تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أوروبا وأزمتا حدودها الجنوبية والشرقية

مصدر الصورة
عن الانترنيت

كمال بالهادي

منذ خروج بريطانيا من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وخيمة بروكسل غير قادرة على توحيد مواقفها بشأن العديد من القضايا المحلية والدولية، وفي كل مرة تتزايد الخلافات، ما يضع مفهوم الوحدة الأوروبية على المحكّ، خاصة مع تزايد النزعات الوطنية اليمينية التي لا تؤمن بالعمل الأوروبي.

كثيرة هي القضايا التي تثير خلافات عميقة بين دول الاتحاد وعلى رأسها ضرورة تغيير سياسات الاتحاد تجاه الكثير من القضايا الدولية، ومن أهمها العلاقة بالقارة الإفريقية التي باتت مصدر قلق وإزعاج مزمن للأوروبيين، بسبب قوافل الهجرة غير الشرعيّة التي لا تتوقف عن الوصول إلى الحدود الجنوبية لأوروبا، رغم كلّ المحاولات الأوروبية لوقف هذا النزيف. وبرغم اتفاق دول مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا وألبانيا، على وضع خطط لمكافحة الظاهرة ومطاردة الزوارق التي تحمل المهاجرين، إلا أن دولاً أخرى مثل المجر وبولندا أعربت عن رفضها أي بيان صادر في هذا الشأن، لأنهما تعتبران ما يحدث انتهاكاً لسيادة بلديهما خدمة للتوافق الأوروبي. وقد انتقد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ميثاق الهجرة الأوروبي، وقال إن الاتفاق الأخير الذي اضطرت بلاده وبولندا على القبول به هو «انتهاك شرعي» لسيادتهما، إذ يفرض عليهما استقبال عدد محدد من طالبي اللجوء، عندما تحصل تدفقات كثيفة للمهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود الأوروبية. وأضاف: «لقد أُجبرنا، بموجب القانون، على قبول ما ليست لنا فيه رغبة». ولعلّ أبرز خلاف أوروبي ظهر في هذا الملف كان حول قضية الاتفاق الاستراتيجي مع تونس والقائم في أحد بنوده على مكافحة الهجرة غير الشرعية. ففيما أرادت جهات أوروبية فرض رؤيتها لتطبيق الاتفاق، رفضت تونس استقبال الوفود الأوروبية، ما أشعل خلافاً بين إيطاليا المدافعة عن ضرورة الاتفاق النهائي مع تونس في كل نقاط بنود اتفاق الشراكة وبين دول أخرى، تريد فرض رؤيتها على دولة يعتبرونها فقيرة وهي في حاجة إلى مساعدات أوروبية، وهذا ما يجعل الضفة الجنوبية لأوروبا في وضعية متأزمة نتيجة هذه الخلافات.

غير أن الجهة الشرقية لأوروبا تعاني هي الأخرى متغيرات جذرية بعد صعود قوى سياسية ترفض الرؤية الأوروبية حول الحرب في أوكرانيا، ولعل ما يحدث في تحول المواقف البولندية والمجرية والسلوفاكية، مجرّد بداية لأزمة أوروبية قادمة، ستؤثر حتماً في وحدة الموقف الأوروبي من حرب أوكرانيا. ففي سلوفاكيا فاز حزب «اتجاه الديمقراطية الاجتماعية» الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق روبرت فيكو، بالانتخابات البرلمانية وتم تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، ويبدو أن رئيس الوزراء الجديد له رؤية واضحة تقوم على خفض المساعدات العسكرية لأوكرانيا، بل إنّ الغرب يعتبرونه مقرباً من روسيا، إن لم يكن مؤيداً لها.

وتعقيباً على هذا التحول السياسي في سلوفاكيا علقت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن تغيير السلطة في براتيسلافا، لن يزيد الضغوط على مكتب الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي فحسب، بل سيخلق أيضاً مشاكل خطيرة للاتحاد الأوروبي بأكمله. وقبل أيام قال رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي إن بلاده توقفت عن تسليح أوكرانيا، لكي تركز على تعزيز قوتها الدفاعية الخاصة، ويأتي ذلك بعد ساعات قليلة من استدعاء وارسو السفير الأوكراني وسط خلاف بين البلدين بشأن صادرات الحبوب. وفيما يشبه سياسة العقوبات المالية التي تنتهجها بروكسل ضدّ الدول الأوروبية الرافضة للحرب في أوكرانيا، تعتزم المفوضية الأوروبية تجميد نحو 13 مليار دولار من تمويلها للمجر بحلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، لرغبة المفوضية في الحصول على دعم بودابست لزيادة ميزانية المساعدات المالية المقدمة لأوكرانيا. غير أن مثل هذه السياسات لن تزيد البيت الأوروبي إلاّ تصدعاً، خاصة مع فشل كل المحاولات لإنقاذ أوكرانيا من الهزيمة.

إنّ الجبهات المتفجرة في جنوب أوروبا وفي شرقيّها، هي دليل على أزمات معقدة ومركّبة تعانيها القارة العجوز، منذ سنوات عديدة، وتحديداً منذ الأزمة المالية في عام 2008. ولا نعتقد أنّ أوروبا قادرة على الخروج من هذه الأزمة بأخف الأضرار، بما أنّ مؤشرات عديدة باتت تتحكم في مواقف دول الاتحاد، وهناك عوامل ضاغطة داخلياً وخارجياً، تجعل الأوروبيين ليسوا في أفضل حال، بل إنّ هناك خشية جدية من أنّ خيمة بروكسل هي على وشك الانهيار.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.