تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الحكومة المصرية تستعين بالدراما لتمرير رؤيتها التشريعية

مصدر الصورة
العرب

أحمد حافظ

 أظهر تفاعل مجلس النواب المصري مع مسلسل “تحت الوصاية” المعروض في موسم رمضان الحالي، وتقدم عدد من الأعضاء بطلبات إحاطة لتعديل القانون الخاص بولاية الأرملة على أموال أولادها، أن الحكومة أصبحت تستعين بالدراما لتجييش الشارع خلف خططها التشريعية.

ولم تمانع وزارة العدل في حضور جلسة برلمانية قريبا لمناقشة التشريع الخاص بالولاية النسائية على الأبناء، تعليميا وماليا، في ظل الجدل الذي أثاره المسلسل الذي جلب تعاطفا مع بطلته الفنانة منى زكي التي تجسد دور أم تريد الوصاية على طفليها.

وتدور أحداث المسلسل حول ربة منزل وأم لرضيعة وطفل آخر توفي زوجها، وبدأت في مواجهة مشاكل مع عائلته التي انتقلت إليها وصاية الطفلين، وعندما حاولت الأم نقل ابنها من مدرسة قريبة إلى المنزل والسحب من ميراثه الذي تركه الأب لم تستطع.

◙ السيسي يعتقد أن الدراما هي السبيل لجلب الشارع خلف الحكومة عندما تتبنى تعديلا لأي قانون يلامس النواحي العائلية

وتحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن التشريعات القديمة التي بحاجة إلى تعديلات لتكون مناسبة للعصر، مشيرا إلى دور الدراما في دفع الناس إلى التفكير وإعمال العقل بوعي ومنطق في حتمية القيام بثورة تشريعية في قوانين الأحوال الشخصية.

ولا تزال الحكومة المصرية تواجه تعقيدات بالغة الصعوبة كلما اقتربت من قوانين الأحوال الشخصية، مثل الزواج والطلاق ووصاية الأم على أولادها، والتشريعات المرتبطة ببيت الطاعة والختان والزواج العرفي، وغيرها.

ويعتقد الرئيس السيسي أن الدراما الاجتماعية السبيل الأمثل لتجييش الشارع خلف الحكومة عندما تتبنى تعديلا لأي قانون يلامس النواحي العائلية دون الدخول في صدام مع الأغلبية المحافظة أو المؤسسة الدينية التي لا تتعاطى بمرونة كافية مع توجهات السلطة في شأن التشريعات الأسرية المعاصرة.

ويرى مراقبون أن إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لمسلسل يناقش قضية تحظى باهتمام من رأس السلطة ليس صدفة، كما أن تفاعل مجلس النواب مع ذات القضية يعكس ترتيبا مسبقا.

ونجحت الحكومة في توظيف الدراما لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية وفضح مخططات جماعة الإخوان خلال تواجدهم في السلطة، وإبراز تضحيات الجيش والشرطة في الحرب على الإرهاب، ومناقشة قضايا عديدة تحتاج إلى تعديلات تشريعية تخشى دوائر صناعة القرار السياسي من الاقتراب منها.

وهذه ليست المرة الأولى التي تكسب فيها الحكومة رهان توظيف الدراما لأهداف تشريعية عبر حشد الرأي العام، فهي التي عجّلت بتشكيل لجنة من قضاة ومتخصصين لتعديل قوانين الأحوال الشخصية المرتبطة بالزواج والطلاق والنفقة.

جاء ذلك عقب النجاح الذي حققه مسلسل “فاتن أمل حربي” الذي عرض العام الماضي، ثم فتحت ملف إلغاء الطلاق الشفهي واستبداله بالموثق عقب نجاح مسلسل “لعبة نيوتن”، على الرغم من تمسك الأزهر بمواقفه المتشددة في هذه القضية.

