صادق ناشر
مؤشران يؤكدان أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد قادرة على تقبل من يختلف معها، الأول إصرارها على عدم دفع المستحقات المالية التي عليها لمصلحة منظمة الصحة العالمية، والثاني العقوبات التي فرضتها على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، وهي بذلك تريد التأكيد على أنها مستعدة لدخول خصومة مع أي طرف، إذا كان لا يسير في فلكها أو يعارض أجندتها.
تؤكد مسؤولة أمريكية أن بلادها مصممة على الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، وأنها لهذا الغرض لن تدفع نحو 80 مليون دولار من مستحقات عليها للمنظمة، وستستخدم المبلغ في سداد جزء مما عليها للأمم المتحدة في نيويورك، وهو موقف يتماهى مع ما أعلنه الرئيس دونالد ترامب، الذي وصف المنظمة الدولية بأنها أصبحت «دمية في يد الصين»، على خلفية انتشار وباء «كورونا» قبل عدة أشهر، وتسبب في وفاة مئات الآلاف من البشر في مختلف أنحاء العالم، عدد كبير منهم في الولايات المتحدة.
ينتقد العديد من الناشطين في الولايات المتحدة وخارجها قرار الرئيس ترامب، معتبرين أنه لا يتماشى مع التوجه العالمي لدعم منظمة الصحة العالمية، سواء تم الاتفاق معها حول بعض السياسات التي تتخذها أم لا. وكتب لورانس جوستن، الأستاذ الجامعي بمركز جورج تاون للقانون في واشنطن العاصمة، قائلاً: إن توجيه أموال منظمة الصحة العالمية لوجهة أخرى «غير أخلاقي وغير قانوني بالقطع»، مطالباً إدارة ترامب بالوفاء بكل التزاماتها المالية تجاه منظمة دولية تقدم خدمات للعالم.
أما قرار فرض واشنطن عقوبات على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، التي ترغب في إجراء تحقيق في جرائم حرب في أفغانستان، فإنه يعد واحداً من غرائب السياسة الأمريكية، وقد اعتبرت رئاسة المحكمة العقوبات بأنها «غير مسبوقة» و«غير مقبولة».
المحكمة رأت في بيان لها أن العقوبات الموجهة ضد مؤسسة قضائية دولية ومسؤوليها خطوة غير مسؤولة، وتشكل هجوماً خطيراً على المحكمة، وعلى نظام روما الأساسي للقضاء الجنائي الدولي وسيادة القانون بشكل عام، ومن الغريب أن واشنطن لم تكتفِ بفرض عقوبات على بنسودا فقط، بل أعلنت عبر وزير خارجيتها مايك بومبيو إدراجها في اللائحة السوداء.
من المؤكد أن السياسة الحالية لإدارة ترامب لن تؤدي إلا إلى إضعاف المؤسسات الدولية التي تتعارض مواقفها مع الرغبة الأمريكية في تبني مواقفها، متناسية أن هذه المنظمات تضم في عضويتها العشرات من الدول، وبالتأكيد لا تتشاطر المواقف نفسها مع الولايات المتحدة، ولذا فإن أي إجراء ضد هذه المنظمة أو تلك يجب ألا يتنافى مع القانون الدولي ومع اللوائح المنظمة لعمل هذه المؤسسات.
