تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

التوجهات في العلاقات الدولية الجديدة..

الأحادية القطبية التي قادتها الولايات المتحدة في العقود الثلاثة الماضية ـ منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق بداية التسعينات من القرن الماضي ومعه حلف "وارسو"ـ تنازع الآن، لكنّ النظام الدولي الجديد لم يولد بعد، وما زالت الولايات المتحدة ومعها مجموعة حلف "الناتو" تحاول عرقلة هذه الولادة بكلّ ما تستطيع. بالطبع، فإن ظروف القرن الحالي تختلف عن حقبة الحرب العالمية الثانية وتلك التي تلت وشكّلت مرحلة الحرب الباردة. ومع ذلك، فإن الكثير من الدراسات والتحليلات والقراءات والآداب الأخيرة، باتت تتحدث عن حرب بادرة جديدة في الاقتصاد والتكنولوجيا والعقوبات... وصولا إلى الحروب العسكرية، تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون ضد روسيا والصين وإيران وكوريا الديمقراطية (الشمالية)، وكل الدول التي تنضوي أو تقترب سياساتها من هذه المجموعة، أو تحاول انتهاج سياسات قومية مستقلة.

وتحاول الولايات المتحدة ممارسة الضغوط بشكل رئيسي على الصين وروسيا وقد رصدت في ميزانيتها العامة والعسكرية أرقاماً فلكية لمواجهة البلدين. ويمكن تحديد ملامح الحرب الأمريكية ضد موسكو وبكين بالضغوط السياسية والاقتصادية والتجارية والتكنولوجية والعقوبات الكثيرة والمتعددة التي تفرضها واشنطن ضد كلا البلدين، والأهم التدخل في الشؤون الداخلية ومحاولة إثارة الفتن والقلاقل والمشاكل وإحداث الاضطرابات.

والمتابع للتطورات في الأشهر الماضية، يمكنه أن يلاحظ بوضوح حجم الضغوط والعقوبات أحادية الجانب التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة في ظل الرئيس دونالد ترامب ضد الصين ومحاولة حصارها بكل ما تستطيع لعرقلة نموها وتأخير تقدمها نحو احتلال المركز الأول عالمياً؛

وأيضاً من خلال متابعة سياسات إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، يمكن التأكيد أنه يواصل ممارسة نفس السياسات السابقة تجاه روسيا والصين، ولكن الذي اختلف هو الشكل وليس الجوهر. ولعل وصف بايدن، قبل أسابيع، لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بـ"القاتل"، لا يخرج عن سياسة الضغوط التي تنتهجها الولايات المتحدة لتحقيق طموحاتها ومصالحها. وفي هذا السياق أيضاً، تسعى الولايات المتحدة إلى ممارسة نهج قديم جديد يهدف للتفريق بين الصين وروسيا ومنعهما من التعاون أو تشكل تحالف/ تكتل موحد ضد سياساتها الدولية.

والحقيقة أنّ واشنطن لا توفر حتى حلفاءها من الضغوط والابتزاز الذي تمارسه لتحقيق مصالحها القريبة والبعيدة، ويظهر ذلك جلياً في علاقاتها مع دول الاتحاد ألأوربي ومع السعودية بقية دول الخليج العربي وتركيا.

وفي هذا السياق، فقد قدّم وزير الخارجية سيرغي لافروف في مقابلة مع وكالة "إرنا" الإيرانية عشية زيارته إلى طهران، قراءة مهمة للواقع الدولي وللعلاقات الدولية الراهنة واتجاهاتها المحتملة، وما يجب القيام به لمواجهة "الضغط المركب" الذي تمارسه الدول الغربية. وفي هذا الإطار يمكن أن نشير إلى عدد من المؤشرات التي بدأت ترتسم، ومنها ما أكده لافروف وغيره من المعنيين والمشتغلين بهذا الحقل؛

أولاً، مواجهة سياسة العقوبات التي تفرضها واشنطن، ومعارضة أي إجراءات تقييدية أحادية الجانب من شأنها، أن تلحق الضرر بالشرائح الأكثر هشاشة من السكان، عبر المنصات الدولية، بما في ذلك هيئة الأمم المتحدة. وفي هذا السياق، أشار وزير الخارجية الروسي إلى ظاهرة "الضغط المركّب" وغير المسبوق الذي يمارسه الغرب على الدول التي تنتهج سياسات خارجية وداخلية مستقلة وذات توجه قومي: "نحن نتحدث عن استخدام مجموعة واسعة من الأدوات، من العقوبات المالية وقيود التأشيرات إلى حملات التضليل والتدخل العسكري المباشر. ومن حيث الجوهر، نحن نتعامل مع عودة لآليات سياسة خارجية استعمارية جديدة".

