تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أمريكا وأزمة الهوية

مصدر الصورة
عن الانترنيت

كشفت فترة رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة، وخصوصاً بعد «غزوة» مبنى الكابيتول، عن عيوب كثيرة تنخر بنية المجتمع الأمريكي لا زالت تشكل نقطة سوداء في مفهوم الديمقراطية، ومعنى «أرض الأحلام»، وتتناقض مع كل أطروحات الانتماء والاندماج وحقوق الإنسان؛ ذلك أن المجتمع الأمريكي لم يتخلص بعد من عقدة العنصرية وتفوق العنصر الأبيض، ولم يصل بعدُ إلى مرحلة دولة المواطن التي لا تميز بين مواطنيها على أساس العرق واللون والدين.

ما شاهده العالم خلال السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة من تمييز عنصري ضد المواطنين من أصول إفريقية وأمريكية لاتينية، وضد المسلمين، وتسعير حملة «الإسلاموفوبيا» ضدهم، يُظهر أن البلاد تعاني أزمة هوية ترسخت في ظل إدارة ترامب، وأدت إلى انقسام فعلي داخل المجتمع، وهو إرث ثقيل يجب على إدارة الرئيس جو بايدن التعامل معه بجدية وحزم قبل أن يتفاقم.

معروف أن الولايات المتحدة دولة مهاجرين من أوروبا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا؛ أي أنها دولة انتماءات متعددة عرقياً ودينياً وثقافياً، وقد قامت واكتسبت قوتها الاقتصادية والعسكرية والعلمية بفضل كل هؤلاء، وبالتالي لا تستطيع أية فئة الادعاء أنها هي صاحبة الأرض، أو أحق بالانتماء إليها، أو أن لها الحق في أن تكون أعلى مرتبة من غيرها، لكن الواقع التاريخي فرض مفاهيم مغايرة وجعل العرق الأبيض الأوروبي الأجدر والأحق بالسيطرة والتسلط، ما خلق حالة لدى الفئات الأخرى بأنها معزولة ومنبوذة وأقلية، بسبب ما مورس بحقها من تمييز فاضح وغير إنساني، لم يزل قائماً حتى الآن، بأشكال مختلفة، تعبّر عنها ممارسات سياسيين ومجموعات عنصرية متطرفة ومؤسسات أمنية، كما حصل مع الأمريكي من أصل إفريقي جورج فلويد، وغيره من السود في مناسبات كثيرة.

صحيح أن هؤلاء المهاجرين لم يصلوا إلى الأرض الأمريكية في الظروف نفسها، فبعضهم وصل بحثاً عن حياة جديدة أفضل لتحقيق ذاته، وبعضهم اختُطفوا وسيقوا عنوة بوصفهم عبيداً، لكنهم بعد هذه السنوات الطوال لم يتمكنوا بعد من التماهي معاً كمجتمع موحد قائم على مبدأ التنوع، وتشكيل وطن لكل مواطنيه، يشعرون فيه بالمساواة في الحق في الحياة، وتوفير التعليم والخبز والرعاية الصحية والأمن الشخصي؛ أي الشعور المشترك بالانتماء الواحد للإنسانية، لا ميزة لشخص على آخر إلا بما يقدمه لوطنه من جهد.

لا شك في أن الولايات المتحدة تعاني الآن، أزمة هوية باتت مشروخة، وذلك يفرض معالجة سريعة، خصوصاً في مواجهة ما يتم الإعداد له من ظهور أحزاب أو تجمعات سياسية يمينية متطرفة، على وقع هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما تخللها واستتبعها من مواقف.

لعل المطلوب الآن صياغة سياسة جديدة، وتعديلات دستورية تؤكد القدرة على تعايش الانتماءات المختلفة، وتشجيعها على الاندماج، وإلغاء كل ما له علاقة بتفوق الأعراق والهويات.

مصدر الخبر
كلمة الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.