تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تداعيات التنافس على إفريقيا

مصدر الصورة
عن الانترنيت

الحسين الزاوي

يتساءل المراقبون للشأن الإفريقي عن المرحلة التي ستكون فيها القارة السمراء قادرة على أن تمتلك من القدرة والقوة ما يمكّنها من التحكم في مواردها ومن بسط سيادتها الكاملة على أراضيها بعيداً عن هيمنة القوى الكبرى، التي ما زالت تنظر إلى إفريقيا كحقل مفتوح ومستباح، لحسم الصراع على المصالح والنفوذ في العالم؛ إذ تسعى كل من الولايات المتحدة والصين إلى تصفية حساباتهما على الأرض الإفريقية، خاصة ما يتعلق بملف المديونية والاستثمارات في مجال الثروات المعدنية من منطلق أن نسبة كبيرة من الاحتياطات العالمية من المعادن النفيسة والنادرة، توجد في أكثر القارات ضعفاً من حيث البنية التحية، والاستقرار المؤسساتي، والقدرات الدفاعية.

وهناك إذن شبه إجماع على أن القارة الإفريقية باتت تمثل قطب الرحى في الصراع العالمي المتعدّد الأوجه الذي يدور بين واشنطن وبكين، سواء تعلق الأمر بالتمركز والانتشار العسكري أو بصفقات بيع الأسلحة أو بالاستثمار في المرافق العمومية والصناعات التعدينية ومنشآت الطاقة والصناعات التحويلية؛ وذلك فضلاً عن التجارة البينية في المواد المصنعة. ويتزامن هذا التنافس الاقتصادي والعسكري مع حراك دبلوماسي مكثف من قبل المسؤولين الأمريكيين والصينيين؛ حيث تضاعف هذا الحراك من قبل واشنطن منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وما تبعها من رفض للدول الإفريقية للانخراط في العقوبات الغربية ضد روسيا، وحاولت واشنطن في السياق نفسه، أن تستثمر مخرجات القمة الأمريكية- الإفريقية التي انعقدت في ديسمبر/ كانون الأول 2022 لإعادة تنشيط علاقاتها مع العديد من الدول الإفريقية.

وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قادرة حتى الآن على التأثير بشكل أفضل على المستوى العسكري، مقارنة بالحضور العسكري الصيني المتواضع في القارة السمراء، بسبب وجود القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا «أفريكوم» التي جرى تأسيسها سنة 2007؛ فإن الصين تمتلك في المقابل وجوداً اقتصادياً لافتاً في القارة؛ بفضل استثماراتها التي تتجاوز كل الاستثمارات الغربية مجتمعة؛ وذلك ما يجعل الصين شريكاً اقتصادياً لا يمكن تجاوزه بالنسبة للدول الإفريقية، وبخاصة أن بكين لا تُقحم في علاقاتها الاقتصادية، الملفات المتعلقة بالسياسات الداخلية للدول الإفريقية، مثلما هو الشأن بالنسبة لواشنطن والعواصم الغربية التي توظف قضايا حقوق الإنسان لابتزاز الأنظمة السياسية في دول القارة.

كما أن المواجهة بين واشنطن وبكين تطال أيضاً مجالات أخرى غير تقليدية، بسبب تأثيرها المباشر في الاستثمارات في إفريقيا؛ حيث تحاول القوتان العظميان فرض قوتهما الناعمة بأساليب مختلفة؛ بهدف استمالة الرأي العام الإفريقي، وتواجه الولايات المتحدة الأمريكية في هذا السياق تركة سلبية تتعلق بصورتها كقوة مهيمنة، ينظر إليها الأفارقة بوصفها امتداداً للاستعمار الغربي في القارة السمراء؛ وتحاول أمريكا بالتالي أن تسوّق صورة سلبية عن الشركات الصينية في مجال حقوق الإنسان؛ حيث قامت واشنطن مؤخراً بمساعٍ حثيثة من أجل منع استيراد بعض المنتجات من الكونغو الديمقراطية، بسبب اتهامها للصين باستخدام الأطفال في مجال الصناعات المعدنية في هذا البلد، وتطوّر الأمر إلى درجة الانتقاد المباشر بين سفيري الصين وأمريكا في الكونغو. وكانت جهات أمريكية قد رفعت أيضاً دعوى قضائية سنة 2019 على مستوى القضاء الأمريكي ضد 5 شركات صينية، بتهمة استغلال الأطفال في إفريقيا، وبخاصة في مجال استخراج المواد الأولية الموجهة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية.

ومن الواضح أن الاهتمام الأمريكي ومن ورائه الغربي بالقارة الإفريقية يتأتى في الأغلب كرد فعل على التحركات الصينية في المجال الاقتصادي وعلى مساعي التغلغل العسكري الروسي، ويتخذ هذا الرد في الأغلب صبغة هجومية حادة؛ لذلك فقد أكد وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن لمجلة «جون أفريك» أثناء زيارته للعاصمة السنغالية دكار في نهاية تشرين الثاني الماضي، بأن القارة الإفريقية توجد في مركز اهتمام السياسة الخارجية للرئيس بايدن.

ويمكن القول إن قوة الفعل وشراسة رد الفعل فيما يتصل بالقارة الإفريقية بين الصين وأمريكا، يُحدث تداعيات سلبية على القارة الإفريقية على مستوى مناخ الأعمال والاستثمارات، وعلى مستوى الاستقرار السياسي لدول القارة السمراء ذات المؤسسات الهشة التي تجد نفسها في معترك مواجهة قوية بين عملاقين كبيرين، لا تملك بشأنهما في أغلب الحالات حرية اختيار القرار السيادي الحر.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.