تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تونس تتجه شرقاً

مصدر الصورة
عن الانترنيت

مفتاح شعيب

تمثل زيارة وزير الخارجية التونسي نبيل عمار إلى روسيا لحظة فارقة في العلاقات بين البلدين، وجاءت في مرحلة تحاول فيها البلاد النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لإعادة استقرار الدولة، بعد سنوات من التقلبات والاضطرابات، وفي الوقت نفسه تواجه صعوبات داخلية وانتقادات غربية بالأساس، باتت أقرب إلى التدخل المباشر، على خلفية قضايا سياسية محلية ومسألة تدفق المهاجرين إلى السواحل الإيطالية.

بينما كان وزير الخارجية في طريقه إلى موسكو، قرر الرئيس قيس سعيّد تأجيل زيارة وفد المفوضية الأوروبية إلى تونس، هدفها لقاء شخصيات وأحزاب معارضة لدعمها في مواجهة السلطة، وهو ما اعتبرته الرئاسة «تدخلاً غير مقبول في الشؤون الداخلية للبلاد»، وخطوة فاضحة للضغط على تونس ومقايضتها على قضايا داخلية مقابل الدعم، بما في ذلك تخفيف شروط الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي جرى بحثه منذ أشهر، ومازالت المفاوضات مجمدة وخاضعة للمساومات، بينما بدأت تونس البحث عن مصادر أخرى للتمويل والتحرر من الملاحقات الغربية المسمومة. وفي هذه المرحلة باتت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي متوترة وباردة مع الولايات المتحدة، وهذان الطرفان هما الحليفان التاريخيان لتونس، لكن سياستيهما مؤخراً، خلقتا نفوراً تونسياً ينسجم، في جانب منه، مع حالة التبرم الإفريقية من هيمنة الغرب وتدخلاته.

لا تسعى تونس إلى الانقلاب التام في علاقاتها مع القوى الغربية التي تمثل عدداً من شركائها التقليديين على غرار فرنسا وإيطاليا وألمانيا. ومنذ استقلالها دأبت انتهاج الحياد الإيجابي وعدم الدخول في سياسات الأحلاف والمحاور. وتاريخياً لم تكن علاقات تونس مع روسيا وقبلها الاتحاد السوفييتي حيوية أو استراتيجية بل كانت بحدودها الدنيا، وعلى سبيل المثال لم يسبق لرئيس تونسي أن زار موسكو، لكن في ظل التحولات العالمية الجارية بدأت القواعد تتغير وتنشأ سياسات جديدة تفرضها التحديات، فروسيا اليوم باتت تشكل مع الصين وقوى أخرى قطباً له وزن ومستقبل، وتونس، كبقية الدول الأخرى، تسعى إلى تأمين مصالحها بتنويع الشركاء.

توثيق العلاقات مع روسيا يخدم مصالح تونس في المديين المتوسط والبعيد، بالنظر إلى الدور المتنامي الذي تلعبه موسكو بسرعة كبيرة جداً في إفريقيا وفي شمال القارة، بل إن تونس ظلت متأخرة عن الركب بسبب سياسة الحذر والتحفظ المفرطين في بعض الأحيان، بينما هناك دول أخرى في إفريقيا، أحدثت انقلاباً تاماً في علاقاتها الدولية، وباتت توثق تقاربها مع روسيا والصين بدل الارتهان إلى قوى غربية مثل فرنسا والولايات المتحدة.

ورغم انتهاج بعض الدول هذا المسار، فإن تونس ليست مضطرة إلى ذلك على الأرجح، لكن من حقها التوجه شرقاً وتعيد بناء شبكة علاقاتها بما ينسجم مع مصالحها ويواكب التوازنات الدولية الناشئة وفقاً لنظام تعدد الأقطاب. ففي مجرى التاريخ كل شيء يتغير ولا مكان للقوالب الثابتة، بما في ذلك العلاقات مع الدول، وتونس المنتمية إلى هذا المجتمع الدولي، لا يجب أن تبقى في مكانها حتى تدهمها التغيرات، وإنما عليها أن تستبق وتحسم خيارها بما يمليه التحول العالمي وتفرضه المصالح وضرورات السيادة والاستقلال.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.