تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

نجاح المسلسلات القصيرة يربك حسابات منتجي الدراما في مصر

مصدر الصورة
العرب

أثبتت المسلسلات القصيرة التي تعرض في شهر رمضان أنها الأكثر قربا من الجماهير وجذبا لهم، حيث تعرض عليهم مواضيع موجزة في مدد قصيرة تقترب أكثر من نمط الحياة السريع الذي تعيشه الغالبية. وصارت هذه الأعمال تحديا كبيرا أمام منتجي الدراما الذين لا يزال بعضهم يصرّ على تقديم مسلسلات طويلة ينفر منها المشاهد، ما يعني أنها ستكون البداية نحو تغير أشكال الدراما المصرية في المستقبل.

القاهرة - أكد النقاش المحتدم في مصر حول المسلسلات القصيرة التي تعرض على الشاشات والمنصات في موسم رمضان الحالي إلى أي درجة أصبحت دراما الحلقات المحدودة تحظى بجماهيرية واسعة، ما ينعكس سلبا على معدلات المشاهدة للمسلسلات الملحمية التي تعتمد على التطويل، مهما كانت هوية وشعبية وكاريزما النجوم المشاركين فيها، لكنها بدأت تترك حاجزا نفسيا لدى الجمهور.

وأدرك منتجو الدراما المصرية قيمة البناء على النجاحات التي حققتها المسلسلات القصيرة في موسم رمضان الماضي، حيث كانت هناك تجارب لأعداد محدودة من الأعمال تركت بصمة إيجابية لدى من تابعوها، ما دفع العديد من المخرجين والمنتجين إلى التوسع فيها الموسم الحالي، فهناك نحو 12 مسلسلا مصريا لا يتجاوز عدد حلقات كل منها الخمس عشرة حلقة وتناقش قضايا متنوعة.

وثمة أعمال درامية تصل إلى عشر حلقات فقط وأثبتت نجاحها، لكن الحد الأقصى للمسلسلات القصيرة التي شارك فيها فنانون وفنانات من مصر هو 15 حلقة، من بينها “حرب”، و”جت (جاءت) سليمة”، و”مذكرات زوج”، و”تحت الوصاية”، و”كامل العدد”، و”علاقة مشروعة”، و”تغيير جو”، و”تلت التلاتة (ثلث الثلاثة)”، و”الهرشة السابعة”، و”الصفارة”، و”الكتيبة 101”، وتناقش موضوعات مختلفة تجذب الجمهور على الفضائيات والمنصات الرقمية، وتقدم جرعات فنية مركزة من دون إطالة.

الجمهور أولا

نادر عدلي: الجمهور لا يعنيه الكم بقدر ما يهتم بالمحتوى ومدة العرض

أصبحت السمة الغالبة في الموسم الرمضاني الحالي والأعمال المقدمة ترفع شعار “الجمهور أولا”، فغالبية المسلسلات تتبنى الإيقاع السريع الذي يكسر ملل الحلقات الطويلة، وظهر في مضمون المنتج النهائي الذي يصل مباشرة إلى لب القضايا التي يناقشها ويلتزم بالتركيز على الأحداث بلا تشتيت لانتباه المشاهد، والسعي نحو توظيف العناصر الإنتاجية والإخراجية لتقديم أعمال فنية متقنة.

ويصعب فصل انجذاب الجمهور إلى الدراما الرمضانية القصيرة عن مشاركة نخبة من النجوم والمراوحة في تناول القضايا بين السياسة والدين والتاريخ والأمن والمجتمع، وغالبيتها جاءت ثرية بالأحداث المتتابعة، وكل حلقة تضم تطورات تمهد لما سيحدث لاحقا، ولا تترك المشاهد فرصة كبيرة للتخيل أو التخمين الذي يحدث في الحلقات الطويلة، إذ يعيش في قلب الأحداث تقريبا كأنه شريك في صناعتها.

ويرى البعض من النقاد أن المسلسلات القصيرة منحت المؤلفين والمخرجين فرصة تقديم أعمال جيدة بلا ضغط من عنصر الوقت أو افتعال أحداث، لكون هذه النوعية من الدراما غير مرتبطة بعدد حلقات ممتد يصل إلى ثلاثين حلقة وأحيانا يمتد إلى أجزاء أخرى، لينتهي المسلسل مع آخر أيام شهر رمضان أو يستمر في الموسم المقبل.

ويكتشف المتابع لعديد من الأعمال الدرامية الطويلة أنها تغرق كثيرا في افتعال أحداث وموضوعات وقضايا بعيدة عن فحوى الفكرة محل النقاش، لأن المخرجين مضطرون إلى السرد والإسهاب وافتعال أحداث لمد عدد الحلقات.

طارق الشناوي: المسلسلات القصيرة تؤسس لعلاقة مختلفة بين الجمهور والدراما

وباتت نقاشات الجمهور على شبكات التواصل الاجتماعي حول الدراما الرمضانية عاكسة لتوجهات الرأي العام تجاه الأعمال المطروحة، ومن يتتبع بعض ما يثار ويُكتب ويتم تداوله بكثرة يستطيع الوقوف على أساب انجذاب الناس إلى نوعية المسلسلات القصيرة الآن، خاصة أن الجمهور يهتم بتقييم المنتج الدرامي.

