تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قراصنة الصومال ... الأهداف والدوافع

 اختبأ القراصنة عقودا طويلة في كتب الحكايات ..ولسنوات طويلة لم نسمع عنهم إلا ما أخبرتنا به الجدات من حكايات توارثنها عبر أجيال, واليوم نرى هؤلاء القراصنة يغادرون حنايا الكتب لكن ليس كما دخلوها!! إنهم بهيئة جديدة ووسائل متطورة، فلم يعد قرصان القرن الحادي والعشرين ذلك الشخص قوي البنية صاحب الرقعة السوداء على عينه و ذو الساق الواحدة .. إنه اليوم يستعمل الزوارق السريعة والبنادق المتطورة وأجهزة الاتصال والمراقبة المرتبطة بالأقمار الاصطناعية، ويسيطر على سفن عملاقة، متحديا قوات حلف شمال الأطلسي التي تجوب أعالي المحيط الهندي وبحر العرب ...
تحتل اليوم أخبار قراصنة الصومال والأمن في البحر الأحمر حيزا لا بأس به على نشرات الأخبار العربية والعالمية، نظرا لأهمية موقع خليج عدن المتحكم بالمدخل الجنوبي لقناة السويس عن طريق مضيق باب المندب، كواحد من أهم طرق الملاحة البحرية في العالم وتمر فيه سنويا من (16 إلى 20) ألف سفينة  ونحو 30 بالمئة من الإنتاج النفطي العالمي، الأمر الذي أثار مخاوف لدى المسؤولين المصريين في قناة السويس التي تشكل عائداتها ثاني أهم مصادر الدخل القومي المصري بعد السياحة.
 ونقلت مصادر إعلامية عن مسؤول في القناة أنه عبر عن القلق من رفع شركات التأمين العالمية مخصصات التأمين للسفن المارة بالقناة عبر خليج عدن باعتبارها منطقة (عالية الخطورة) ما سيدفع السفن لتحويل مسارها إلى رأس الرجاء الصالح، وبالتالي قد تفقد القناة قيمتها كممر عالمي.
و طالب خبراء مصريون بدور مصري في تأمين حركة السفن في البحر الأحمر، وعدم ترك المهمة للأساطيل الدولية على اعتبار أن في ذلك مصلحة مصرية خالصة لجهة تأمين التجارة المصرية مع دول شرق آسيا وشرق إفريقيا التي تتم عبر هذا البحر .
ومن جهة أخرى توقع مراقبون ارتفاعا في أسعار السلع المنقولة بحرا جراء ارتفاع تكلفة النقل والتأمين في حال تحول مسار حركة الملاحة إلى رأس الرجاء الصالح ...
ومع ازدياد تأزم الوضع في المنطقة يتخوف مراقبون من أن تكون أعمال القرصنة مقدمة لوضع خليج عدن تحت الوصاية الدولية، في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن مخطط أوروبي غربي ورغبة إسرائيلية في هذا التدويل، ما يسمح للكيان العبري بالتواجد القانوني في مياه خليج عدن والتحكم بالمصالح العربية فيه.
وبالمقابل تعرض الصحافة الغربية مؤخرا وجهة نظر مغايرة؛ إذ ترى في أعمال القرصنة قبالة السواحل الصومالية شكلا من أشكال الدفاع عن النفس، وترى أن القراصنة كانوا صيادي سمك عاديين استخدموا الزوارق السريعة لإبعاد سفن النفايات وسفن الصيد الأجنبية عن مياههم، فبعد انهيار الحكومة الصومالية في العام 1991 وجدت قوى غربية في ذلك فرصة سانحة لسرقة موارد البلاد، ولاسيما البحرية منها، وتقدر المصادر الإعلامية قيمة ما تسرقه سفن صيد غربية عملاقة بأكثر من 300 مليون دولار سنويا من ثمار البحر المتنوعة قبالة سواحل الصومال  وبطرق غير مشروعة، ما أفقد الصيادين الصوماليين مصدر رزقهم ..
 وهناك خطر آخر يتمثل  في ظهور سفن أوروبية تقذف براميل ضخمة إلى المياه الإقليمية للصومال، ما جعل سكان هذه السواحل يعانون من أمراض غريبة ومواليد مشوهين، ومما زاد في تأزم الوضع أنه في عام 2005 قذفت أمواج تسونامي مئات البراميل المشبوهة إلى الساحل و مرض كثير من الصوماليين بأمراض الإشعاع ومات 300 منهم .
   
يذكر أن الساحل الصومالي يمتد من مضيق باب المندب شمالا حتى حدود جزر سيشل جنوبا بطول 3700 كم، ويعد من أطول السواحل في العالم، ولهذا تصعب مراقبته مراقبة دقيقة، ولم تنجح حتى الآن جهود قوات الناتو وقرار مجلس الأمن الدولي في كانون الأول الماضي في تأمين الملاحة البحرية الدولية في خليج عدن والمحيط الهندي، وخلال العام الماضي تمكن القراصنة من احتجاز نحو 100 سفينة وجني 30 مليون دولار على شكل فديات مالية دفعت للإفراج عن السفن المختطفة، وازدادت هذا العام حالات القرصنة، وتمكن القراصنة مؤخرا من احتجاز ست سفن خلال أسبوع واحد، ما يعني أن حركة التجارة العالمية في هذه المنطقة مهددة إلى درجة غير مسبوقة، وتتطلب خطورة الوضع في خليج عدن من الدول العربية -ولاسيما المطلة منها على البحر الأحمر والمستفيدة مباشرة من هذه الحركة التجارية- أن تتحرك لحل الأزمة أيا كانت أسبابها وأهدافها، عبر معالجة الوضع السياسي والإنساني في الصومال، ومساعدته على إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وتحقيق المصالحة الداخلية. فالصومال عضو في جامعة الدول العربية ولا يجوز  ترك الساحة خالية للغرب والمنظمات الدولية لتحقق وجوداً إضافيا في المنطقة يؤمن لها مكاسب طويلة الأمد أو آنية.
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.