تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

في ملامح النظام العالمي الجديد

مصدر الصورة
عن الانترنيت

نسيم الخوري

استهلكت البشرية الربع الأول من القرن ال21 مربكة حيال العديد من الأفكار الجريئة الخاصة التي يتم تعميمها بفضل عصر العولمة والانفتاح الهائل بين شعوب الأرض، لكنّها تُربك بعض الثقافات والتقاليد المتنوعة بسبب الحروب والنزوح والهجرة والاختلاط الكوني والتبشير بتحديد النسل والقول بالمثلية فكرةً معلنة أو أبواباً تتجاوز العقول والثقافات. هكذا يقوى التنافر بين ما كان يقرّب الشعوب أو يجمعها بما يتخطّى حروب الأنظمة واندثار الحروب الباردة بانتظار ملامح عالم حر وعادل سيبقى خيالياً ومستعصياً على الفهم أو الهضم.

لا نتصوّر، إذن، دروساً أو عبراً دولية واضحة ورثناها أو نحفظها من صراع القوميات عنوان القرن التاسع عشر، ولا من صراع الإيديولوجيات الضخم عنوان القرن العشرين؛ لأن الدنيا تغرق في تداعيات صراع الحضارات الراهن الذي يقلب الصور الوهمية التي كانت تطوي الألفية الثانية على السلام وانتفاء التاريخ أو بالمقابل على الصدام الذي يعني صراع الثقافات والديانات. نحن نشهد مجدداً كمّاً هائلاً من المشاهد الدموية المبعثرة التي لم ولن تعرف اليباس في جسد الكوكب غني التنوع بشرياً وثقافياً.

استعيد المثلث الفكري المتساوي الأضلاع الذي شغل زواياه ثلاثة من كبار المفكرين الغربيين وشغلوا مساحات كبرى من نقاشاتنا ونصوصنا وجامعاتنا وأجيالنا العربية والأوروبية والتي لم تُضف مقدار حبّة خردل إلى ما أسمونه ب «حوار الحضارات». هذا يعني أننا سنبتعد حكماً عن زاوية فرانسيس فوكوياما المفكر الياباني الأصل والأمريكي الجنسية والأستاذ في جامعة هارفرد، الذي قال في كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، الصادر في 1992»، بانتشار الديمقراطيات والرأسمالية والأسواق الحرّة في جميع أنحاء العالم وفق ملامح الإنسان الأمريكي الرقمي الأخير. وهذا يعني، من ناحية ثانية، أننا سنعرض عن روجيه غارودي الفيلسوف الفرنسي المتزوج من الفلسطينية سلمى الفاروقي والذي أعلن إسلامه في جنيف عام 1982 وجهد في غرز أحلام الجمع بين الحضارات خروجاً من الثنائية الحادة المدمّرة بين الدولتين العظميين في الشرق والغرب قائلاً بزوال الغرب وظهور كوكب التفاهم والحوار بين شعوب العالم ومجتمعاته، معتبراً أن «المسلمين تقبلوا معظم الحضارات والثقافات الكبرى في الشرق وإفريقيا والغرب، وكانت هذه قوة كبيرة وعظيمة له في استيعابه لسائر الشعوب الذين يؤمنون بالتوحيد ذات الديانات المختلفة». وهذا يعني ثالثاً التذكير مجدداً بمقولات صموئيل هنتنغتون المفكر الأمريكي والأستاذ في جامعة هارفرد ومؤلّف كتابه: «صراع الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي الجديد» 1996؛ حيث الحضارات 7: الصينية واليابانية والإسلامية والهندية والسلافية واللاتينية الأمريكية والإفريقية والتي (قد) تزول لشرعة الأقوى ولن يستمر في النهاية منها سوى حضارات ثلاث الغربية والإسلامية والكونفوشيوسية، مع العلم أن هذا المفكر قد توقّع تحالف الحضارتين الصينية والإسلامية ملمّحاً إلى تحالف نووي مُقبل بين الصين وبعض الدول الإسلامية.

نحاول الخروج من هذا المثلّث المقفل على مجموعات المفكرين والسياسيين الذين لطالما كانوا يعارضون سياسات الحروب والصراع ويدعون إلى الحوار عبر المؤتمرات والجمعيات والمؤسسات ترسيخاً لسياسات التقارب بين الغرب والشرق بالتفاهم بدلاً من الصدام إلى درجة أن الأمم المتحدة كانت قد حددت عام 2001 عاماً لحوار الحضارات الذي استهلك ربع القرن الراهن من دون تقييم النتائج بعد.

لا يمكن الخروج من السياسة؛ بل يمكن تجاوز المناهج التقليدية في تناول الأزمات والمعضلات، خصوصاً أن السلطات في العالم بمعانيها التقليدية المعروفة تنهار تباعاً أمام الشركات والشراكات العالمية عبر الصور والشاشات المتشظية الأبعاد والرؤى التي جعلت التواصل بين البشر سلطة مطلقة خفية للحوار الجميل في الألفية الجديدة وكأنهم مجموعات متقاربة ومتواصلة متلاحقة.

لا سبيل لتقديس الماضي ولا لنبذ مقتنيات العولمة. كان يمكن للبعض القبول بالثنائيات في الفكر والحضارة والقول بنهاية العولمة أو حتى عدم حدوثها أساساً، وذلك أثناء سقوط مصطلحات استراتيجية أساسية من أذهاننا مثل سقوط مصطلح العالم الثالث في أزمنة إدانة بعض العرب للعولمة واختراع مصطلحات مناقضة لها مثل العوربة. وكانت النتيجة أن لانت المفاصل بين العالمين المتواصلين.

قد تُفهم مرحلياً المواقف المتشنجة من العولمة والتلاقي مع العالم على المستويات السياسية والاقتصادية، لكنها لم تعد تصحّ على المستويات الثقافية واللغوية والحضارية والاتصالية، لأنك لو دققت ملياً لرأيت كوناً منغمساً بمقتنيات الاتصال كضرورات للعيش كي لا نقول للبقاء. تتلهى البشرية عبر هذه المقتنيات إياها بإدانة العولمة والحضارات المتنافسة عبر أسواق عالمية لا حدود لها محكومة بمثلّث الاستثمار والاستهلاك والتغيير الذي يحاصر بقايا القرن الواحد والعشرين.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.