تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ثورة الجرارات الأوروبية

مصدر الصورة
عن الانترنيت

مفتاح شعيب

لا حديث هذه الأيام في أوروبا، سوى عن غضب المزارعين المتصاعد رفضاً لسياسات اتحادية زادت من الأعباء المالية على هذه الشريحة الواسعة من المجتمع، بذريعة حماية البيئة تارة، وطوراً بإلغاء إعفاءات ضريبية. ويبدو أن هذه الغضب المتدحرج منذ سنوات، بدأ يكبر ليكشف عن أزمة كبرى تهدد البناء الأوروبي من الأساس.

مشاهد الجرارات الفلاحية وطوابير المدرعات التي تواجهها في محيط العاصمة الفرنسية باريس، توحي بأن حرباً إقليمية قد اندلعت بالفعل، إذ تتكرر المشاهد ذاتها في ألمانيا، وهولندا، وإيطاليا، وبلجيكا، بالتزامن مع حالة سخط مستمرة منذ أشهر في دول أوروبا الشرقية السابقة، كرومانيا وبولندا وبلغاريا وسلوفاكيا والمجر. وفي ظل انسداد الآفاق أمام الأوضاع الاقتصادية المأزومة، فإن ثورة الجرارات مرشحة للاتساع، بعدما التقطتها الأحزاب الشعبوية لاستخدامها في وجه القوى الليبرالية المنشغلة بهدفين لا ثالث لهما، الأول المحافظة على بقاء الاتحاد الأوروبي كياناً متماسكاً بأي ثمن، والثاني الرهان على إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في أوكرانيا، وهو استحقاق بات بعيد المنال، في ضوء ما يؤكده الواقع الميداني، وما يستجد من تحولات سياسية في العالم، وربما تكون الضربة القاصمة إذا عاد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض العام المقبل.

ثورة الجرارات التي تجتاح الدول الأوروبية الكبرى، جزء من أزمة بنيوية أوسع يعيشها التكتل، الذي سعى إلى ابتلاع كل القارة، لكنه يجد صعوبة في صهرها ضمن كيان عتيد، بسبب اتساع نطاقه، وتباين مستويات النمو والإنتاج بين كل دوله، وكلها عوامل عمّقت الخلافات الداخلية، وبدأت بعض النخب المتكتلة في التيارات الشعبوية تتجاوز الخطوط الحمراء، وتطرح أسئلة حرجة عن جدوى التمسك بهذا الاتحاد الأوروبي المهدد بالتفكك، والمستنزف جراء الأزمات العالمية، وأولاها الحرب الأوكرانية التي كانت وبالاً ونذير شؤم، فمنذ أن اندلعت هذه الأزمة، والأوروبيون يحشدون الدعم، بضغط أمريكي، ولكنهم أيضاً يدفعون الثمن، سواء عبر ارتفاع أسعار الطاقة، أو عندما علق التكتل الأوروبي الرسومَ الجمركية على وارداته من الحبوب الأوكرانية، كنوع من الدعم لكييف على أمل انهيار روسيا، والتمدد شرقاً إلى مشارف موسكو.

على مدى قرون، وحتى قبل الصناعة، كانت الزراعة، وحتى وقت قريب، الأساس المتين لاقتصادات الدول الأوروبية، وبه استطاعت أن تهيمن على القرار العالمي، وأن تساوم بالغذاء أمماً وشعوباً كثيرة، أما اليوم، فإن الوضع كما عبّرت عنه بعض لافتات احتجاج المزارعين «النهاية ستكون مجاعة»، ودلالات هذه العبارة قد تتعدى دلالتها السياسية إلى الواقع الأوروبي الذي يعرف منعرجاً تاريخياً خطراً، قد يقود إلى تحولات قد لا يصدقها أحد اليوم، لكنها واردة الحدوث في الغد القريب.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.