تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الدكتور وائل عواد يتابع الكتابة من الهند من وحي الحجر الصحي عن كورونا ويوميّات قناص كركرونا - كُلُّ عَامٍ وَأَنْتُمْ بِخَيْرٍ - 59 -

مصدر الصورة
خاص

        شو لبستوا ثياب العيد؟ يا ماما روحوا لعند ولاد عمامكم وهنئوهم...

        يلا يا ماما جاهزين.

        الله يرضى عليكم شاطرين، خلّيكم مع بعض ولا تنسوا تشتروا هداياكم من السّوق.

        ان شاء الله يا ماما.

        لا تنسوا تمرّوا لعند جارنا المصوّر يوسف حسينو وتاخذوا صورة مع بعض.وائل

لا يوجد أجمل من الاحتفالات بالعيد في مجتمعنا وبلادنا، ويعود بي شريط الذّكريات وأنا أتصفّح الصّور القديمة، ووقعت يدي على صورةٍ مع إخوتي وقد لبسنا ثياب العيد مع المرحوم المحامي  فوّاز  والشّهيد الطّيّار الملازم مهدي رحمهما الله وأخي كريم أطال الله بعمره، وكنّا نرتدي سترات الجلد الرّسميّة والسّراويل الصّيفيّةً القصيرة وكأنّنا في فترة الحجر الصّحيّ مثل هذه الأيّام حيث  يترتّب عليّ أن أكون جاهزاً في الكثير من الأحيان لحوارٍ على الهواء مباشرةً في ساعةٍ متأخّرةٍ من اللّيل  وأضطرّ للبقاء مستيقظاً وأنا أرتدي السّترة المطلوبة للظّهورعلى الشّاشة بينما أُخفي النّصف الأسفل بالشورت.

كان نصيبي من ذلك العيد لعبةً من مسدّسٍ (فرد طقّيس فقّيس)، وطبعاً كان ذلك من حاجيّات العيد التي اشتريتها بينما كان مسدّس الفلّين من نصيب أخويَّ فوّاز وكريم.

يعدُّ العيد من المناسبات المميّزة لزيارة الأقارب والأضرحة، وهي عادةٌ متعارفٌ عليها في مجتمعاتنا الشّرقيّة بغضّ النّظر عن الانتماء الدّينيّ والطّائفيّ.

لم يكن النّوم سهلاً ليلة العيد، فالبيت مليءٌ بالزوّار من الخالات والعمّات والمقرّبات، ويتمّ تحضير كعك العيد طيلة اللّيل ومن ثمّ يُرسل إلى الفرن.

وكنّا نحن الصّغار نجهّز كلّ شيءٍ للصّباح  من الثّياب والحلى  الجديدة ونخطّط كيف سنقضي اليوم وماهي الألعاب التي سوف نشتريها واللّعبات التي سنمارسها خلال اليوم، ونتسابق بالدخول إلى الحمّام للاغتسال والتّجمل الواحد تلو الآخر، وتكون الزّيارة في بداية اليوم إلى المسجد لأداء صلاة العيد ومن ثمّ زيارة التّربة (المقبرة) للترحّم على من وافتهم المنية واستذكارهم بالورود وقراءة الفاتحة والأدعية. كنّا نحصل على العيديّة من الوالد رحمه الله ومن ثمّ تبدأ زيارة بيوت الأقارب للتّهنئة والحصول على العيديّة يليها التردّد على الأسواق وأماكن الألعاب وتجمّع الأصدقاء والأقرباء قبل العودة إلى البيت لتناول الطّعام مع بقيّة أفراد الأسرة. وكان الوالد رحمه الله  يحضّر لنا المنسف من اللّحوم والأرزّ والبرغل والمقبّلات، وكان لي نصيبٌ لا بأس به من النّخاع من رأس الخروف.

