تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

إفريقيا.. و«دروس» الانقلابات

مصدر الصورة
عن الانترنيت

د. إدريس لكريني

أثار الانقلاب العسكري الذي شهدته دولة النيجر، بعد الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، وتعويضه بقائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تيشاني كرئيس مؤقت للبلاد، واعتماد عدد من التدابير الصارمة كإقالة الوزراء، وتعليق نشاط الأحزاب السياسية، مخاوف جدية بشأن عودة موجة الانقلابات إلى إفريقيا من جديد، بعد سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي اعتقد معها الكثيرون أن القارة السمراء؛ بدأت تخرج من تلك الصورة النمطية التي كانت تروج عنها والتي تربطها بالاستبداد والمجاعات والأوبئة..

تذرّع «الانقلابيون» بمجموعة من الأسباب التي دفعتهم إلى الإطاحة بالرئيس الشرعي، من قبيل الاستياء من التعيينات الجديدة داخل الجيش، وإزاحة عدد من النخب العسكرية من مناصبهم، والسعي إلى الهيمنة على مؤسسات الدولة.

إن توالي الانقلابات داخل القارة خلال السنوات الأخيرة، يطرح من جديد مستقبل الدولة في إفريقيا، ذلك أن الإصلاحات التي شهدتها الكثير من الدول الإفريقية والتي أفرزت نخباً سياسية جديدة عبر آلية الانتخاب، لم تسمح بإرساء مؤسسات سياسية صلبة ومستقرة قادرة على مواجهة مختلف التحديات في أبعادها الداخلية والخارجية، كما أنها لم تكن كفيلة بتحقيق التنمية عبر الحد من المعضلات الاجتماعية والأمنية، ووقف نزيف الهجرة نحو أوروبا.

كما يلاحظ أن هذه الانتكاسات السياسية تتزامن مع التهافت الإقليمي والدولي المتزايد على إفريقيا، في سياق السعي إلى تعزيز النفوذ، وهو ما تعكسه توجهات عدد من القوى الدولية كروسيا والصين اللتين تعتمدان على المدخل الاقتصادي، وعلى استثمار تراجع النفوذ الفرنسي في عدد من المناطق الإفريقية، إضافة إلى طموحات عدد من الدول الأخرى في هذا الخصوص، مع توالي الأزمات الاقتصادية جرّاء الحرب الجارية في أوكرانيا وما فرضته من بحث عن موارد جديدة لمصادر الطاقة وأخرى تدعم الأمن الغذائي.

تراجع النفوذ الفرنسي بشكل ملحوظ داخل القارة، وهو ما برز بشكل جلي مع طرد القوات العسكرية الفرنسية من مالي، وتنامي الاستياء من التواجد الفرنسي في عدد من المناطق الإفريقية التي تبين مع مرور الوقت أنه يسعى إلى تكريس التبعية بدل مساعدة هذه الدول على ركوب قطار التنمية، وبناء المؤسسات وتعزيز الأمن.

وقد طالبت دول الاتحاد الإفريقي غير ما مرّة البلدان الأوروبية بإرساء تعاون وشراكة متوازنين يستحضران مصالح القارة.

علاوة على هشاشة الوضع السياسي الذي ما زال يتلمّس الطريق نحو ترسيخ الممارسة الديمقراطية، لا تخفى تداعيات الصّراع الدولي القائم بين القوى الدولية الكبرى كفرنسا وروسيا في سياق تعزيز النفوذ داخل هذه القارة الغنية، وهو الصراع الذي تجاوز البعد الاقتصادي إلى مظاهر عسكرية تذكّر بزمن الاستقطاب الذي ساد في ظل الحرب الباردة.

عبّرت الكثير من الدول عن رفضها وتنديدها بهذا الانقلاب الذي يمثل ضربة للتجربة الديمقراطية الفتية بالبلاد، فيما فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإكواس)، عقوبات اقتصادية ومالية على قادة الانقلاب، بل وهدّدت باستخدام القوة العسكرية ضدهم ما لم تتم إعادة الأمور إلى نصابها.

علاوة عن الإكراهات الاجتماعية التي تعيشها النيجر والتي تعكسها نسب الفقر المتزايدة، وتصاعد حدّة الهجرة نحو الخارج.. بالإضافة إلى التحديات الأمنية التي يطرحها تمدّد الجماعات المسلحة في المنطقة، فإن دخول أطراف خارجية على الخط يمكن أن يعمق الوضع أكثر، بصورة تتجاوز حدود البلاد إلى منطقة الساحل الإفريقي برمتها.

إن توالي الانقلابات العسكرية في إفريقيا؛ يمثل ناقوس خطر، ينبغي على الدول الإفريقية مجتمعة أن تستوعب مخاطره وانعكاساته على سيادة وأمن دول القارة، والعمل بشكل جدّي ومسؤول على التصدي لكل العوامل الداخلية والخارجية التي تغذّيها.

إن أول طريق كفيل ببناء الدولة؛ وتقوية مؤسساتها؛ هو تعزيز الممارسة الديمقراطية وترسيخ التداول السلمي للسلطة، كما يمكن للبلدان الإفريقية أيضاً استثمار الصراع الدولي الراهن والتموضعات الرامية لإرساء نظام دولي جديد، في تنويع شركائها، وفي الخروج من تحت مظلة بعض الدول الأوروبية كفرنسا، التي طالما دعمت عدم الاستقرار داخل القارة؛ وكرّست تبعية دولها، ضماناً لمصالحها الضيقة.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.