تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ثنائي غنائي سوري يجدد الأغنية العربية من بوابة الأصالة

مصدر الصورة
العرب

سمر بلبل وعصام شريفي يتحديان الصعاب ويستعيدان أم كلثوم بثوب مختلف.

للغناء العربي الكلاسيكي الكثير من المتابعين، وعبر أجيال عاش في وجدان الناس بقوة، ورغم رحيل رواده، فإن أجيالا جديدة ما زالت تهتم به وتقدمه للجمهور بشكل فردي أو في شكل مشاريع فنية تحمل مسؤولية بقائه والمحافظة عليه بقديمه وجديده. من هؤلاء الثنائي السوري سمر بلبل وعصام شريفي، اللذان جسدا منذ سنوات ومازالا مشروعهما الفني الطامح لتحقيق مكاسب فنية أصيلة وجديدة فيه.

قدم الثنائي سمر بلبل وعصام شريفي (ثنائي صوت الشرق) المقيمان في فرنسا حفلا غنائيا في دار الأسد للثقافة والفنون (وبرا دمشق) في الخامس والعشرين من يوليو المنقضي، حمل عنوان “لدمشق”، قدما فيها مجموعة أغنيات معروفة لأم كلثوم، وعددا من الأغاني الجديدة لهما بمرافقة الفرقة الموسيقية بقيادة نزيه أسعد.

حفل بلبل وشريفي أكد للجمهور السوري رسوخ مشروعهما الفني في المشهد الفني السوري، ومدى متابعة الجمهور له وتفاعله معه.  ومن المعروف أنه برحيل عمالقة المبدعين العرب الكبار في الغناء الطربي الأصيل، تراجع إلى حد بعيد حجم الإنتاج الجديد، وصارت أغانيهم متداولة بين مغني الأجيال اللاحقة الذين يقدمونها من خلالها خامات صوتية تحمل الجمال والقدرة، لكنها في الغالب غير موظفة في مكانها.

وعلى الرغم من ذلك، تبدو بعض المشاريع الفنية التي وجدت على مساحة الوطن العربي قادرة ولو جزئيا على جسر هذه الهوة بين الغناء التقليدي الطربي والإنتاج الجديد. ويصنف من هذه التجارب الثنائي الفني عصام شريفي وسمر بلبل، اللذان خرجا من مدينة حمص السورية وهما يحلمان بتحقيق مشروع إغناء الموسيقى والغناء العربي الكلاسيكي بإنتاجات جديدة.

عصام طبيب ابن بيئة فنية، تعلم العزف على الكمان ثم العود، استهوته الموسيقى وقدم فيها تجارب جديدة، أما سمر بلبل فهي ابنة المسرحي الحمصي الرائد فرحان بلبل، علمها الفن منذ طفولتها، ودرست الموسيقى في سوريا وفرنسا وتمتلك مع زوجها وشريكها الفني عصام شريفي مشروعا فنيا يحمل أعباء الطروحات الجدية والطامحة.

مشروع ثنائي

◙ شريفي يقدم ألحانه بمزاج موسيقي عالي المستوى، يطمح فيه لخلق الحالة الكلاسيكية الطربية

◙ شريفي يقدم ألحانه بمزاج موسيقي عالي المستوى، يطمح فيه لخلق الحالة الكلاسيكية الطربية

 

يقدم شريفي ألحانه بمزاج موسيقي عالي المستوى، يطمح فيه لخلق الحالة الكلاسيكية الطربية، ولكن بشكل مكثف زمنيا وضمن مشروع فني متكامل، يتشكل بثنائية عصام وسمر. يقول في ذلك لـ“العرب”، “الجمهور يهمه المستوى الفني العالي لما يقدم، ولا يهتم بالتفاصيل، من يكتب ومن يلحن. بعض التفاصيل قد لا تهم عموم الجمهور منها موضوع المشاريع الفنية، ومنها ما ظهر في الفن العربي. مثلا مشروع السنباطي وأم كلثوم. وهو مشروع كبير، وقد ظلم فيه الموسيقار السنباطي. هما متكاملان فيه، كل منهما لو نزع من الآخر لنقص المشروع، لكنهما معا يكونان مشروعا فنيا كبيرا كان له أثر كبير في الموسيقى العربية جمعاء”.

