تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سورية ومثلث الإرهاب والاحتلال والانفصال

مصدر الصورة
عن الانترنيت

عبد الاله بلقزيز

لعلّ سورية تكون قد أنجزت الشّطر الأعظم من حربها على الجماعات المسلّحة المُستَقْدَمة والمدعومة من الخارج، واستعادت العشرات من المدن والقرى المحتلّة من قِبل هذه الجماعات التي استباحتها وعاثت فيها فساداً عظيماً، وأطلقت إرهاب «سلطتها» في النّاس والممتلكات والأعراض لسنوات ممتدّة. تحرّرت الأرض وتحرّر أهلُها من سطوة الإرهاب إذن، وبات على قُواهُ وتنظيماتُه المتساقطة هنا وهناك أن تتجمّع في ملاذٍ أخيرٍ ومؤقّت في إدلب، عملاً باتّفاقٍ سوريّ غير مباشر (عبر روسيا).

كان يمكن لسورية وجيشَها إنهاءُ هذه الحالة الشّاذّة في إدلب، وتصفية هذا الجيب الإرهابيّ - الذي هو اليوم، ومن غيرِ مبالغة، أكبر وكْرٍ للإرهاب في العالم - لولا أنّ حليفها الرّوسي مطوَّق بالتزاماتٍ لتأمين نقلها من ساحات استسلامها وتجميعها في إدلب، وضمانِ عدم تصفيتها عسكريّاً. ولا تستطيع سورية، أخلاقيّاً، إلاّ تسليف حليفها الرّوسيّ هذا الدّور الضّامن، لما قدّمه من مساندةٍ لها في معركتها مع تلك الجماعات، ثمّ لأنّها مطمئنّة إلى أنّه سيكون حريصاً على حقوق سورية مثلما كان حريصاً على أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها.

 كلّفت انتصاراتُ سورية على الإرهاب ضرائبَ بشريّة وماديّة ونفسيّة مَهُولة ما كانت سورية أمام ترف الاختيار بين أن تدفعها، على وجه الاضطرار، أو أن تُحْجِم؛ إذِ الثّمنُ يرتفع - حُكماً - بارتفاع التّحديّ والخطر. وهل من خطرٍ أكبر من أن ينتشر على أراضي سورية أزيد من ثلاثمئة ألف إرهابيّ، فيتوغّلون في المدن والقرى، ويسيطرون على الطّرق الرّئيسية وعلى مرافق الدّولة؟ إنّ أيَّ دولةٍ أخرى في العالم لا تَقْوى على أن تتحمَّل ذلك، وقد يكفي عشرون إرهابيّاً فقط كي يدوّخوا مدينةً أو عاصمةً، ويسلّطوا عليها شريعة القتْل والتّخريب، فما بالُك بمئات الآلاف؟ وما بالك بأن يمتدّ فسادُ هؤلاء في البلاد لسنواتٍ عشر؟

 لم تنتهِ الحربُ في سوريّة، بعد، وإنْ كسبتِ البلادُ - شعباً وجيشاً ودولةً - الشّطر الأعظم منها. لم تنتهِ، فقط، لأنّ إدلب ما تزال خارج سيطرة الدّولة؛ بل لأنّ قسماً من الشّمال السّوريّ (شرق الفرات) خاضعٌ للاحتلال الأجنبيّ، ولأنّ «قسد» - والقيادات الكرديّة خاصّةً - تبغي تحويله إلى جيبٍ انعزاليّ شبيه بذلك الذي أقامه سعد حدّاد - ثمّ أنطون لحد - في جنوب لبنان. وقطعاً لن يكتمل انتصار سوريّة على المؤامرة، التي مزّقتها وعبثت بكيانها طويلاً، إلاّ بجلاء الاحتلال عن أجزائها الشّماليّة الشّرقيّة وبسط سلطة الدّولة عليها وإنهاء الجيب الانعزاليّ فيها.

 يدّعي الأمريكيّون أنّ لوجودهم العسكريّ في شمال شرق سوريّة علاقة بمواجهة بقايا «داعش» هناك وعلى الحدود بين سوريّة والعراق، والتّقارير الدّوليّة - بما فيها الصّادرة من مصادر أمريكيّة غير رسميّة - تفيد بتدوير القوات الأمريكيّة لمقاتلي «داعش» ونقلهم من مناطقَ إلى أخرى، هذا من دون الحديث عن النّهب المنهجيّ للنِّفط السّوريّ في الشّمال.

 ولقد كنّا اعتقدنا، قبل سنوات، أنّه ما من خطرٍ على سوريّة من الانفصال ومن التدخل التّركيّ، وأنّه إنْ كان من خطرٍ منهما فمحدود لأنّهما خَطَران انتقاليّان محكومان بالاصطدام بينهما وبتفرُّغ الواحد منهما للآخر: فلا تركيا تملك أن يكون لها موطئُ قدمٍ في الشّمال في وجود حركة كرديّة مسلّحة ستكون مدعومة من الحكومة لصدّ العدوان الخارجيّ؛ ولا يوجد مشروع لكيانٍ كرديّ يمكن أن تسمح به تركيا في الشّمال السّوريّ يرتدّ بنتائجه على الدّاخل التّركيّ.

وكنّا قد استبشرنا، حينها، بأخبار عن حوارات ستجري بين دمشق والقيادات الكرديّة. غير أنّ الأمور جرت مجرى آخر منذ اختارت القيادات الكرديّة أن تضع أيديها في أيدي «أصدقائها» الأمريكيّين لتكرِّر، بذلك، الخطيئةَ عينَها التي اقترفتْها القيادات الكرديّة العراقيّة المتعاونة مع الاحتلال الأمريكيّ.

 بعضُ الحركات لا تستفيد من أخطائها. تحالف الأجنبيّ وتتوسّل حمايتَهُ وفي ظنّها أنّها ستكسب الكثير من وراء محالفته، من غير حسبانها مفاجآت السّياسة والمصالح، إلى أن تصفعها هذه على حين غِرّة. هذا ما حصل للحركات الكرديّة دائماً فلُدِغت من جُحْر «الحليف» مرّات عدّة لتعيد كَرَّة الخطيئة من جديد كَمَنْ يَلْعَق دَمَه على حَدِّ سِكّينٍ حادِّ المَضَاء.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.