تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الدكتور وائل عواد يتابع الكتابة من الهند من وحي الحجر الصحي عن كورونا و -يوميّات قنّاص كركرونا -– البحث عن الذّات بالغوص في الأعماق – 43 -

مصدر الصورة
خاص

سبعون يوماً من الحجر المنزليّ ومازلنا قيد الإغلاق التامّ، وهذه المدّة كافيةٌ بأن تؤثّر سلباً على الحالة النّفسيّة التي نمرّ بها وتزيد من حالة الخوف والهلع التي تسيطر على العالم بسبب جائحة فيروس كورونا التي فاقمت القلق والأرق والخوف من المستقبل وكيفيّة مواجهة العالم الخارجيّ، ولم يُكتَشف اللّقاح بعد! نجري لقاءاتٍ على الشّاشات ونذيعُ الخبر للأصدقاء والمتابعين ونسمع تعليقاتٍ مثل ”إن شاء الله يكون في كهرباء“، ومن المؤكّد أنّ وابلاً من المسّبات تُرسَل للمسؤولين عن قطع التّيّار الكهربائيّ. نُرسِل الرّسائل الصّباحيّة وننتظر الردّ من الأحبّة، منهم من لم يصحو ومنهم مازال صاحياً، ومنهم من انتهت حزمة النت المخصّصة لهُ ولا يمكنه فتح الأغاني والمقاطع الموسيقيّة. هناك من عاد لتوّه من السّوق ولم يستطع أن يشتري  براتبه أكثر من حذاءٍ لابنه ولحسة حلو من مقشط صحن النّمّورة، وتسمع التّصفير لارتفاع الأسعار والألم والمآسي تزداد بين عامّة النّاس إذ يعود المرء من السّوق مذهولاً لا يُصدّق هذا الغلاء وجشع التّجّار. هناك من مات قهراً أو إثر مرضٍ مجهولٍ بعد أن كثرت الفيروسات ولها نسخٌ متحوّلةٌ كفيروس الغلاء والقهر والظّلم والجوع واليأس والخداع والجشع بالإضافة إلى فيروس كورونا اللّعين. ونرسل طرفةً للبعض، فترى أحدهم يردّ: ”قديش بالك فاضي! كيف تستطيع تحمّل كلّ هذا؟ والله أحسدك!“‍. وهناك من لا يأبه للفيروس ويخرج من المنزل ويختلط مع أصدقائه في الأماكن المكتظّة  وكأنّ شيئاً لم يكن، إذ لم يعد يكترث للمرض، بل غدا يفضّل الانتحار بين العامّة على العزلة المنزليّة، وعلى رأي المثل: ”من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته“. لم تعد المسكّنات والحبوب المضادّة الالتهاب والمهدّئة للأعصاب تجدي نفعاً، لقد استُنفد كلّ شيءٍ، ولا شيء ينفع.

تنظر إلى نفسك في المرآة وترى تعب السّنين قد رسم تجاعيد جديدةً على وجهك، وطوقٌ أسود حالكٌ من الأرق يطوّق عينيك. الشّعر منفوشٌ والذّقون طويلةٌ وكأنّنا من سكان القبور. ولكي نتغلّب على ذلك كلّه، علينا أن نغوص في دواخلنا وندمّر حواجز الخوف والتفكير السّلبيّ والثرثرة العقليّة المتعبة. وتقول لنفسك وأنت تنظر إلى المرآة: ”أنت لست وحدك، ابتسم تبتسم لك الدّنيا، وأحبب ذاتك، وركّز على ما كنت تفكّر به بشكلٍ إيجابيٍّ وقل ما أجملك ...“

يحتاج كلٌّ منّا إلى جرعةٍ من التّفاؤل اليوميّ لإعادة الثّقة بالنّفس  مهما كانت المتاعب والمشاغل والمصائب والتّحديات، ولا أحد يحتاج دروساً ومواعظ، بل بصيص أملٍ. وثمّة كتابٌ شيّقٌ للكاتبة لويس هي (كيف تحبّ نفسك - How to Love Yourself) ومتوافرٌ على شكل اسطواناتٍ ترشدك من خلاله كيف تحبّ نفسك، وتناقش فيه بموضوعيّةٍ وواقعيّةٍ عمليّة الشّعور بالرّضا عن نفسك ومفهوم النّقد البنّاء وقوّة التأمّل والاستعداد للتّغيير ونيل ما تعتقد أنّك تستحقّه.