ويضيف “كذلك الأمر بالنسبة إلى وردة وبليغ حمدي أو عبدالحليم وبليغ، ألحان بليغ خارج نطاق عبدالحليم ووردة ليست كما لهما، حتى ما قدمه لأم كلثوم لم يكن على الحالة التي كانت لهما. ألحان بليغ حمدي لأم كلثوم لا ترقى حسب رأيي إلى المستوى الذي قدمه لغيرها. بينما مع وردة وعبدالحليم كان في القمة. كذلك الأمر بالنسبة إلى الرحابنة وفيروز، فقد قدما ألحانا لغيرها لكنهما معها قدما شكلا مختلفا”.

أما عن نفسه فيقول “لحنت لغير سمر وكان هنالك موسيقيون كانوا يودون تقديم ألحان لسمر، لكن ظروفا عديدة منعت تحقيق ذلك، عندها لم أكن موجودا في المشهد الفني السوري كملحن، ولكنني بعدها قدمت ألحانا لسمر ونحن منفتحون على أي مشاركة تلحينية. لكن هذه الكيفية لم تتوفر لنا في مرحلة محددة ثم توفرت لكن بشروط فنية لا تناسبنا”.

ويتابع شريفي “ندعي أننا حالة فنية تطمح لتقديم الأعلى ضمن كيفية موظفة، نحن تركنا سوريا بسبب اضطهاد فني وعشنا في أوروبا لكي نعمل بحرية أكبر، المشروع بيني وبين سمر موجود وصرنا في القسم الثاني فيه، لا تعنينا الشهرة بقدر ما يعنينا تقديم حالة فنية راقية عالية المستوى، كان يمكن من خلالها تقديم سوريا بأعلى المنابر في العالم العربي والعالمي لو مدت له يد المساعدة، لكننا حرمنا من تمثيل سوريا، فيما يجب أن تمثل فيه. الحالات التي تشبه حالتنا في سوريا قليلة وهي التي تثبت أن موضوع الأغنية السورية بخير، وهو موضوع بالغ الحساسية لأنه يحمل تاريخا عميقا من البحث الموسيقي”.

عن المزاج العام الذي يقدمه في مشروعه يقول “العصر الذي نعيشه سحق الجميع بإيقاعه السريع الذي لا يقبل المعالجة الفنية الكلاسيكية التي تقدمها الحالة الطربية، فمنذ وجود عصر الفضائيات وعلى مستوى العالم هنالك خطط لسحق كل شيء قديم وترسيخ نموذج واحد لحالة فنية محددة”.

ويقر بأن معظم ما نشاهده على الشاشات الأوروبية اليوم من السخيف وما دون ذلك. وهو بصفته ملحنا أمام تحد كبير، هو كيف يمكنه أن يحقق في أغنية لا تتجاوز مدتها دقائق الحالة الفنية التي تذكرنا بالغناء الكلاسيكي، من حيث البناء اللحني والروح والإيقاع، وهو ما نسميه بفن الزمن الجميل.

خصوصية فنية

◙ حفل بلبل وشريفي أكد للجمهور السوري رسوخ مشروعهما الفني في المشهد الفني السوري

ويتابع شريفي “من أوجد هذه الأعمال هم فنانون استثنائيون في زمنهم، ولكن في كل زمن هنالك فنانون استثنائيون يقدمون ما هو مبهر، ولكن عصر السرعة يفرض ألا يكون ذلك في زمن طويل، وهذا ما يحتم علينا تكثيف الأغنية إلى دقائق، تحمل كثافة لحنية طربية عالية المستوى وقوية الحضور المقامي والإيقاعي حتى تخاطب الجمهور فيما يحب”.