ويذكّرني هذا بقول الشّاعر الكبير المتنبّي:

يُضَاحِكُ فِي ذَا اَلْعِيدِ كُلٌّ حَبِيبَهُ ... حِذَائِي وَأَبْكِي مَنْ أُحِبُّ وَأَنْدُبُ

أَحِنُّ إِلى أَهْلِي وَأَهْوَى لِقَاَءهُمْ...   وَأَيْنَ مِنَ المُشْتَاقِ عَنْقَاءُ مُغْربُ؟

لا توجد احتفالاتٌ صاخبةٌ في الهند بالعيد وتقتصر احتفالاتنا على لقاء الأصدقاء من الدّبلوماسيّين المقيمين هنا وعددٍ من الأصدقاء الهنود من جميع الطّوائف، وتعمُّ الاحتفالات عادةً أماكن تجمّع المسلمين الهنود ولذلك لا نلتقي بهم كثيراً إلّا في صلاة العيد الصّباحيّة والتي تكون عادةً في اليوم الثّاني من الاحتفالات في العالم العربيّ.

كنت أشعر بالعيد فقط في وادي كشمير في مدينة سيريناغار - العاصمة الصّيفية لإقليم جامو وكشمير - ذات الأغلبيّة المسلمة حيث يعود الكشميريّون إلى ديارهم ويقضون فترة العيد مع ذويهم، وترى المساجد عامرةً بالأهالي، ويتجمّع السّكّان من كافّة الطّوائف لتبادل التّهاني، لكنّ هذا العام لا ترى صلاةً ولا حركةً في المنازل بسبب الجائحة والإقامة الجبريّة على عددٍ من القادة الكشميريّن والحدّ من التنقّل، الأمر الذي يجعل من الصّعب إحياء أجواء العيد المعتادة.

كنت دائماً أتعمّد أن أدخل البهجة والسّرور إلى قلوب أطفالي بمناسبة العيد كما كنت في صغري، فنجهّز للاحتفالات ولبس اللّباس الجديد للمناسبةِ، ونقوم بتوزيع الهدايا وعمل الخير من خلال توزيع الطّعام واللّباس والحلوى والدّمى على الأطفال غير القادرين على شرائها، كما نوزّع النّقود على الفقراء، ونحرص على إعطائهم العيديّة.

وكنت أقوم بإعطاء نقودٍ لأصدقائنا الدّبلوماسيّين، وأطلبُ منهم إعطاءها لأطفالي عند زيارتهم لنا يوم العيد، وذلك كي أعلّمهم عاداتنا وتقاليدنا العربيّة، واقوم بدوري بإعطائهم العيديّة أيضاً. ثمّة صعوبةٌ في الحفاظ على العادات والتّقاليد ونقلها لأطفالنا هنا، ولذلك كنّا نحاول أن نوفّر لهم جوّاً عائليّاً للاحتفال والاستمتاع معاً.

من الصّعب على الأطفال الخروج خارج منازلهم هذا العام بسبب جائحة فيروس كورونا، ولذا سوف تقتصر الاحتفالات على سرد القصص الجميلة عن العيد للأطفال وتبادل التّهاني عبر الشبكة العنكبوتيّة.

وهناك من يحتفل اليوم في سورية بمناسبتين على الرّغم من الصّعوبات وضيق الأحوال المعيشيّة في ظلّ تفشّي جائحة فيروس كورونا، فقد صدرت نتائج الثّانوية العامّة مع يوم الوقفة وامتلأت صفحات التّواصل الاجتماعيّ بصور البراعم الشّابّة بالتّهاني بالنّجاح، وهذا يدخل السّرور في قلوبنا لأنّ هناك من كلّل جهوده بالنّجاح ونال الشّهادة الثّانويّة.

