تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

إجراءات أوروبا لنبذ «الأطلسي»

مصدر الصورة
عن الانترنيت

سلمان رافي شيخ

عندما تأسس حلف الناتو بعد الحرب العالمية الثانية عام 1949، لم يكن مجرد منظمة عسكرية؛ بل كانت فكرته تستند إلى فهم أوروبي - أمريكي مشترك للسياسات الدولية آنذاك، ورغبة أوروبا الأضعف في الانخراط مع الولايات المتحدة للحفاظ على توازن القوى في مواجهة الاتحاد السوفييتي. لذلك، أصبح «حلف الأطلسي» نظاماً تم فيه تصوير أوروبا بشكل دائم كلاعب صغير، يفترض أن يحذو حذو الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن أوروبا لم تفقد سيادتها، إلا أنها فقدت استقلالها الاستراتيجي، ونهج سياستها الخارجية المستقلة. ومع ذلك، فإن الحلف يحتضر اليوم وسط بحث أوروبا عن استعادة الاستقلال الاستراتيجي. وبالمثل، فإن ثمة حقيقة هي أن العالم لم يعد مقسماً إلى نظام ثنائي القطب، أو تحت هيمنة أحادية الجانب للولايات المتحدة. وقد أدى صعود روسيا، والصين، إلى تغيير كبير في شكل العالم في التسعينات، وإن بحث أوروبا عن الحكم الذاتي ليس استجابة لهذا التغيير فقط، ولكنه إعادة إنتاج متعمد لعملية التغيير نفسها، أيضاً.

يتضح هذا من كيفية أن القارة الأوروبية، على عكس الولايات المتحدة، لم تعد تنظر ببساطة إلى روسيا والصين ك«دولتين تعديليتين»، عازمتين على عدم التراجع أمام الهيمنة الأمريكية. وترى الجدوى في تطوير حوار استراتيجي مع هذه الدول وإعادة صياغة لهذه العلاقات.

ويُظهر الاجتماع الخاص الأخير للمجلس الأوروبي في بروكسل المسار الذي سلكه الاتحاد الأوروبي. وهو النأي بالنفس عن «فك اقتران» الولايات المتحدة، بالصين، وقرر «إعادة توازن العلاقة الاقتصادية [مع الصين] وتحقيق المعاملة بالمثل». وبناءً عليه، وبدلاً من اختيار ترديد فكرة بومبيو لبناء «تحالف عالمي» ضد الصين، والعمل على قهقرة وجودها الاقتصادي، وتأثيرها السياسي، شجع المجلس الصين على «تحمّل مسؤولية أكبر في التعامل مع التحديات العالمية»، ما سيؤدي في النهاية إلى «اتفاق طموح» للاستثمار الشامل بين الاتحاد الأوروبي والصين؛ و«الوفاء بالالتزامات السابقة لمعالجة عوائق الوصول إلى الأسواق، وإحراز تقدم في الطاقة المفرطة، والدخول في مفاوضات بشأن الإعانات الصناعية في منظمة التجارة العالمية».

وامتنع المجلس الأوروبي، على عكس الولايات المتحدة، ورفض الانضمام إلى «رهاب روسيا»، ولوم الحكومة الروسية على محاولة اغتيال أليكسي نافالني المزعومة. ومن ثم، فإن الرفض غير المعلن وغير المكتوب لإلقاء اللوم على الحكومة الروسية في هذه المحاولة يرتبط بالعقلية الأوروبية المتغيرة حول الحاجة إلى الحوار، والمحادثات مع روسيا، لا سيما في ما يتعلق بمسألة الأمن الأوروبي.

وخلال زيارته الأخيرة لدول البلطيق، قال الرئيس الفرنسي ماكرون، إن الوقت قد حان لبدء أوروبا باتخاذ تدابيرها الأمنية الخاصة، والتوقف عن الاعتماد حصرياً على «الناتو». وعلى الرغم من أنه لم يعرض أفكاره على أنها بديل محتمل لحلف الناتو، إلا أنه لا ينكر كثيراً أن تحركات أوروبا نحو نظام أوروبي ستجعل الناتو، إلى حد كبير، غير مفيد على المدى الطويل.

وسيشمل النظام الأمني ​​الجديد حواراً مع روسيا، وهي دولة تواصل الولايات المتحدة تعريفها على أنها «منافسة»، و«مارقة». ولم يوفر ماكرون كلماته عندما قال إن الأوروبيين يجب أن يكونوا قادرين على إعادة التفكير في علاقتهم مع روسيا، على الرغم من تاريخ من التوترات.

وتنخرط فرنسا، بنشاط مع جميع الدول بهدف إنشاء شكل جديد من العلاقات، يعتمد كلياً على فكرة «الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي»، مستخدمة إياه كمبدأ توجيهي لمكانة أوروبا في الشؤون العالمية في القرن ال21.

وبينما تستمر القوى الأوروبية في تقديم فكرة وجود نظام أمني أوروبي إلى جانب حلف الناتو، وليس معارضاً له، فإنها تظل كذلك بسبب حقيقة أن الطلاق المفاجئ والكامل مع «الناتو» غير ممكن بالنسبة لأوروبا في هذه المرحلة، ولن يخدم ذلك غرضه الفوري.

* محلل أبحاث في العلاقات الدولية والشؤون الخارجية والداخلية لباكستان. (نيو إيسترن أوتلوك)

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.