تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

باحثون ونشطاء يحذرون من استمرار الانهيار المناخي في شمال أفريقيا

مصدر الصورة
العرب

“آبار قديمة واستعمار جديد.. تحديات المناخ والانتقال العادل نحو طاقة مستدامة في شمال أفريقيا” كتاب يجمع مقالات من مختلف دول شمال أفريقيا، تركز على جوانب متعددة من الانتقال الطاقي وكيفية جعله عملية منصفة وعادلة، ويشكك في جدوى اجتماعات المناخ التي ترعاها حكومات الدول الكبرى والجهات الدولية المانحة.

القاهرة - تشير التغيّرات المناخية التي تشهدها المنطقة العربية إلى أن المنطقة من أكثر المتضررين خاصة شمال أفريقيا وهو ما يحذر منه كتاب جديد صادر عن دار صفصفافة.

هذا الكتاب “آبار قديمة واستعمار جديد.. تحديات المناخ والانتقال العادل نحو طاقة مستدامة في شمال أفريقيا” يعد محاولة لتصليح الأوضاع وتصحيحها، حيث يجمع مقالات من مختلف دول شمال أفريقيا، تركز على جوانب متعددة من الانتقال الطاقي وكيفية جعله عملية منصفة وعادلة، وتغطي فصوله جملة عريضة من الدول، من المغرب  والجزائر حتى تونس ومصر والسودان، كما تشمل إسهامات عن الانتقالات الزراعية والهرولة وراء الهيدروجين في الآونة الأخيرة في شمال أفريقيا.

وشارك في الكتاب باحثون ونشطاء نقديون من شمال أفريقيا وحرره الباحث الجزائري حمزة حموشان والباحثة كايتي ساندويل مسؤولة المشاريع بالمعهد الدولي بأمستردام اللذين أشارا إلى أن التخفيف الكبير من الانبعاثات الكربونية، بدءا من اليوم، هو لوحده القادر على تجنب كارثة بيئية ومناخية.

ورأى المحرران أن أعراض الانهيار المناخي في شمال أفريقيا والمنطقة العربية بدأت تظهر في صورة تقويض الأسس الإيكولوجية والاجتماعية ـ الاقتصادية للحياة.

"آبار قديمة واستعمار جديد.. تحديات المناخ والانتقال العادل نحو طاقة مستدامة في شمال أفريقيا" كتاب يركز على جوانب متعددة من الانتقال الطاقي وكيفية جعله عملية منصفة وعادلة

وتعاني دول مثل الجزائر وتونس والمغرب ومصر من موجات حر متكررة وحادة وفترات جفاف مطولة، والتي لها آثار على الزراعة وصغار المزارعين. ففي صيف 2021 واجهت الجزائر حرائق غابوية غير مسبوقة ومدمرة، وتعرضت تونس لموجة حر خانقة، حيث وصلت درجة الحرارة إلى ما يناهز 50 درجة مئوية، وعانى جنوب المغرب من جفاف مروع للموسم الثالث على التوالي، وفي جنوب مصر فقد 1100 منازلهم إثر الفيضانات. وأصيب المئات بسبب لدغات العقارب التي خرجت كرها من الأرض بسبب الظروف المناخية المتطرفة.

وتقدر هيئة المناخ أن منطقة حوض البحر المتوسط ستتعرض في الأعوام القادمة لاشتداد الأزمات المناخية المتطرفة مثل حرائق الغابات والفيضانات مع زيادة في معدلات القحولة والجفاف.

وتقع آثار هذه التغيرات بقدر غير متناسب على المهمشين في المجتمع لاسيما صغار المزارعين والمشتغلين بالرعي والعمال الزراعيون والصيادون.

وبدأ الناس بالفعل يشعرون بالاضطرار إلى ترك أراضيهم بسبب موجات الجفاف والعواصف الشتوية الأقوى والأكثر تواترا وتوغل ظاهرة زحف الرمال وارتفاع مستوى سطح البحر.

وتعاني المحاصيل الزراعية من التلف وتقل مصادر المياه تدريجيا فيشتد تأثيرها على الإنتاج الغذائي في منطقة تعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية. ومن المتوقع أن تطرأ ضغوط هائلة على إمدادات المياه النادرة بسبب التغيرات في أنساق تساقط الأمطار وتوغل البحر في فرشات المياه الجوفية، فضلا عن الإفراط القائم في استخدام تلك الموارد.

وبحسب مقال نشر في دورية “لانسيت”، فسوف يعرض هذا أغلب الدول العربية إلى مستوى فقر مائي مطلق بواقع 500 متر مكعب للفرد سنويا بحلول عام 2050.

ولفت حموشان وساندويل إلى أن علماء المناخ يتنبأون بأن المناخ في قطاعات واسعة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد يتغير بشكل يهدد قدرة بقاء السكان على قيد الحياة، ففي شمال أفريقيا ـ مثلا ـ ستشمل الفئات التي ستتغير حياتها بأكبر قدر صغار المزارعين في دلتا النيل والمناطق الريفية في كل من المغرب وتونس والصيادين في جربا وقرقنة (تونس) وسكان عين صالح في الجزائر واللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف (الجزائر) والملايين ممن يعيشون في الأحياء الشعبية في هوامش القاهرة والخرطوم وتونس العاصمة والدار البيضاء.

