تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

إفريقيا.. و«الأمل» في سان بطرسبرج

مصدر الصورة
عن الانترنيت

د. محمد السعيد إدريس

بعد ما لا يزيد على سبعة أشهر فقط من انعقاد القمة الأمريكية الثانية ( 13/12/2022) بمشاركة 45 رئيس دولة وحكومة إفريقية، وهي القمة التي استهدف منها الرئيس الأمريكي جو بايدن استرداد إفريقيا من النفوذ الصيني والروسي المتنامي، وأغدق فيها الوعود السياسية والعطايا الاقتصادية للزعماء الأفارقة، واعتقد بأن هذه الوعود والعطايا كافية لبسط النفوذ الأمريكي في إفريقيا، ذهب رؤساء ومسؤولون من 49 دولة إفريقية إلى روسيا لحضور القمة الروسية- الإفريقية الثانية ( 27/7/2023) في مدينة سان بطرسبرج عاصمة الشمال الروسي ليس بحثاً عن وعود سياسية وعطايا اقتصادية فقط، لكن مندفعين لاسترداد ما يمكن تسميته ب «روح الاتحاد السوفييتي» وإسهاماته في تحرير بلدانهم من الاستعمار الغربي، والتأكيد على أن العلاقة مع روسيا تعد امتداداً للإرث التاريخي من الصداقة والتعاون، يشغلهم التأسيس ل «توافق روسي- إفريقي» على رفض الهيمنة الغربية والدعوة إلى عالم متعدد الأقطاب، تكون فيه للقارة الإفريقية مكانة مرموقة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التقط هذه المعاني وتحدث طويلاً في اليوم الثاني للقمة عن هذه المعاني، مفتتحاً حديثه بتوجيه التحية والتقدير لمن أسماهم ب «الأبطال الأفارقة» الذين ناضلوا من أجل حرية بلادهم، وأكد أن روسيا «حريصة على تكريم ذكرى الأبناء البارزين لإفريقيا: جمال عبد الناصر وعمر المختار، وكوامي نيكروما ونيلسون مانديلا وجوليوس نيريرى وباتريس لومومبا وأحمد بن بيلا وغيرهم»، وقال إن مشاركة القادة الأفارقة في القمة الروسية- الإفريقية «تعكس السعي المتبادل إلى تعزيز التعاون المشترك في كافة الاتجاهات»، مشيراً إلى أن «سبب الوضع غير المستقر في الكثير من مناطق إفريقيا يعود إلى إرث الحقبة الاستعمارية»، وأن النزاعات العرقية والإثنية لا تزال مستمرة في الكثير من المناطق الإفريقية، إضافة إلى الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية التي ما زالت متفاقمة، وكلها، على حد قوله «إرث استعماري؛ حيث ساد مفهوم (فرق تسد) الذي اتبعته الدول الغربية في إفريقيا».

كل هذه الاستهلالات من جانب الرئيس بوتين لحديثه الطويل أمام الزعماء الأفارقة أراد بها بوتين أن يتلبس ثوب «الاتحاد السوفييتي» وأن يؤسس لجبهة روسية- إفريقية تناضل في اتجاهين: الأول العداء للغرب والانغماس في مهمة التأسيس لنظام عالمي جديد عادل ومتعدد الأقطاب، والثانية الحصول على الدعم والمساندة الإفريقية لروسيا في الأزمة الأوكرانية.

الزعماء الأفارقة أنصتوا إلى حديث بوتين الذي تضمن حرصاً على تبرئة روسيا من مسؤولية الأزمة الغذائية العالمية، ووعوداً بتقديم المعونات الغذائية إلى إفريقيا عبر قناة الأمم المتحدة وعبر القنوات الثنائية، وكانت لهم رؤيتهم التي ذهبوا من أجلها إلى روسيا في هذه الظروف الصعبة الإفريقية والعالمية. ويمكننا التمييز بين ثلاث رؤى طرحت على مدى يومي القمة على لسان القادة الأفارقة.

الرؤية الأولى: ركزت على أولوية مقاومة الهيمنة الغربية وضرورة التعاون مع روسيا لمواجهة «الاستعمار الجديد». دعا إلى هذه الرؤية رئيس بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري الذي دخل إلى قاعة القمة برفقة الرئيس بوتين، الذي أكد بوضوح دعم روسيا في عمليتها العسكرية، وأكد الرغبة في الخروج من عباءة الدول الاستعمارية، ورفع التعاون مع روسيا إلى أقصى حد، كما انحاز إلى هذه الرؤية القائم بأعمال الرئاسة في مالي، وهما بلدان لعبت روسيا فيهما دوراً عسكرياً مباشراً لمواجهة الوجود الفرنسي، وطالب الرجلان بأنه «يجب على القادة الأفارقة ألاّ يكونوا دمية في أيدي الإمبرياليين والمستعمرين».

 

الرؤية الثانية، طرحها رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، الذي طالب بتعزيز التعاون بين البلدان الإفريقية ومجموعة «بريكس»، مشيراً إلى ضرورة أن تقرر الدول الإفريقية مصيرها بنفسها.

الرؤية الثالثة، هي رؤية الأغلبية وطالبت بإعطاء الأولوية ل «التنمية الإفريقية»، والقول إن «هدفنا هو التنمية»، كما طالبت بوضع استراتيجية واضحة للتعاون المستقبلي بين روسيا وبلدان القارة الإفريقية، بوضع «خريطة طريق» مدروسة وتضع سقفاً زمنياً لتنفيذ مشروعات حيوية مهمة.

هل وصلت الرسالة إلى روسيا؟ وهل روسيا في ظروفها الحالية على مستوى الاستجابة؟ هذا هو التحدي الذي يواجه الأفارقة بعد قمتهم مع الأمريكيين والروس.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.