وقال الناقد الفني طارق الشناوي إن أهم ما يميّز المسلسلات القصيرة قدرتها على تقديم جرعة فنية مكثفة في زمن وجيز، وهذا ما يروق للجمهور بعيدا عن إجباره على مشاهدة حلقات مطولة ولو كان محتوى العمل نفسه لا يتحمل أكثر من عشر حلقات مثلا، وهذا يسحب البساط من تحت أقدام الأعمال النمطية ذات الحلقات الطويلة والأجزاء المتعددة، ويؤسس لعلاقة مختلفة بين الجمهور والدراما الرمضانية مستقبلا.

وأضاف لـ”العرب” أن اعتماد المسلسلات القصيرة على عدد من النجوم الكبار ومعهم رموز من الأجيال الجديدة ساهم أيضا في زيادة جماهيريتها، وهذه ميزة مضافة إلى هذه الدراما، لأنها تقدم المحتوى في وقت قياسي وعبر شخصيات كثيرة ومن أجيال مختلفة موهوبة وترغب في التعبير عن نفسها وأفكارها ومواهبها، وهذا ما يروق للجمهور، ويريد التعرف عليه جيدا، لأنه يمثل عصره وزمانه.

وأحدثت بعض المواهب الجديدة في المسلسلات القصيرة نقلة نوعية في الدراما المصرية، من حيث الانجذاب الجماهيري ومعدلات المشاهدة، وتم توظيف هؤلاء النجوم بشكل دقيق أضفى حيوية على الأعمال المقدمة وجعلها قريبة من الجمهور الشاب.

وقد يكون التغير الحاصل في سوق الدراما خلال الموسم الرمضاني الحالي في مسألة الأعمال القصيرة مقدمة لانقلاب غير مسبوق في شكل الدراما مستقبلا طالما أن التجارب الراهنة أثبتت أن الجمهور لم يعد تستهويه التقليدية في العرض والمحتوى وعدد الحلقات، لأنه يبحث عن التجديد في الوجوه والموضوعات المطروحة والمخرجين القادرين على إقناعه بفن يراعي التقدم في التكنيكات الفنية.

سرعة وقضايا شيقة

ربما تجبر الهزة التي ضربت ثوابت الدراما الرمضانية في مصر البعض من العاملين فيها على إعادة حساباتهم في المواسم المقبلة، لأنهم لن يغامروا بتحدي الجمهور الذي بات أكثر تمردا على مشاهدة أعمال روتينية ومملة، مهما كانت شعبية النجوم والمخرجين والمؤلفين الذين شاركوا فيها، لقد صار من المهم أن يحصل الجمهور على الجرعة الدرامية الجذابة في الوقت المناسب والسرعة التي تتواءم مع إيقاعه.

وأوضح الناقد الفني نادر عدلي أن الموسم الدرامي في مصر أثبت حقيقة هامة مفادها أن الجمهور لا يعنيه كم المسلسلات المعروضة بقدر ما يهتم بالفحوى والمحتوى ومدة العرض، لأن الاستمرار على نفس الوتيرة السابقة يغذي شهية المنصات الرقمية ويعزز مكانتها ويضاعف فرصها لأنها تعتمد بشكل كبير على المسلسلات القصيرة ذات القضايا الشيقة والموضوعات الجذابة ولو كان نجومها من الصف الثاني.

وأشار عدلي في تصريح لـ”العرب” إلى وجود تغيرات واسعة في سوق الدراما المصرية والعربية عموما في المستقبل، لأن التجارب أثبتت ميل الجمهور نحو المسلسلات القصيرة والتفاعل معها بشدة ومنحها مساحة من اهتمامه ووقته، كما أنها مناسبة للمنصات التي تستهوي الأجيال الشابة، ولذلك أصبح منتجو الدراما مدفوعين إلى التجاوب مع احتياجات المشاهد ومنحه الجرعة المفضلة إليه.

المسلسلات القصيرة منحت المؤلفين والمخرجين فرصة تقديم أعمال جيدة بلا ضغط من عنصر الوقت أو افتعال أحداث

وبعيدا عن التخطيط الذي يرسمه منتجو الدراما وفق المستجدات من الصعب أن تصمد الأعمال الرمضانية الطويلة أمام هجرة الجمهور وابتعاده عنها، لأنه سوف يظل يبحث عن قوالب قصيرة ومتعددة وسريعة في العمل الواحد، ما يحقق الفائدة لكل الأطراف، بمن فيهم منتجو الدارما أنفسهم، إذ أمامهم مساحات فنية واسعة للحركة وإنتاج أعمال متطورة في المحتوى والهدف.

ومهما كانت احترافية النجم أو المؤلف والسيناريست والمخرج من الصعب تقديم قصص فريدة في أكثر من 10 أو 15 حلقة، بسبب القدرة على التحكم في البناء الدرامي للأحداث بنفس القيمة والوتيرة طوال الوقت، بينما تعطي المسلسلات القصيرة فرصة للقائمين على أي عمل فني للتركيز على المحتوى، لأن الأعمال ذات الحلقات القصيرة لا تتكلف موازنات ضخمة وظروف الإنتاج متاحة بصورة أفضل.

وإذا استمرت قناعات القائمين على الأعمال الدرامية بالإبقاء على المسلسلات الطويلة، فعليهم دراسة أسباب نجاح الدراما القصيرة والبناء عليها كي تكون حافزا للتحسين والتطوير والجاذبية، وتلافي نقاط الضعف التي يشتكي منها الجمهور حاليا، على الأقل، ليجد المشاهد ما يبحث عنه في الإيقاع والمضمون والتخلي عن الحشو ورفع أداء الممثلين بالصورة التي ترضي الجمهور الباحث عن الإيقاع السريع.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.