وأكدا أن ما يحرك عنف التغير المناخي هو قرار الاستمرار في حرق الوقود الأحفوري، وهو اختيار اتخذته الشركات والحكومات الغربية، بالتعاون مع الطبقات الحاكمة في مختلف الدول. ففي كل عام يجتمع قادة العالم السياسيون والمستشارون والإعلام ولوبيات الشركات في مؤتمرات الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطار بشأن تغير المناخ (كوب) لكن، وعلى الرغم من التهديد الذي يواجه الكوكب، تستمر الحكومات في السماح بتصاعد الانبعاثات الكربونية وتفاقم الأزمة.

بعد ثلاثة عقود مما وصفته الناشطة السويدية جريتا ثونبرج بـ”بلاه بلاه بلاه” أصبح من الواضح أن المحادثات المناخية مفلسة وفاشلة، اختطفتها الشركات والمصالح الخاصة التي تروج لحلول كاذبة هدفها جني الأرباح، مثل أفكار تجارة الكربون وما يسمّى بـ”الصفر الصافي” و”الحلول المستندة إلى الطبيعة” بدلا من إجبار الدول الصناعية والشركات متعددة الجنسيات على تقليل الانبعاثات الكربونية وترك الوقود الأحفوري حيث ينتمي، في باطن الأرض.

شبح الجفاف يتربص بدول شمال أفريقيا

وقال حموشان وساندويل إن بقاء الجنس البشري يعتمد على ترك الوقود الأحفوري في باطن الأرض، وعلى التكيف مع المناخ والانتقال إلى طاقات متجددة ومعدلات مستدامة من استخدام الطاقة وتحولات اجتماعية أخرى.

وأضافا “سوف تنفق المليارات على محاولات التكيف، من البحث عن مصادر مائية جديدة وإعادة هيكلة الزراعة وتغيير المحاصيل وبناء حواجز بحرية (مصدات أمواج) لإبقاء الماء المالح بعيدا عن اليابسة وتغيير شكل وطبيعة المدن، ومحاولة الانتقال إلى مصادر خضراء للطاقة من خلال بناء البنية التحتية المنشودة والاستثمار في الوظائف والتكنولوجيا الخضراء. لكن مصالح من ستخدم هذه التحولات والانتقال الطاقي؟ ومن هم المُتوقع أن يدفعوا أغلى أثمان الأزمة المناخية والتعاملات معها؟”.

وتابع الكاتبان “تصوغ حاليا نفس القوى وبنى السلطة الشرهة التي أسهمت في حدوث تغير المناخ الرد عليه والتعامل معه. هدفها الأساسي هو حماية المصالح الخاصة وجني أرباح أكبر. وفي حين أن المؤسسات المالية العالمية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تعكف على وضع تصورات عن الحاجة إلى الانتقال المناخي، فإن تصوراتها هي تصورات بانتقال رأسمالي بقيادة الشركات في أغلب الأحيان، وليست تصورات بخطط تقودها المجتمعات المحلية وفي خدمة مصالحها”.

دول مثل الجزائر وتونس والمغرب ومصر تعاني من موجات حر متكررة وحادة وفترات جفاف مطولة، والتي لها آثار على الزراعة وصغار المزارعين

وبحسب الكاتبان لا تجد أصوات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية عادة آذانا صاغية عندما يتعلق الأمر بعواقب هذا الانتقال والحاجة إلى بدائل عادلة وديمقراطية. وعلى النقيض من ذلك فإن المؤسسات المالية العالمية ومعها وكالة التنمية الألمانية ومختلف هيئات الاتحاد الأوروبي تتحدث بوضوح وبصوت مسموع، وتنظم الفعاليات وتنشر التقارير في دول المنطقة العربية. إنها تسلط الضوء على مخاطر العالم الذي يزداد حرارة وتدعو إلى تحركات عاجلة، بما يشمل استخدام طاقة متجددة أكثر وخططا للتكيف، لكن تحليلاتها للتغير المناخي والانتقال المنشود ضيقة ومحدودة، وهي في واقع الأمر خطرة؛ إذ تهدد بإعادة إنتاج أنماط الاستلاب نفسها ونهب الموارد التي وسمت حقبة الوقود الأحفوري الحالية.

وأضافا أن الواقع التاريخي والسياسي والجيوفيزيائي لمنطقة شمال أفريقيا يعني أن كلا من الآثار والحلول الخاصة بالأزمة المناخية ستكون مختلفة في المنطقة عن وضعها في أي سياقات أخرى.

