تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الغلاء يجبر أسرا مصرية على تنظيم الإنجاب

مصدر الصورة
العرب

الإكتفاء بطفل واحد قد يكون الحل الأنسب

حتم ارتفاع معدلات الغلاء إلى مستوى غير مسبوق في مصر على الكثير من الأسر الالتزام بعدد محدد من الأبناء، خصوصا مع عجز الآباء عن توفير الحد الأدنى من احتياجات أولادهم أمام شح الموارد. وحتى الأسر في الأحياء الشعبية التي اعتادت أن تنظر إلى زيادة عدد الأبناء على أنها رزق أصبحت تخشى الفاقة والحرمان جراء التفكير في إنجاب المزيد من الأبناء.

القاهرة - يبدو أن التهديدات الحكومية في مصر بفرض عقوبات على الأسر المسرفة في الإنجاب والمتمردة على برامج تنظيم النسل بدأت تظهر ثمارها بعدما أعلنت وزارة الصحة استجابة نحو 67 في المئة من الأسر بخفض معدلات المواليد والتماهي مع برامج التنظيم، فيما كانت هذه النسبة قبل ثلاث سنوات 50 في المئة فقط.

وفسّرت وزارة الصحة الملامح الظاهرة في ارتفاع نسبة التجاوب مع خفض الإنجاب بالبرامج الحكومية التي تم تكثيفها في السنوات الأخيرة، على مستوى الحملات التوعوية والإعلانية من خلال وسائل الإعلام والخدمات المجانية للأمهات الراغبات في الاستفادة من وسائل منع الحمل، وتوسيع الوحدات الصحية المعنية بخفض الإنجاب.

على المستوى الأسري هناك شبه اقتناع عند الأزواج والزوجات بأنهم أمام ارتفاع معدلات الغلاء إلى مستوى غير مسبوق وسوء الأوضاع المعيشية وتدهور الأحوال الاقتصادية للكثير من الأسر عموما لم يعد هناك بديل عن الالتزام بعدد محدد من الأبناء مع عجز الآباء عن توفير الحد الأدنى من احتياجات أولادهم أمام شح الموارد.

وتؤمن بعض العائلات بحتمية تنظيم الأسرة جراء التراجع في الأوضاع المعيشية لا بسبب الإجراءات التوعوية أو الإعلانية، فكل أب وأم من المتزوجين حديثا يدركان جيدا أن إنجاب المزيد من الأبناء يجلب إليهما مآسي اقتصادية واجتماعية وسط النظرة التشاؤمية للمستقبل، وعدم وجود أفق حقيقي لكسب المزيد من المال.

وقالت نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي بمصر قبل أيام إن 78 في المئة من السيدات اللاتي قمن بزيارة مراكز تنظيم الأسرة قررن استخدام وسائل تنظيم الأسرة، وحدث ذلك في محافظات مفترض أنها الأعلى في معدلات الخصوبة، في جنوب مصر (الصعيد) المعروف عنه كثرة الإنجاب لأسباب اجتماعية.

◙ الكثير من الأسر في الأحياء الشعبية والمناطق الريفية بمصر اعتادت أن تنظر إلى زيادة عدد الأبناء على أنها رزق

واعترفت الحكومة المصرية بأن برامج تنظيم الأسرة التي ترعاها وزارة الصحة لم تقنع سوى 50 في المئة من الأسر بالمشاركة فيها والاستجابة لها حتى عام 2019، مع أنه يتم تقديم البرامج بالمجان في الوحدات الصحية المنتشرة في الدولة، وأمام ارتفاع أسعار السلع والخدمات أصبحت كل أسرة فقيرة أو متوسطة الدخل مجبرة على تحديد النسل.

وكان عبدالعزيز السيد، وهو رب أسرة وله ثلاث فتيات، يتمسك بإنجاب المزيد من الأطفال، إلى حين وصول ابن "ذكر" يرثه، لكنه تراجع عن الفكرة وارتضى بما لديه من بنات، ولم يعد قادرا على تحمل مصروفاتهن على مستوى التعليم والصحة ثم الزواج وتأمين مستقبلهن بعدما ساءت أوضاعه الاقتصادية، كما هو حال العديد من الأسر.

وأكد الأب لـ”العرب” أن “الكثير من أرباب الأسر اقتنعوا بأن خفض الإنجاب وسيلة مهمة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، لأن أسعار المتطلبات زادت عن الحد، بينما انخفضت العوائد المادية وانسحبت الحكومة من الدعم بنسبة كبيرة، ما يلقي المزيد من الأعباء على أصحاب الدخول المنخفضة”.

وعبدالعزيز من أرباب الأسر التي كانت لا تؤمن بأي برنامج من البرامج الحكومية التي تستهدف خفض معدلات الإنجاب وتنظيم النسل، لأسباب دينية وثقافية خاصة به، لكنه أصبح مقتنعا بأن الحكومة عندما قررت زيادة الأسعار وعدم التدخل لرفع العبء عن الناس كان من بين أهدافها إجبار الأهالي على تنظيم الأسرة لدواع اقتصادية، بحيث يكون كل أم وأب مضطرين إلى القبول بهذا الخيار.