ثانياً، تكثيف الجهود لتقليل مخاطر العقوبات والتأخيرات المحتملة للمشغلين الاقتصاديين، واتخاذ خطوات تهدف إلى التحرر التدريجي من "دولرة" الاقتصادات الوطنية، والانتقال إلى التسويات المتبادلة بعملات وطنية أو بديلة للدولار الأمريكي، ورفض استخدام أنظمة الدفع الدولية التي يسيطر عليها الغرب.

ثالثاً، توسيع قاعدة الحلفاء ودعمهم وتنفيذ خطط تعاون مشتركة معهم، لمواجهة الحصار والعقوبات والتهديدات والضغوط الغربية، وللنهوض بهذه الدول وتعزيز نموّها وقدراتها الذاتية لتتمكن من الصمود والتطوير، استناداً إلى مبادئ المساواة والثقة المتبادلة، والاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي والاستقلال، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الغربية.

رابعاً، التأكيد على احترام القانون الدولي، وعلى دور المؤسسات الدولية، والعمل على تطوير المشهد الدولي وفقاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وفي هذا الإطار يجري التركيز على منع التدخلات الخارجية للدول الغربية في شؤون الدول الأخرى، أو فرض العقوبات التعسفية عليها أو شن الحروب دون موافقة مجلس الأمن الدولي، وبطريقة تمنع الهيمنة وتحويل العلاقات الدولية إلى شريعة الغاب.

وفي هذا السياق، لفت لافروف إلى ما يتخذه الأمريكيون، بدعم من حلفائهم الأوروبيين، من خطوات لتفكيك الهيكل القانوني الدولي المتمركز حول هيئة الأمم المتحدة، واستبداله بما يسمى "النظام القائم على القواعد"؛ القواعد، التي يتم وضعها في الدوائر الضيقة لواشنطن وحلفائها، متجاوزين هيئة الأمم المتحدة، فيما المطلوب أن تكون تلك القواعد دولية، بمشاركة جميع اللاعبين الرئيسيين في العالم، واستناداً إلى أسس القانون الدولي الحالية، والمعترف بها دولياً.

خامساً، كشف خطط الغرب وفضح مشاريعه الاستعمارية والتخريبية في الدول الأخرى، وأنّ ما يرفعه من شعارات حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات ونشر الديمقراطية والسلام الديمقراطي... الخ، هي كلها أساليب للتعمية على سياسات الدول الغربية ـ التي تتناقض أيضاً فيما بينهاـ والهادفة إلى السيطرة والهيمنة وامتصاص الثروات واحتكارها.

سادساً، محاربة الأسس التي يقوم عليها التفوق الغربي. وهذا الاتجاه يتخذ مناحي متعددة، ويمكن أن نشير هنا إلى أمرين بارزين؛ الأول، الاتجاه الدولي للحد/ التخلص من الاعتماد على الدولار في التعاملات البينية بين الدول واستخدام العملات الوطنية، وفي العمل على إيجاد عملة بديلة عن الدولار الأمريكي، كما أشرنا أعلاه؛ والثاني، محاولة الحد من احتكار الغرب للتكنولوجيا الحديثة في المجال التسليحي والسيبراني والطبي وغيره. وقد كشفت جائحة "الكورونا" مدى الضعف والعجز الغربي، والأنانية التي مارستها الدول الغربية ضد الدول الأخرى، وقبل كل شيء ضد بعضها البعض.

سابعاً، الإسراع في بناء/ إيجاد نظام دولي بديل "متعدد الأقطاب" ينهي الهيمنة الامريكية والأحادية القطبية. وفي هذا السياق، اعتبر الوزير لافروف أن المشكلة الأساسية، هي "أن واشنطن لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تتخلى عن السياسات الضارة، التي تتبعها منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، للحفاظ على هيمنتها العالمية... من الواضح اليوم للجميع أن مثل هذه السياسات تأتي بنتائج عكسية بالكامل".

في المقابل، وبحسب لافروف، فإنّ "العملية الموضوعية لتشكيل نظام عالمي "متعدد الأقطاب"، أكثر عدلاً وديمقراطيةً، وبالتالي أكثر استقراراً، تكتسب زخماً أمام أعيننا". ومن المهم تعزيز تعاون السياسات الخارجية للدول التي تدعم هذا التوجه، بما في ذلك في هيئة الأمم المتحدة وغيرها من المنصات متعددة الأطراف. وهناك كثيرون ممن يشاركون هذه الأفكار مثل الحاجة إلى تطوير الاتصال بين الدول على أساس القانون الدولي، ومبادئ الاحترام المتبادل ومراعاة مصالح الغير. وهي أفكار تدعمها الغالبية العظمى من أعضاء المجتمع الدولي، التي تعتبر أنّ الألعاب الجيوسياسية الصفرية، والعقوبات، والابتزاز، أموراً غير مقبولة، ومهتمون كذلك بتحسين مستمر للوضع في العالم.

بـديـع عفيـف

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية- خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.