تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

"أمريكا عادت.. الدبلوماسية عادت": جلد الأفعى الناعم..؟!!

مصدر الصورة
وكالات- أرشيف

هل يمكن اعتبار "أمريكا عادت.. الدبلوماسية عادت" الذي أعلنه الرئيس الـ46 للولايات المتحدة الأمريكية جوزيف بايدن في شباط الماضي، هو "مذهب" أو "مبدأ" بايدن في الحكم، بعد "أمريكا أولاً" لسلفه دونالد ترامب أو "التغيير" للأسبق باراك اوباما؟!

يبدو أنّ الرئيس العجوز يمتلك الكثير من الخبرة والخبث، وعلى الأغلب فإنّ هذا ما سنشهده من ممارسات في سياسات الإدارة الأمريكية للسنوات الأربع المقبلة؛ اطرح شعارات براقة وجميلة وأفعل بعدهاـ خلفها ما تشاء. وقبل الخوض في "مبدأ" وسياسة الرئيس بايدن الخارجية، نشير إلى تجربتين معاصرتين؛

أولاً، تجربة "الفوضى الخلاقة" التي ترى أن وصول المجتمع إلى أقصى درجات الفوضى متمثلة بالعنف والرعب والدم، يخلق إمكانية إعادة بنائه بهوية جديدة، والتي ألمحت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندوليزا رايس، بتبني مفهومها بزعم انتقال الدول العربية والإسلامية من الدكتاتورية إلى الديمقراطية؛ فقد أعلنت أنّ الولايات المتحدة ستلجأ إلى نشر "الفوضى الخلّاقة" في الشرق الأوسط، في سبيل إشاعة الديمقراطية، لكن ماذا كانت النتيجة الفعلية؟ نشرت الفوضى المدمّرة المستمرة التي أدت إلى تخريب البلدان وضرب الاستقرار والأمن في المنطقة، ونشر الإرهاب والقتل والموت، وإيقاف النمو وتدمير الاقتصادات والفقر والجوع، ولم تنشر الديمقراطية ولن تنشرها مطلقاً، سيما بعد أنّ أعلنت إدارة بادين الحالية التخلي عن تطبيق نظرية نشر الديمقراطية بالقوة، أو عن الاستمرار بتجربة الفوضى الخلاقة التي أثبتت كلفتها المرتفعة بالنسبة للولايات المتحدة.

التجربة الثانية، هي بدعة أردوغان "صفر مشاكل مع الجيران"، التي غلّف بها الرئيس التركي عهد التدخل والتغلغل التركي في المنطقة لتخريب استقرار الدول المجاورة ومحاولة السطو على مقدراتها وإمكاناتها، ونشر الفكر الإخواني المتطرف؛ وبعد عقد من الزمن، ما هي النتيجة؟ مشاكل تركية مع كل الدول المجاورة وتراجع مكانة واحترام تركيا وابتعادها عن معظم الدول العربية وأوروبا، والأهم تراجع الاقتصاد التركي بسبب تدخلات أردوغان وسياساته التخريبية.

فهل يمكن التعويل على مبدأ بايدن "أمريكا عادت.. الدبلوماسية عادت"، لتحقيق غايات أفضل وحفظ الأمن والسلام والاستقرار الدوليين؟!

وبالعودة إلى سياسة الرئيس جوزيف بايدن؛ فالرجل هو ابن المؤسسات الأمريكية الحاكمة، الحزبية والسياسية والشركات الاقتصادية والتسليحية وغيرها، وقد أمضى قرابة نصف قرن في العمل السياسي والحزبي في بلاده، وعاصر عدداً كبيراً من الرؤساء الأمريكيين وعرف "مذاهبهم" وخبر سياساتهم عن قرب. وقد كشف بايدن، في الثاني من شباط الماضي، في خطاب أمام موظفي وزارة الخارجية في واشنطن عن الخطوط العريضة للدبلوماسية الأمريكية الجديدة، لا سيما إزاء قضايا الشرق الأوسط وروسيا والصين. وقال: "أمريكا عادت.. الدبلوماسية عادت"، وتعهد بـ"بناء تحالفات دولية جديدة" والتصدي بقوة لروسيا والصين.

ولكن في الطريق إلى التصدي بقوة لروسيا والصين، ومن خلال إعادة الزخم للتحالف مع أوروبا ودبّ الروح في حلف "الناتو": ما هي سياسات واشنطن تجاه دولٍ تعتبر نفسها حليفة للولايات المتحدة مثل السعودية التي يتعرّض نظامها للابتزاز الأمريكي والغربي المستمر والمتواصل، أو عدوة مثل إيران وسورية التي تخضع للعقوبات والضغوط والترهيب والتهديد بالحرب؟!

