تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

 اَلْهِنْد تَحْتَفِظُ بِشَعْرَةِ مُعَاوِيَة مَعَ رُوسْيَا

مصدر الصورة
د.وائل عواد

كثيرون من المهتمّين والمتابعين للتّطوّرات في آسيا والصّراع على النّفوذ بين القوى العظمى وتشكيل المحاور الجديدة مع بدء الحرب الباردة بين الولايات المتّحدة والصّين وروسيا، يجدون أنّ الفيل الهنديّ بدأ يتموضع في الفلك الأمريكيّ لتحجيم دور الصّين المتنامي، وخلق توازنٍ جديدٍ من قبل قوىً إقليميّةٍ تدور في الفلك الأمريكيّ لاحتواء التّنين، وكان تشكيل الرّباعيّة التي تضمّ الولايات المتّحدة واليابان وأستراليا والهند، والتي بدأت تتبلور أهدافها الجيواستراتيجيّة قد جاءت لتؤكّد أن الهند اتّخذت قرارها وفضّلت الميل للمعسكر الأمريكيّ مع تفاقم أزمتها مع جارتها الصّين من جهةٍ، وباكستان من جهةٍ ثانيةٍ. و بدورها تسعى الولايات المتّحدة حاليّاً لدعم الهند وتحديث قدراتها العسكريّة لمضاهاة الصّين، ولذلك بدأ التّقارب الأمنيّ والعسكريّ  بين الدولتين أكثر وضوحاً من خلال إبرام الاتّفاقيّات ومذكّرات التّفاهم والصّفقات العسكريّة الضخمة لتصبح الولايات المتّحدة في المرتبة الأولى من بين الدّول التي تصدّر السّلاح للهند بعد أن كانت روسيا تتربّع على العرش تليها اسرائيل .

روسيا بدورها ورثت إرثاً غنيّاً من الاتّحاد السّوفييتيّ السابق اتسم بعلاقات متينة مع الهند، وعزّزت هذه العلاقات على مدى العقود الماضية لتبقى روسيا الحليف الاستراتيجيّ الموثوق به، والذي يوفّر للهند حاجاتها من التكنولوجيا العسكريّة التي مازالت الولايات المتّحدة تحرمها إيّاها وتفضّل بيع السلاح الأمريكيّ دون نقل التكنولوجيا المتطوّرة.

ومع تسارع الأحداث الإقليميّة والعالميّة خلال العقد الجاري، والصعود القويّ للصّين والهند بآنٍ واحدٍ، والتّغييرات في البيت الأبيض مع وصول جو بايدن الذي يريد إعادة صياغة الأولويّات الأمريكيّة باعتبار الصّين وروسيا هما العدوّان الرّئيسيّان للولايات المتّحدةِ، ولابدّ من إعادة النّفوذ الأمريكيّ وفرض الوجود الولايات المتّحدة بالقوّة في منطقة آسيا-باسيفيك، والاعتماد على الحلفاء الإقليميّين في ملء الفراغ الذي تركته وراءها في مناطق نفوذها السّابقة من الشّرق الأوسط إلى جنوب آسيا، فقد قرّرت علنيّاً الانسحاب من أفغانستان، وهذا من غير المتوقّع أن يكون كليّاً، ولكنّها تريد الاحتفاظ بقواعد عسكريّةٍ وقوّةٍ أمريكيّةٍ تخدم استراتيجيّتها، وهي الآن تدعو الدول المعنية إلى مؤتمر سلامٍ في أفغانستان، ودعوة الأطراف الإقليميّة للمشاركة تحت غطاء الأمم المتحدة،وهذه الخطوة ماهي إلّا لذر الرماد في العيون، خاصّةً أنّها تجرّ الهند إلى المستنقع الأفغاني بحجّة حلٍّ شاملٍ للصّراع في أفغانستان. ولايمكن لأحدٍ أن ينكر دور الهند في إعادة إعمار أفغانستان، ودعمها المستمرّ للحكومة الأفغانيّة، حيث وصلت استثمارات الهند ودعمها لأفغانستان قرابة 3 مليار دولار أمريكيٍّ، وتكاد تكون الدّولة الوحيدة التي ساهمت في بناء المستشفيات والبرلمان  وتحديث الطّرقات والعديد من مشاريع في البنى التّحتيّة ، ناهيك عن دورها الهام في تدريب الكوادر الأمنيّة والسّياسيّة والطّلابيّة لأفغانستان .