ويقول الملحن “أغانيّ فيها كل مقومات الأغنية الطويلة من حيث حضور الروح الكلاسيكية والمقام والأداء وبنفس الوقت نحاول إيصالها إلى الجيل الجديد الذي قبلها، معظم الحضور كان من جيل الشباب. حربنا خاسرة للأسف ويجب تقديم الدعم الفني والثقافي لهذه التجارب لكي تكون في مراتب النجاح، خاصة من الجهات المعنية بالشأن الثقافي، وهي التي يجب أن تقوم بالترويج لهذا النوع من الفن عالي المستوى، وإفساح المجال أمام الجيل الجديد للاستماع لهذا الشكل الفني”.

◙ العصر الذي نعيشه سحق الجميع بإيقاعه السريع الذي لا يقبل المعالجة الفنية الكلاسيكية التي تقدمها الحالة الطربية

ويأسف لأن كل المهرجانات الفنية التي تستقدم فنانين لها لا يدعوان إليها، لأنها تريد من يحقق أرباحا تجارية، وهؤلاء سيروجون غالبا للفن الهابط وبالتالي تلغى الحالة الصحيحة، حتى الأسماء الكبيرة التي تشارك في المهرجانات تقدم أشياء عادية وأحيانا هابطة، لكنها تجد المجال للمشاركة في المهرجانات، لذلك لا يجد له وللفنانة سمر متسعا فنيا إلا من خلال مشاركتهما في سوريا أو في بعض المهرجانات التي تحمل طبيعة ثقافية خاصة. “ومع الفرص النادرة التي تتاح لنا فإننا نحقق كثنائي فني وجودنا عند الجمهور من خلال حفل أو حفلين في العام”.

وعن موضوع استعمال صوت الرأس والإضافات في الغناء العربي التي صاحبت وجوده، يتابع شريفي “أول تجربة لي في استخدام صوت الرأس كانت عام 1989 بأغنية يا ورد يلي ندا، وهي أغنية للسيدة أم كلثوم غنتها مرة واحدة، وليس لها أي تسجيل، وهي من تأليف الشاعر أحمد رامي، أخذها والدي من ديوانه وطلب مني تلحينها. واستخدمت حينها صوت الرأس مع سمر، قبل أن تكون طالبة في المعهد الموسيقي في دمشق”.

ويتابع لـ“العرب”، “عملت على استخدام مقام العجم الغربي ولكن بطريقة شرقية، حينها تلقف اللحن الدكتور سعدالله آغا القلعة وسجلنا حلقة خاصة عنه في برنامجه الشهير ‘الموسيقى والعرب’. وأشاد باستخدام هذا الشكل بطريقة شرقية. الإضافة الثانية كانت في أغنية ‘تعرف’، فكانت بمقام الراست وهي حالة وحيدة في العمل بهذه الطريقة عربيا، فكبار الملحنين العرب كالقصبجي والسنباطي استخدموا صوت الرأس في الأوبريتات، لكنها كانت كلها مع الكورال وفي المقامات الغربية”.

الشرقي والغربي

 

 

◙ الغناء لأم كلثوم ليس أمرا سهلا

 

في مشروعها الفني تقدم سمر بلبل ما تطمح إليه موسيقيا وغنائيا، مستثمرة إلى أبعد مدى دراستها المطولة لفن الغناء في سوريا وفرنسا. تقول لـ“العرب” حول ذلك “درست فن الأوبرا في سوريا ثم أكملت الدراسة في فرنسة لمدة عشر سنوات. أساتذتي الذين تتلمذت على أيديهم كانوا يدفعونني لكي أركز جهدي على الغناء العربي الذي هو غير موجود في فرنسا بكثرة. شخصيا أحب الغناء الأوبرالي وصوت الرأس وأخشى على أن أبتعد عن هذا النمط من الغناء الذي تعبت جدا كي أحقق أحلامي فيه”.

