكرة، بأن نقدم مهرجانا سينمائيا يخدم السياحة إلى جانب فن السينما”.

يذكر أن المغامرة بدأت في العاصمة مسقط ثم ذهبت إلى مسندم، ليجد أن السياحة تلعب دورا كبيرا جدا في دعم الفن السينمائي وأنهما يشكلان معا ثنائيا ناجحا، مضيفا “استطعت أن أحقق نجاحا عندما استعنت بخبرات أناس يمكنهم الحديث عن صناعة السينما وكذلك السياحة بشكل صحيح. وحققنا أفلاما تخدم أهدافا سياحية في عمان، لكنها نفذت بمضمون الفن السينمائي البحت. بعد التجربة أيقنت أنه يمكن للثنائي السياحي والسينمائي تحقيق نجاحات كبيرة، وما يؤمّن هذا النجاح هو امتلاك عُمان لبيئات جغرافية متنوعة وجميلة، وهي في حاجة إلى المزيد من الاكتشاف. بداية بمسندم مرورا بالصحارى والبراري والجبال والوديان والبحار إلى أن نصل إلى الجنوب حيث الجبال الخضراء".

وعن مقدار النجاح الذي حققته هذه المغامرة الفنية السياحية يبين الزدجالي لـ"العرب" أن "الأمور حتى الآن تبشر بالخير، محافظ مسندم يراهن على نجاح التجربة ويعتبرها أحد عوامل التنمية الاجتماعية في المنطقة، كذلك الجهات العاملة في السياحة التي ترى أن المهرجان السينمائي قادر على تحريك العجلة الاقتصادية السياحية من خلال تشغيل الفنادق وزيارات القلاع والأوابد الموجودة في المنطقة. ونحن في هذا التعاون حققنا بعض النجاح وننظر إلى المستقبل بعين البحث عن مطارح سياحية أخرى يمكن أن تحقق ذات النجاح".

المجتمع والتنمية

◙ مشاريع سينمائية هادفة

◙ مشاريع سينمائية هادفة 

ليس بعيدا عن الفن والسياحة تحضر التنمية الاجتماعية ضمن أهداف التجربة، فهي في خارطة الأفكار، يقول الزدجالي في ذلك “المجتمعات البعيدة عن العاصمة مسقط تعيش حالة خاصة، فأهلها محافظون وبعيدون عن أجواء الصالات السينمائية والمسارح. وموضوع الخروج بهم من بيوتهم إلى صالات السينما كان هدفا عصيا، ويجب أن نجد له طريقة مختلفة. فقمنا بتصوير عدد من المهن التقليدية التي يمتهنها هؤلاء الناس البسطاء وقدمناها في أحد برامج المهرجان بعنوان 'سوق سينمانا'، بحيث تابعوا أفلاما تتحدث عنهم وعن حرفهم".

يذكر أنه في السوق صار الحرفيون جزءا من المهرجان. وبدأ أبناء هؤلاء بالتفاعل مع المهرجان بحضور ندوات تخصصية ومن ثم باتباع ورشات فنية تقدم لهم معرفة كيفية صناعة فنون مفيدة. وهذا ما يعني تحريك هذه المجتمعات وتوعيتها لأهمية ما تقوم به مجتمعيا وفنيا لما يعود بالفائدة على المجتمع العماني ككل.

ولا ينظر صناع المهرجان على أنه حدث عماني فحسب، بل هو صيغة يمكن أن تكون عالمية. يقول الزدجالي "نفكر في توسعة دائرة عروض المهرجان، هو بدأ عربيا لكنه صار عالميا، ومن اسمه سينمانا يمكن أن يكون في أيّ مكان دمشق أو القاهرة أو واشنطن، ونحن نفكر في تقديم الدورة السادسة أو السابعة منه في دولة عربية أو عالمية، وسوف نقوم من خلال ذلك بنقل التراث العماني للغير من خلال هذا المهرجان السينمائي. وبذلك نكون قد حققنا قفزة نوعية في تقديم فائدة فنية وسياحية واجتماعية. وأكدنا على أن البعد السياحي السينمائي في سينمانا جزء واحد لا يتجزأ. هذا التكييف السينمائي يخدم كل الدول التي ستشارك فيه وليس عمان فحسب. من هنا يمكن أن نربط بين الدول العربية ثقافيا وفنيا وسياحيا، ونشجع المستثمرين العرب لحضور هذه الأفلام والتعرف عليها، وبالضرورة يجب أن تقام هذه المهرجانات في المناطق الإقليمية بعيدا عن العواصم لما فيها من جماليات. حتى ندعم الثقافة والسياحة بالدرجة الأولى".

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.