تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

السودان | انقسام متعاظم ينذر بالأسوأ: القبائل في قلب الحرب

مصدر الصورة
وكالات

لم يَعُد الاصطفاف القَبلي في حرب السودان خافياً؛ فبعد مرور أكثر من 107 أيّام على بدء الاقتتال، يتضاعف التوتّر المجتمعي والشعور بالقلق من انفجار أكثر كلفة. وكان القتال قد اندلع بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، في منتصف نيسان الماضي، في العاصمة الخرطوم، وامتدّ لهيبه بعد ذلك ليشمل عشر ولايات أخرى، منها خمس في إقليم دارفور، متسبّباً بمقتل آلاف الأشخاص وإصابة أمثالهم، وتَرك نحو ثلاثة ملايين منازلهم في عدد من المدن، ليستوطنوا مدناً أخرى داخل السودان وخارجه. وبلغ خطاب الحرب أوجَه مع لجوء الطرفَين إلى التحشيد واستقطاب زعماء القبائل وشراء ولاءاتهم بمختلف الطرق المشروعة وغير المشروعة.

وتَظهر البصمة القبلية في الحرب، أوّل ما تَظهر، في التكوين ذي الصبغة العشائرية لقوات «الدعم السريع». فمنذ تشكيلها، اعتمدت «الدعم» على قبائل عربية، في مقدّمها قبيلة «الرزيقات» المنتشرة في إقليم دارفور غرب البلاد، والتي تشكّل النسبة الأكبر من مقاتلي تلك القوات المُنشأة في عام 2013، على أيدي نظام الرئيس المعزول، عمر البشير، الذي حارب بها الحركات المتمرّدة في الإقليم (تغلب على هذه الأخيرة قبائل أفريقية مثل "الفور" و"المساليت" و"الزغاوة"). وحتى داخل «الرزيقات»، اعتمدت «الدعم» على أفرع منها خصوصاً، من مثل «الماهرية»، وذلك على حساب فرع «المحاميد» بقيادة الشيخ موسى هلال، الذي ساءت علاقته بنظام البشير في عام 2017، وهو الذي قاد بدايةً ميليشيا مدعومة من الأخير في الحرب ضدّ التمرّد. ونجح قائد «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مع مرور الوقت، في ضمّ مقاتلين من قبائل أخرى، من مثل «المسيرية» و«التعايشة»، ثم تمدَّد في أوساط «الزغاوة» و«الفلاتة»، وذهب خارج دارفور ليضمّ بعضاً من «الرشايدة» و«رفاعة». وفي عام 2017، تمكّن من انتزاع شرعية لقواته، عبر قانون أجازه البرلمان السوداني.
ومع اندلاع الاقتتال بين الجيش و«الدعم»، تبادل الطرفان الاتهامات بالعمل على تحويله إلى حرب أهلية شاملة، وسط قلق محلّي وإقليمي ودولي من الانزلاق إلى سيناريو كهذا بالفعل، ولا سيما بعد امتداد القتال إلى مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، حيث ارتُكبت جرائم قتل على الهوية. وزاد من تلك المخاوف، إعلان زعماء قبائل في ولاية جنوب دارفور، من مثل «الفلاتة» و«الرزيقات» و«بني هلبا» و«الترجم» و«الهبانية» و«المسيرية» و«التعايشة»، في بيان رسمي، انحيازهم إلى جانب «الدعم»، فضلاً عن ظهور عُمدة «الهمج» (واحدة من أكبر المجموعات السكانية في ولاية النيل الأزرق، جنوب شرق البلاد)، العبيد سليمان أبو شوتال، بصورة مفاجئة بالزيّ الرسمي، مقاتلاً وقائداً ميدانيّاً في صفوف قوات «حميدتي». في المقابل، عمل الجيش على استقطاب القبائل، فيما أعلنت أخرى من تلقاء نفسها دعمها له، من بينها قبيلة «بني جرار» في ولاية النيل الأبيض، والتي تبرّعت بـ 10 آلاف مقاتل. وحظيت القوات المسلحة أيضاً، بتأييد ناظر عموم «الهدندوة» في شرق السودان، محمد الأمين ترك، وإعلانه تجهيز 10 آلاف مقاتل ضمن «لواء حماة الشرق» دعماً للجيش.

عمل الجيش على استقطاب القبائل، فيما أعلنت أخرى من تلقاء نفسها دعمها له


إزاء ذلك، يعتقد الصحافي أحمد حمدان، في حديث إلى «الأخبار»، أن «جميع مؤشرات الحرب الأهلية في السودان أصبحت قائمة، وأن حدوثها بات ممكناً في أيّ لحظة، ما لم يتمّ توقيع اتفاق عاجل بين الجيش وقوات "الدعم السريع"»، معدّداً من بين تلك المؤشّرات «الاستقطاب القبليّ الحادّ، وتصاعد خطاب الكراهية المبني علي القبلية والجهوية»، مشيراً إلى أن ممّا يزيد الوضع خطورةً «تدمير البنية التحتية والانهيار الكلّي للاقتصاد بسبب تعطّل المصانع». وفي الاتجاه نفسه، يرى المحلّل السياسي، نور الدين بريمة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الاصطفاف القبلي الذي يشهده السودان في الوقت الحالي، له آثار سلبية على مستقبل الأوضاع الأمنية وانتشار السلاح في البلاد»، معتبراً أن «السودان لن يعود إلى ما كان عليه قبل نشوب الحرب». لكنه يستبعد، مع ذلك، حدوث حرب أهلية شاملة، «لأن أغلب السودانيين بعيدون كل البعد عن هذا الاصطفاف ولن يعملوا على دعم أيّ طرف على حساب الآخر». ويوضح أن «قضيّة الاصطفاف القبلي في السودان ليست جديدة، إذ برزت بعد انقلاب الحركة الإسلامية، في 30 حزيران، وما قبله بسنوات»، مضيفاً إنه «حينما اندلعت الحرب الثانية بين الجيش الشعبي لتحرير السودان والحكومة في عام 1983، تمّ تشكيل قوات سمّيت بالمراحيل (قوامها قبائل عربية)، للقتال جنباً إلى جنب الجيش السوداني ضدّ الجيش الشعبي والحركة الشعبية. واستمرّ الحال نفسه إلى أن اندلعت الحرب في دارفور بعد انقلاب الإسلاميين، فقاموا بتشكيل الميليشيات القبلية، لمواجهة ما يسمّونه بالتمرّد في مختلف أطراف السودان، بقصد حماية سلطان الحركة لا حماية سلطان الدولة، فاشتدّت الحرب الهمجية، وغابت حماية الدولة وسلطانها وهيبتها، وصارت القبيلة هي الحامية لمنسوبيها، بدلاً من الدولة».
أمّا المحلّل السياسي، حامد أحمد عبد العليم، فيعتقد، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «صوت القبيلة لم ينتهِ وما زالت سلطتها كاملة، بل زادت، وخاصة تلك التي دعمت قوات الدعم السريع وأصبح لها طموح أكبر»، لافتاً إلى أن «أفراد القبائل من دول النيجر ومالي وتشاد التي تقاتل إلى جانب الدعم، قاموا بعمليات غريبة قتلاً واغتصاباً ونهباً». وحول القبائل التي أعلنت دعمها ومساندتها ودعمها للقوات المسلحة، وخاصة في الولايات الشمالية ونهر النيل والجزيرة والبطانة، يقول عبد العليم إنها «غير مسلّحة، وهي لم تؤثّر في الصراع بين الجيش والدعم السريع».

مصدر الخبر
الأخبار اللبنانية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.