تفاقمت الأزمات في الجوار الهنديّ وعلى معظم الجبهات من الصّين وباكستان إلى سيرلانكا والمالديف وميانمار والنيبال وبنغلادش وإلى حدٍّ كبيرٍ أفغانستان، وبدأت ترتّب أوراقها الإقليميّة ضمن استراتيجيّةٍ براغماتيّةٍ عمليّةٍ أكثر نضجاً لمضاهاة جارتها الصّين، ومدّ النفوذ الهندي بجوارها وتثبيت أقدامها في المحيطين - الهندي والهادئ - بمساعدة الربّان الأمريكيّ في بعض المناطق والاعتماد على البراغماتيّة للحكومة الهنديّة الحاليّة التي وضعت المصالح القوميّة نصب عينيها. وشهدت العلاقات الهنديّة - الصّينيّة من ناحيةٍ، والهنديّة - الباكستانيّة من ناحيةٍ ثانيةٍ، بوادر انفراجٍ ولقاءاتٍ بين  كبار المسؤولين دفعت بالعديد من المراقبين للتّساؤل حول هذا الانفراج بعد  أن كانت مواقف هنديّةٍ متشدّدةٍ تجاه جارتيها.

وطالما لايمكن تغيير الجغرافيا ولا التّاريخ، بدأت نيودلهي ترسل كبار مسؤوليها إلى بنغلادش وميانمار والنّيبال وسيرلانكا لتعزّز من دورها وتضمن بقائهم في الفلك الهنديّ والحدّ من المدّ الصّينيّ للعمق الهنديّ.

وسط هذه التّقلّبات الدّوليّة والإقليمّية وتفاقم الأزمات الاقتصاديّة بسبب جائحة فيروس كورونا والخوف من عودة التّطرّف الدّينيّ والإرهاب إلى جنوب آسيا، تأتي زيارة وزير الخارجيّة الرّوسيّ، سيرغي لافروف، يرافقه زامير كابولوف، المبعوث الرّوسيّ الخاصّ لأفغانستان، إلى كلٍّ من الهند وباكستان لتحظى بأهميّةٍ بالغةٍ في كلا البلدين، وإن كانت المحطّة الأولى في الهند، فهي ليست فقط للتّأكيد على العلاقات الاستراتيجيّة بين البلدين والارتقاء بها إلى المستوى المطلوب، بل لتعكس أيضاً قلقاً استراتيجيّاً مشتركاً بين الحليفين الاستراتيجيّين للقوّتين العظميين، الولايات المتّحدة الأمريكيّة والصّين، فالقلق الرّوسيّ من التّقارب الهنديّ - الأمريكيّ كان واضحاً من خلال مواقف روسيا التي أعربت فيها عن قلقها تجاه الرّباعيّة الموجّهة ضدّ الصّين، وكذلك الاندفاع الهنديّ للمعسكر الأمريكيّ، والّذي لن يكون في مصلحة الهند على المدى الطّويل، وسوف يؤثّر سلباً على مستقبل مجموعة دول البريكس، وكذلك منظمة شانغهاي للتّعاون الأمنيّ، وغيرها من التّحالفات الإقليميّة التي تعدّ الهند طرفاً رئيسيّاً فيها. ولذلك فإنّ هذه الزيارة تحمل رسائل من موسكو لنيودلهي حول شراكة أورو-آسيا التي تلعب الهند دوراً محوريّاً بها ممّا يفتح للهند أسواقاً جديدةً و واعدةً في دول آسيا الوسطى وأوربا عبر الحليفين الرّوسيّ والإيرانيّ،  والاستفادة من الدّور الرّوسيّ المتنامي إقليميّاً وعالميّاً حتى مع جارتيها باكستان وأفغانستان لتعيد التوازن الجيوسياسيّ العالميّ ومجاراة خطّ الحرير الصّينيّ. وبالتّالي تسعى موسكو لتقريب وجهات النّظر بين الهند وباكستان من خلال رؤيتها الاستراتيجيّة لمستقبل الأمن والاستقرار في أفغانستان بعيداً عن الأهداف غير المعلنة للولايات المتّحدة تجاه الأمن والاستقرار في المنطقة  بعد أن حقّقت إنجازاتٍ من خلال تعزيز علاقاتها مع باكستان، و مدّ أنبوب الغاز الرّوسيّ لباكستان الذي فتح الطّريق نحو مبادرة موسكو لتحقيق السّلام في أفغانستان، وإقناع حركة طالبان المشاركة في الحلّ الشّامل.

