تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

إفريقيا تختار شركاءها

مصدر الصورة
عن الانترنيت

العملية الانقلابية التي استهدفت رئيس النيجر محمد بازوم مؤخراً، هي أحد وجوه أزمات إفريقيا المزمنة، فقارة الهشاشة الأمنية والسياسية والاقتصادية مازالت في مهب الانقلابات والحروب والصراعات التي لا تنتهي. ومثلما يتحمل الأفارقة جانباً من المسؤولية حيال هذه الأوضاع، يقع العبء الأكبر على القوى الاستعمارية السابقة التي استنزفت القارة السمراء قروناً وتركتها فريسة للتبعات المؤلمة.

انقلاب النيجر ليس الأول في هذا السياق ولن يكون الأخير، فمعظم الدول الإفريقية لا تعرف التغيير السياسي إلا عبر الانقلابات العسكرية أو التمرد المسلح، أما التجارب الديمقراطية فتعد على أصابع اليد الواحدة، وأغلبها رهن جملة من التوافقات والارتباطات وليس بضمانات مؤسسات قوية. والمجتمعات الإفريقية المحرومة من كل أسباب الرفاه، ظلت حبيسة مخلفات الاستعمار وتداعيات استنزاف ثرواتها. ورغم هذه الأعباء الثقيلة، هناك محاولات ومساع متعددة المستويات للنهوض وتجاوز الماضي، والسعي إلى تأسيس مستقبل يتسع لحل مشكلات القارة السمراء ويستجيب لتطلعات أبنائها. وقد أرسلت القمة الروسية الإفريقية الأخيرة في سان بطرسبورغ بعض الإشارات عن الموقع الذي تأمل الدول الإفريقية في تبوئه ضمن عالم متعدد الأقطاب، بدأت ملامحه تتشكل في الأفق العالمي.

وبعد نحو خمسة قرون من هيمنة غربية متعددة الوجوه على القارة الإفريقية، بدءاً من تجارة العبيد إلى الاستعمار المباشر، ثم التحكم في مقدرات الشعوب بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية، تريد إفريقيا أن تكون كتلة لها مكانتها بين القارات الأربع الأخرى، وترفض أن تبقى ميدان تنافس وتآمر بين القوى المتصارعة. وبسبب الإحباط الإفريقي من التبعية للقوى الغربية وخيبة الأمل من الوعود العابرة، يمكن تفسير ما يحظى به الحضور الروسي والصيني من ارتياح وترحيب نسبي، وذلك لاعتبارات عدة، أولها أن القوى العالمية الصاعدة، ومنها الصين على وجه الخصوص، مرت بالظروف نفسها التي عاشتها إفريقيا ولم تكن دولة استعمارية، بل تعرضت للاحتلال وكانت عنواناً للاستقلالية والثبات بعد الحرب العالمية الثانية.

واليوم أصبحت الصين منافساً اقتصادياً وسياسياً كبيراً للدول الأوروبية في إفريقيا، واستطاعت، مع روسيا، أن تغير المعادلات القائمة منذ عقود طويلة. وبالمقابل لا ينظر الغرب بعين الرضى لهذا التوجه إلى الشرق، ويحاول، عبثاً، أن يحرف المسار الجديد عن هدفه، محاولاً أن يتدارك خسارته ل «علاقته التاريخية» مع إفريقيا، دون أن يعتذر أو يعترف بأن تلك العلاقة كانت عمودية وخدمت مصالحه بالأساس ولم تكن متوازنة على الإطلاق.

بعد الاستعمار أنهك الغرب ومؤسساته الدول الإفريقية بالتدخلات والديون ونهب الثروات عبر الاستثمار غير العادل، وكانت النتيجة أن استفحل الفقر وانتشرت الأوبئة والأمراض. وعندما تفشت جائحة «كورونا» أغلق العالم الغربي أبوابه وترك إفريقيا معزولة عن اللقاحات والمساعدات، إلا ما ندر منها، وكل هذه الدروس والتجارب تعلم منها الأفارقة وباتوا يريدون نحت تاريخ جديد مع من يرضون من شركاء وحلفاء.

قبل سنوات ظهر شعار يقول إن إفريقيا هي قارة المستقبل لما تتميز به إمكانات واعدة وطاقات شابة وأفق مفتوح على مشاريع النهوض والازدهار. ورغم قتامة الواقع، هناك من يؤمن بحتمية الانعتاق من أسر الماضي، حتى تكون إفريقيا قارة تحقق كرامة أبنائها وركناً أساسياً في عالم متعدد ينتفي فيه الاستعباد ويحقق العدالة والمساواة.

مصدر الخبر
افتتاحية الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.