الشعارات البراقة عن عودة الدبلوماسية، لا تعني أبداً أنه علينا التفاؤل بما هو قادم من الإدارة الأمريكية الحالية، أو أي إدارة أمريكية لاحقة، لسبب بسيط، هو أنّ كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والتي تستخدم المنظار الإسرائيلي، تعتبر أنّ إيران وسورية تنتهجان سياسات تتناقض مع سياسات واشنطن، وبالتالي فإنهما يشكلان خطراً على المصالح الإسرائيلية والأمريكية؛ ووفق هذا المنطق، يصبح من الطبيعي السعي لتدمير هذين العدوين باستخدام كافة الأساليب والوسائل من الضغوط إلى العقوبات، وصولاً إلى الحروب لو اقتضى الأمر وأمكن تحقيق ذلك؛ ودائماً تحت شعارات الديمقراطية والإنسانية والدبلوماسية، المزيفة والمنافقة؛

وترى العقلية الأمريكية ذاتها في النظام السعودي مصدراً للنفط والتمويل، وبالتالي مصدراً لدعم المخططات الأمريكية التخريبية في المنطقة، ومتى استُنفد هذا المصدر المالي، فستنتهي أهمية هذا النظام وتتراجع مكانته وسيتم التخلص منه، وكل ما تقوم به الولايات المتحدة تجاه النظام السعودي منذ سنوات، هو عملية ابتزاز رهيبة وبأساليب مختلفة، أصبحت واضحة ومكررة؛

الرئيس الأمريكي وفي المواجهة مع روسيا والصين، استل سلاحاً لم يستخدمه من سبقوه للهجوم على كلا البلدين، وكانت البداية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي نعته بايدن بأنه "قاتل" وهدده بأنه سيدفع الثمن، في تصعيد خطير ضد المنافس القوي، مما اضطر الرئيس بوتين للخروج وردّ الإهانة بالقول إن بايدن وصف نفسه، وطلبه للتحدي أيضاً عبر المواجهة العلنية على الهواء مباشرة ومن دون أي مماطلات وفي محادثة صريحة ومباشرة. وأضاف الرئيس الروسي أن الإدارة الأمريكية تريد علاقات مع روسيا، فقط بشروط واشنطن، في حين أن روسيا ستعمل فقط على النحو الذي يفيدها.

وفي الجوهر لم يخرج الرئيس الأمريكي عن مضمون السياسات الأمريكية المتعاقبة، والذي اختلف هو الشكل فقط. ومن الطبيعي بعد هذا التصعيد، السؤال أين "الدبلوماسية" في التصريح الناري للرئيس الأمريكي الذي اعتبره الكرملين سيئاً للغاية ولا سابق له، وإشارة إلى أنّ "بايدن أظهر أنه بالتأكيد لا يخطط لتحسين العلاقات مع روسيا"، والأمر كذلك فعلاً.

وبـ "الدبلوماسية" ذاتها تضغط إدارة بايدن على الصين المنافسة في الاقتصاد والتكنولوجيا. أما الأداة فهي حقوق الأقليات والديمقراطية، والعالم كله يعرف وضع الأقليات والآسيويين والأفارقة في الولايات المتحدة. وقد أوضح عضو مجلس الدولة الصيني، يانغ يي، أنّ الولايات المتحدة تستخدم "قوتها العسكرية وتفوقها المالي للضغط على الدول وإساءة استخدام الأمن القومي لتهديد مستقبل التجارة الدولية". ولفت المسؤول الصيني إلى أن حقوق الإنسان في الولايات المتحدة وصلت إلى أدنى مستوياتها، مشيراً إلى أن الأمريكيين من أصل إفريقي "يتعرضون للذبح". وفيما دعا يانغ واشنطن إلى التخلي عن "عقلية الحرب الباردة"، أملَ "ألا نرى أي مواجهة أو صراع، مع وجود احترام متبادل وتعاون مربح للجانبين"، فهل تقبل الولايات المتحدة بالأمر؟! بالطبع ليس هناك أمل كبير بذلك.

في المحصلة، لعل مبدأ "أمريكا عادت.. الدبلوماسية عادت"، يدفع ـ من حيث لا تقصد الولايات المتحدة الأمريكية ـ إلى تعاون وتكامل الدول المستهدفة بالضغوط والعقوبات والتهديدات الأمريكية، وباتجاه مسار جديد للعلاقات الدولية يرسّخ التعددية القطبية التي بدأت نواتها بالتشكل، على ما يبدو، بالتعاون الصيني ـ الروسي ـ الإيراني، بما يؤسس لنوعٍ من التوازن الدولي يضعُ حداً للسياسات الأمريكية التسلطية الاستعمارية بغض النظر عن الأقنعة التي ترتديها وتتستر بها، وينقل مركز الثقل العالمي إلى الشرق بدلاً من الغرب الذي يبدو أنه قد أفلس ولم يعد لديه ما يقدمه لخدمة الحضارة والبشرية..؟!!

                  بـديـع عفيـف

 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.