وحسب الرّؤيا الرّوسيّة، فإنّ تخفيف حدّة التصعيد الهنديّ مع جيرانها يصبّ في مصلحة الهند القوميّة وأمن الطّاقة وليس العكس، ولذلك ترى الهند وضوحاً وشفافيّةً في الموقف الرّوسيّ الأكثر واقعيّةً ومصداقيّةً بعد أن قطعت روسيا أشواطاً طويلةً في تعزيز دورها الإقليميّ والعالميّ خلال العقد الفائت، ومواجهة التّحدّيات الأمريكيّة والعداء الأوروبي التّاريخيّ لها والذي دفعها أكثر نحو التّقارب مع الصّين، على الرّغم من الخلافات التّاريخيّة بينهما، وفقاً للمصلحة القوميّة المشتركة تجاه الحليف الأمريكيّ - الأوروبيّ. بيد أنّ القلق الهنديّ مازال قائماً من خلال التّقارب الرّوسيّ مع جارتيها - الصّين وباكستان - وهي التي ترى في إبقاء الضّغوط على الجارتين يصبّ في مصلحتها الاستراتيجيّة لإقناع الصّين برسم الحدود وإيقاف التّسلّل للجانب الهنديّ، خاصّةً في جبال الهيمالايا على خطّ السّيطرة الفعليّ الفاصل بينهما، أو في منطقة اكساي شين التي تعتبرها الهند جزءاً لايتجزّأ من إقليم جامو وكشمير الهنديّ بما فيه القسم الباكستانيّ، كما تقول الهند. كما تبدو الأخيرة قلقةً من التّقارب الرّوسيّ مع  إسلام آباد التي تعاني من تدهورٍ اقتصاديٍّ وتقلّباتٍ سياسيّةٍ وأمنيّةٍ تهدّد مستقبل استقرارها والهند التي تحافظ على ضغوطها الدّوليّة على باكستان، ورسالتها إنّ العداء للهند ليس من مصلحة باكستان .

إذاً تعدُّ زيارة وزير الخارجيّة الرّوسيّ المخضرم تحضيراً لزيارة الرّئيس بوتين لكلا الدّولتين - الهند وباكستان - والكرة في الملعب الهنديّ، وإن سعت لتعزيز وتنويع مصادر أسلحتها وإرضاء حلفائها الجدد، إلا أنّها لا يمكن أن تتجاهل الجغرافيا، وأنّ الحفاظ على شعرة معاوية مع موسكو يصبّ في مصلحتها في المقام الأول وعلى جميع الأصعدة لتنهض كقوّةٍ فاعلةٍ في عالمٍ متعدّد الأقطاب.

بقلم الكاتب الصّحفي السّوريّ المقيم بالهند

الدّكتور وائل عوّاد

المتخصّص بالشّؤون الآسيويّة

www.waielawwad.com

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.