وتضيف “عصام شريكي الفني يعلم ذلك، ونعمل على إيجاده، ضمن معادلة أن يكون في محله وليس مقحما. أكون سعيدة عندما أستخدمه، وهو فقط من يستطيع أن يجد لي المكان الذي سيكون فيه وليكون ضمن النسيج اللحني، وأحيانا أستخدمه بجمل قصيرة”. وتحرص سمر بلبل على تقديم عدد من أغنيات أم كلثوم التي تحظى بقيمة خاصة عند الجمهور العربي سواء كان في الوطن أو في العالم. ولهذا الغناء عندها حالة خاصة، تتماهى فيها شخصيتها الفنية الخاصة مع شخصية أم كلثوم.

◙ المشروع بين الفنانين يصل إلى مرحلته الثانية بينما لا تعنيهما الشهرة بقدر ما يعنيهما تقديم حالة فنية راقية عالية المستوى

تقول الفنانة “في حفلي الأحدث بدمشق قدمت عدة أغان كلثومية وكانت في البرنامج أغنية شمس الأصيل، لكننا ألغيناها خشية أن يكون البرنامج مطولا، كذلك هدفنا إلى تقديم الجديد من الغناء وليس تكرار بعض أغاني أم كلثوم، مع تأكيدنا على غير المتداول عند الجمهور، كان الهدف التنويع في البرنامج ليكون الجمهور مطلعا على تراث أم كلثوم في العديد من الأشكال الفنية”.

 وتتابع حول قيمة ما تقدمه في أوروبا “في تجوالنا في أوروبا نقدم غنائيات أم كلثوم بالشكل الذي يعرفه الجميع ولكننا نؤمن بأن فيها شيئا مختلفا ونحاول أن نوصله إلى الجمهور ونتحاور معه لكي يتفاعل بطريقة جديدة. وأنا أغني لأم كلثوم، بشكل متفرد ومختلف ببعض التفاصيل، فمقام السيدة أم كلثوم كبير وعال ولا يحق لأحد أن يتطاول عليه، هذا موضوع يجعلني مبتعدة عن غناء بعض تراثها لكي لا أظهر وكأني أتطاول على فن أم كلثوم الرفيع”.

وتذكر أنها قدمت مع شريكها الفني عصام أعمالا عديدة، قائلة "ممتنة له كونه منحني التفرد في المشوار الفني"، لأن "ألحانه أعطيت لها وحدها وفيها رسمت شخصيتها وحققت هوية خاصة في الظهور الفني". وتضيف “هل نجح هذا الشكل؟ أحترم هنا رأي الجمهور لكن المحاولة ظهرت ضمن هويتي التي شكلتني بصفتي مغنية لا أشبه فيها أحدا. هذا الشكل الذي منحني إياه عصام جعلني قادرة على تقديم أغاني أم كلثوم بشكل مختلف، وهي التي لن يشبهها أحد في ظهورها الفني المتميز".

 وتتابع موضحة العلاقة الإبداعية بينهما "هنالك اتفاق بيننا، هو أن ما سأقدمه من ألحانه يجب أن أحبه ويكون مترسخا في وجداني لأنني من سيدافع عنه على المسرح أمام الجمهور، لذلك يجب أن تكون قناعتي باللحن مئة في المئة رغم وجود الضغط العاطفي أحيانا. أثناء غنائي في أوروبا تأكدت أنه يرحب بالمزج بين موسيقاه والموسيقى العربية التي تخصني، لذلك فإن الشرقي يفترض أن يتقبل ذلك أيضا. ما نقدمه جيد التلقي في أوروبا والعالم العربي، هنالك شريحة قليلة يمكن ألا تتقبل ذلك، وهي الشرقي الذي يعمل مع الموسيقى الغربية، لكن المساحة الأكبر من الجمهور في العالم تقبل التجربة وترحب بها".

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.