لم يعد العيد كما هو في ظلّ الظّروف القاسية التي نمرّ بها، فقد شرّدت الحرب الكثير من الأحبّة والأقارب وعلينا أن نتّصل بالعديد من المدن في العالم لتهنئة بعضنا البعض من الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا والبيرو إلى أوربا وإفريقيا وأستراليا، فقد تشتّت عوائلنا وفرّقت الحرب بيننا. رحلوا وتركوا آثارهم  وندباتٍ لا يزول أثرها وذكرياتٍ تعيدنا إلى زمن الطّفولة، نذكرهم كلّما زرنا أرض الوطن فتنطفئ جذوة الشّوق ونبحث  عن أسمائنا التي مازالت محفورةً على جذع الزّيتونة أو شجرة البطم أو على حائط البيت العتيق بالقرب من شجرة العنب.  وكنّا نمشي في الحقل اليابس نبحث عن فلّاحٍ يسقي زرعه، ونمشي  في الفضاء البعيد تحت أشعّة الشّمس في سقف السّماء الزّرقاء يلسعنا الهواء السّاخن، ونبحث عن عصفورٍ يغرّد ليمتزج اللّحن ويولّد في داخلنا إحساساً مرهفاً يتناغم مع شريط ذكرياتنا، أو حمامةً تلتقط عوداً من الاشواك اليابسة التي تتدحرج أمامنا  لتصنع عشّها. نتوقّف قليلاً، ننظر إلى الأفق البعيد، نستمع للصّوت الصّادر عن درّاجةٍ ناريّةٍ تمرُّ بالقرب منّا لنخفّف وطأة الألم ونتذكّر أيام الفرح والمرح وشقاوة الطّفولة مع من نحب ونبكي فراقهم  بصمتٍ بعد أن قطع حبل الوداد قلوبنا وتمزّقت أرواحنا ونحن نستمع إلى صدى أصواتهم وضحكاتهم ترنّ في آذاننا وتتراءى صورهم أمام عيوننا وعبق الذّكريات والأطياف ترافقنا إذ نسافر داخل ذواتنا لنخفّف من جروحنا العتيقة الم الاشتياق ونفتح ألف بابٍ للأمل ونتمخّض الفرح بعد الغياب، وهذا يذكّرني بقول الشّاعر:

تراقص القلب من شوقي ومن شجني    ...      إلى لقاء الّذي بالأمس فارقني

عند الفراق شجوناً حطّمت كبدي      ...        وللّقاء حنينٌ كاد يقتلني

نحتاج إلى جرعةٍ من البهجة  لنزرع الأمل ونبعث الحياة فينا من جديدٍ وتشتعل شرارة الشّوق في قلوبنا لتعيدنا إلى مسار حياتنا الطّبيعيّ بدون حزنٍ أو ألمٍ ونطرد الضّعف والوهن من أجسادنا ونكابر على أوجاعنا و نصبر ونقول القادم أفضل لأولادنا بإذن الله...

ورغم الألم والهمّ والغمّ والمرارة لفراق الأحبّة، وهي مشاعر يصعب التغلّب عليها،إلّا أنّ الاحتفال بعيد الأضحى يعدّ عبادةً وعلينا ان  نستذكر أحبّاءنا ونتواصل معهم  ونحتفل مهما اشتدّت المصاعب والأوجاع ونتبادل التّهاني والتباريك، ونتذكّر أنّنا نستحقّ الحبّ والحياة؛ والفراق لا مفرّ منه وعلينا أن نتقرّب إلى الله بالعبادات ونذكرهم في صلواتنا ودعائنا ونحن نؤمن بأنّ الله عزّ وجلّ سوف يعوّضنا بلقاء أحبتنا ويجمعنا بمن فارقوا الحياة بجنّة الخلد  كي تلتئم جروحنا وترتسم البسمة والفرحة على وجوهنا، وكلّ عام ٍ وأنتم بألف خيرٍ...

وللقصّة تتمّةٌ...

 الدّكتور وائل عوّاد

الكاتب والصّحفي السّوريّ الأصل المقيم بالهند

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.