التنظيم الأسري مهم لحياة الأسرة والطفل على حد سواء 

وشهدت السنوات الأخيرة انسحاب الحكومة ضمنيا من دعم المسار التعليمي لأبناء الأسر التي تلحق أولادها بمدارس رسمية بعدما قررت زيادة المصروفات وخدمات التعليم إلى مستويات قياسية، إضافة إلى زيادة أسعار السلع التموينية، وهي التي كانت تقدمها بمبالغ زهيدة مع فرض عقوبات على الأسر التي تسرف في الإنجاب.

وزادت الحكومة على ذلك بقيامها برفع أسعار غالبية الاحتياجات الأساسية، من غاز وكهرباء ومياه شرب، وتقليل الخدمات الطبية المجانية التي يتم تقديمها في المستشفيات العامة، وأصبحت كل خدمة مستحقة تحتاج إلى أن تكون لدى الأسرة قدرة مادية جيدة، وهذا لم يعد سهلا إثر احتداد الأزمة الاقتصادية.

واعتادت الكثير من الأسر في الأحياء الشعبية والمناطق الريفية بمصر أن تنظر إلى زيادة عدد الأبناء على أنها "رزق"، وكثرة الأبناء تضاعف دخل الأسرة من خلال دفعهم إلى العمل وجني المال، وعلى أساس المثل الشعبي “كل طفل يأتي برزقه”، وهذه ثقافة عجزت الحكومة عن تغييرها، لكن مع الأزمة الاقتصادية وجدت الكثير من الأسر نفسها مجبرة على مراجعة حساباتها في هذه المسألة.

ويصعب فصل التماهي الاضطراري من جانب الأسر مع وسائل تنظيم الأسرة عن الدور المتصاعد من جانب المؤسسات الدينية للوصول إلى هذا الواقع، حيث لا يكف الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف عن إصدار فتاوى تبيح خفض الإنجاب في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وإقناع الأسر بأن الحفاظ على حقوق الأبناء لا يتعارض مع الدين، ومن واجب الأبوين أن ينجبا وفق قدراتهما المالية فقط.

◙ الخطاب الديني المتشدد الذي يتبناه سلفيون متشددون كان سببا في تمرد الكثير من الأسر على البرامج الحكومية المعنية بتنظيم النسل

وكان الخطاب الديني المتشدد الذي يتبناه سلفيون متشددون سببا في تمرد الكثير من الأسر على البرامج الحكومية المعنية بتنظيم النسل، لأنهم سوقوا للمجتمع أن الحد من الإنجاب حرام شرعا، وهي ثقافة آخذة في التراجع أمام الأوضاع الاقتصادية المتدهورة للكثير من المصريين، وشاركت فيها مؤسسات دينية بخطاب تحريضي.

ولا تزال الإشكالية الأكثر تعقيدا في مصر لمواجهة الزيادة السكانية تكمن في استمرار انتشار ظاهرة الزواج دون سن الـثامنة عشرة، بالمخالفة للقانون، ويتم التحايل على ذلك بالتلاعب في سن الفتاة كي لا يندرج ضمن زواج القاصرات المجرّم قانونا، وأحيانا تكون الفتاة أنجبت طفلين أو ثلاثة قبل بلوغ تلك السن، ونادرا ما يعاقب رب الأسرة أو الزوج على هذه الجريمة.

وقال عمر حسن مقرر المجلس القومي للسكان في مصر سابقا إن ارتفاع نسبة الإقبال على برامج تنظيم الأسرة تقف خلفه أسباب اقتصادية بحتة، لأن الأبوين وجدا أن إنجاب طفل جديد سوف يكلفهما المزيد من الأعباء على مستوى الإنفاق والرعاية والتربية والتعليم، فكل أب وأم ينشغلان دوما بتوفير متطلبات أولادهما، وليس لديهما المزيد من الوقت والجهد والقدرة المالية على إنجاب المزيد من الأطفال.

وأضاف لـ"العرب" أن "زيادة معدلات الاقتناع بخفض الإنجاب تعكس ارتفاعا في منسوب الوعي الأسري بالمخاطر التي سوف تعود على كل عائلة جراء التمرد على تنظيم الأسرة، بعد أن أثبت الواقع عدم جدوى العقوبات المفروضة على الأسر المسرفة في الإنجاب، والأمر بحاجة إلى المزيد من جهود التوعية على المستويات الإعلامية والثقافية والدينية والمجتمعية، والمهم أن يكون هناك خطاب عصري يستهدف أرباب الأسر المستقبلية لاستقطابهم بعيدا عن فكر آبائهم وأجدادهم تجاه فكرة الإنجاب عموما.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.