وتابعا “أثرت القوى الاستعمارية على دول شمال أفريقيا أو أجبرتها على القبول ببناء اقتصاداتها بالأساس حول استخراج وتصدير الموارد ـ عادة ما تقدم رخيصة في صورة خام ـ اقترانا باستيراد السلع الصناعية عالية القيمة، والنتيجة هي نقل واسع النطاق للثروة إلى المراكز الإمبريالية على حساب التنمية المحلية. يؤكد استمرار هذه العلاقات غير المتكافئة وغير العادلة حتى اليوم على دور دول شمال أفريقيا؛ بصفتها جهات مصدرة للموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز والسلع الأساسية المعتمدة بشكل مكثف على المياه والأرض، مثل المحاصيل الزراعية النقدية. يفاقم هذا التجذر للنمط الاقتصادي الاستخراجي التصديري من التبعية الغذائية والأزمة الإيكولوجية مع تكريس علاقات هيمنة إمبريالية وتراتبيات استعمارية جديدة”.

وهنا نتوقف مع بعض البحوث المشاركة في الكتاب حيث يوثق الباحث محمد جاد في بحثه تعامل الحكومة المصرية مع وقائع انقطاع الكهرباء واسعة النطاق والمتكررة في عام 2014 من منظور تحرير إنتاج الكهرباء اقتصاديا.

ويرفض جاد زعم البنك الدولي بأن تحرير أسعار الكهرباء قد أنهى الدعم المقدم للأغنياء وأعاد توزيع الموارد باتجاه الفقراء. إذ يظهر كيف مهّد هذا الإجراء الطريق لدخول رأس المال الدولي، على حساب الفئات الأفقر، وحوّل راديكاليا هذه الخدمة الأساسية إلى سلعة.

وفي بحثه عن قطاع الطاقة في المغرب، يطرح جواد مستقبل أسئلة في غاية الأهمية؛ من أصحاب القرار في الملف المدعو بمسمى الانتقال الطاقي في المغرب؟ ومن المستفيدون منه ومن الذين يدفعون ثمنه؟ ويحاجج بأن الشراكات بين القطاعين العام والخاص تكفل أرباحا كبيرة للشركات في حين يضطر الفقراء لدفع أسعار أعلى لاستهلاك الطاقة. يقدر الباحث أنه لا يوجد انتقال عادل طالما يبقى قطاع الطاقة المغربي تحت سيطرة الشركات متعددة الجنسيات الأجنبية والنخبة المحلية الحاكمة، التي تسمح بنهب ميزانية الدولة وتوليد الأرباح على هواها.

القوى الاستعمارية أثرت على دول شمال أفريقيا أو أجبرتها على القبول ببناء اقتصاداتها بالأساس حول استخراج الموارد وتصديرها

وفي إسهامهما حول تونس يظهر شفيق بن روين وفلافي روش كيف تعتمد خطط الانتقال الطاقي التونسية بقوة على الخصخصة والتمويل الأجنبي، مع إهمال صناعة القرار بشكل ديمقراطي ووضع البلاد في القلب من مخطط نيوليبرالي عالمي لتطوير وتنمية الطاقة المتجددة. يجادلان بأنه بدلا من السعي وراء الأرباح للقطاع الخاص، فإن الانتقال العادل لتونس يعني منح العائلات والمجتمعات السبل لإنتاج طاقتهم بأنفسهم، ما يعني تقليل التبعية والترويج لتنمية صناعية محلية وتهيئة فرص عمل لائقة.

وفي ما يخص الجزائر تقول إيمان بوخاتم إن الجزائر تواجه تحديا ثلاثيا في ما يخص قطاع الطاقة؛ التبعية الاقتصادية للأرباح الهيدروكربونية (النفط والغاز)، تنامي الطلب المحلي على الكهرباء، ثم اتفاقيات تصدير الوقود الأحفوري طويل الأجل. وتسلط الضوء على الفرص والتحديات وأوجه الظلم المختلفة التي تواجه الانتقال الطاقي الأخضر في الجزائر، وتوضح كيف أن تغير الجزائر سريعا من طبيعة قطاع الطاقة الخاص بها، مع التركيز بشدة على العدالة الاجتماعية، وتسلط الضوء على عوائق اجتماعية اقتصادية ومؤسسية وسياساتية يجب تجاوزها لتحقيق الانتقال العادل.

وفي إسهامهما عن أزمة الكهرباء في السودان يوضح محمد صلاح ورزاز بشير كيفية تطور قطاع الطاقة في البلاد منذ العهد الاستعماري ويعزيان تطوره اللامتكافئ إلى السياسات ومن ذلك خلال العهد الاستعماري واستمراريتها في مرحلة ما بعد الاستعمار. ويقدمان نقدا للمشروعات الهيدروكهربائية (السدود) من حيث كلفتها الاجتماعية الاقتصادية والبيئية، إذ تعمق اللامساواة القائمة وتضر بسبل كسب الناس للدخل والمعيشة. كما ينتقدان أجندة البنك الدولي الخاصة بتحرير قطاع الطاقة وخصخصته، ويوضحان كيف أن هذه الخطط لن تؤدي إلا إلى إفقار الناس والحد من توفر الطاقة.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.