وقال الناقد الفني نادر عدلي لـ”العرب” إنه يصعب فصل التعويل الحكومي على الدراما لإقناع المجتمع بتغيير تشريعات مرتبطة بمسائل شائكة عفا عليها الزمن عن جمود رأي بعض رجال الدين في هذه القضايا، وقد تكون هناك هجمات إفتائية ضد التعديلات التشريعية، لذلك تصنع الدراما حالة من الحصانة تفيد توجهات الدولة.

نادر عدلي: يصعب فصل التعويل الحكومي على الدراما لإقناع المجتمع بتغيير تشريعات مرتبطة بمسائل شائكة

ومعضلة الأزهر أنه يتعامل مع الأحوال الشخصية في مجملها باعتبارها من سلطاته الدينية رغم أن علاجها يتجاوز فكرة التدين، ويحتاج إلى حلول عقلانية تتطلب انفتاحا وواقعية تلامس المبادئ المدنية، ما يتطلب تمهيدا دراميا يعزز الإرادة السياسية لتحقيق المصلحة العامة من دون إثارة غضب الشارع.

ويبرهن تناغم الدراما مع توجهات السلطة في مصر على قناعة أنظمة الحكم المتعاقبة بأنها حل سحري لتليين مواقف الأغلبية المجتمعية التي تتعامل مع أي تلاعب في التشريعات الأسرية بتحفظ وامتعاض وغضب قد يصعب مواجهته، بحيث تكون الأرضية ممهدة أمام الحكومة والبرلمان للتحرك عن قناعة، وهي الحالة الشعبوية التي يفشل الإعلام والأحزاب وكل القوى الناعمة في صناعتها.

وسبق توظيف الفن لأغراض اجتماعية وتشريعية وسياسية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، حيث ناقش فيلم “أريد حلا” أزمات أسرية معقدة وأسهم في تغيير قانون الأحوال الشخصية ومنح الزوجة أحقية خلع زوجها.

وفي عهد الرئيس الراحل حسني مبارك نجح فيلم “الشقة من حق الزوجة” في تعديل تشريعي يمنح المرأة حق الإقامة بمنزل الزوجية بعد الطلاق.

ويرتبط التناغم الدرامي في مصر مع رؤية الرئيس السيسي الإصلاحية بفشل الإعلام في تحقيق هذه المعادلة بأن يكون مقنعا للشارع ويروج لخطط الحكومة اجتماعيا وسياسيا وتنمويا، وهي الشفرة التي نجحت بعض المسلسلات في فك طلاسمها بعد أن أجادت التقاط الخيط الذي يبحث عنه الرئيس المصري، ليكون العمل الفني مقنعا وتوعويا وينجح في خدمة الخطط التي تريد الدولة تحقيقها.

ما يعزز هذه الرؤية أن الدراما صارت قريبة للغاية من الخطاب الذي يتبناه الرئيس السيسي، والذي يركز على موضوعات محددة، وهو نفس الأمر الذي يحدث في بعض المسلسلات الاجتماعية التي تتحدث بخصوصية وتسلط الضوء على قضية بعينها.

وأكد الناقد عدلي أن ميزة المسلسلات الاجتماعية التي تناقش قضايا واقعية تكون بحاجة إلى تشريعات معاصرة تكمن في أنها تشرح المشكلة للناس بأبعادها المختلفة بحبكة فنية وإنسانية متعمقة وجذابة، وهذا الخطاب الدرامي البسيط يكون مقنعا ويدفع المشاهد نفسه للاقتناع بضرورة وجود تدخل حكومي لحل المشكلة.

ولا تروق هذه السياسة لشريحة من الجمهور في مصر ترى ضرورة في ألا تكون الدراما خاضعة لتوجهات السلطة تماما، وتحركها يمينا أو يسارا، والإسراف في تناول قضايا على مقاس برنامج الحكومة السياسي والاجتماعي والأمني، ما يتسبب في تحويلها إلى بوق للدعاية قد يمحو ما تبقى من حرية إبداع.

وإذا كانت بعض الأعمال الفنية حققت الغرض منها، فإنه يجب التوقف عند هذه المرحلة قبل أن يشعر الناس بالملل وتأميمها ولا يجدون فيها إلا ما يرضي الحكومة.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.