في إحدى جلسات التأمّل التي شاركت بها أونلاين، كان صوت المدرّبة على الجانب الآخر تُعطي الإرشادات في الجلوس في مكانٍ هادئٍ والظّهر مستقيمٌ أو أنت مستلقٍ على الظّهر والعينان مغمضتان. كانت المدرّبة تعطي التّعليمات للاسترخاء ببطء شديدٍ بالتّزامن مع التّنفس العميق والتّركيز على العينين والوجه والحنك والرّقبة وهكذا... حتى لم يعد هناك ما يزعجني وأنا أغوص وأغوص، ولم أعد أشعر بالفرق بين المحيط الخارجيّ  و ما هو في داخليٌّ. طلبت منّا التّركيز على ما هو سلبيٌّ وأن نتمالك أنفسنا. بدأت أشعر بمحبّة الذّات ومنحت نفسي من الدّاخل نفحةً من المحبّة. بدأتُ أخاطب قلبي وأتواصل معه، ومع كلّ تنفّسٍ عميقٍ أقول: ”أنا أستحقّ الحياة“، ومع كلّ زفيرٍ أردّد: ”لقد طفح الكيل“. بدأت أخاطب ما في داخلي وكأنّني أنظر في مرآةٍ وعيناي مغمضتان وأنا أسأل نفسي: ”ماذا أرى؟! ألمٌ وحزنٌ وحبٌّ وفرحٌ أم حياديّةٌ؟! ...“

كانت الجلسة مريحةً وسهلةً، والسّبب يعود للمارسة اليوميّة للتأمّل والتي أصبحت جزءاً من حياتي اليوميّة في فترة الحجر، وقد استعدت من خلالها نشاطي وحيويّتي وقضيت على الضّجر وبدأت أشحن نفسي بشحناتٍ من الأمل كافيةً لتخفّف عنّي التّوتّر وتقضي على القلق، وحطّمت بذلك الحديثَ السلبيّ  المتعِب مع الذّات، وبدأت أُعزّزُ ثقتي بغرائزي الطّبيعيّة.

نهضتُ من الفراش وبدأت أعتني بنفسي، وأخذتُ حمّاماً منعشاً وحلقت ذقني وتعطّرت وابتسمت، فلا حاجة لمعاقبة الأسرة بهذا الوجه المتشائم؛ وعلاوةً على ذلك التقطتُ صورة سيلفي واحتفظتُ بها، وبدأتُ أفكّر بإيجابيّةٍ وأبحث عن شيءٍ أحبّه لأمارسه وأتخلّص من الأفكار السلبيّة. كنتُ أحبُّ المشي في الصّباح ولكنّني لا أقدر على الخروج الآن، ولا يمكنني إصلاح المركبة الفضائيّة ولا الغناء، بيد أنّني أستطيعُ الاستمتاع بسماع الموسيقا وتصفّح الجرائد والقيام بأعمالٍ بسيطةٍ مثل تنظيف مكتبي، والبدء بمقالتي اليوميّة، واكتشاف مواهب جديدةٍ وطرائق لهزيمة الأعداء وأوّلهم السّلبيّون، وكسب الأصدقاء الإيجابيّين، والبحث عن حلولٍ بدل إلقاء اللّوم على الآخرين، ولا مانع لديّ أن أقوم بمدح نفسي وكلّ قطعةٍ من جسدي؛ وأذكر أنّني كنت أمارس هذه العادة منذ زمنٍ طويلٍ، وعند كلّ مرّةٍ يحدث لي شيءٌ كأن تسقط الصّينيّة من يدي مثلاً و ألتقط الكأس قبل أن تقع وتنكسر، فأشكر دماغي لسرعة الردّ، كما أشكر قبضة يدي لسرعة التصرّف، وأتابع عملي، وهذا أبسط عملٍ يمكنك القيام به والتّفاخر بنفسك جراءه. وأتذكّر مقولةً لوالت ديزني : "عندما تؤمن بشيءٍ عليك أن تؤمن به طول الطّريق بشكلٍ ضمنيٍّ لا جدال فيه".

وبإمكانك أن تحقّق أحلامك من خلال التحلّي بأربعة أشياءٍ وهي الفضول والثّقة والشّجاعة والثّبات.

وحتّى أثناء الحجر المنزليّ يمكن للمرء أن يتصرّف بشكلٍ إيجابيٍّ ويغيّر من نمط حياته وتصرّفاته وتعامله مع الآخرين، ولا مانع أن يكون الشّخص أكثر لطفاً.

لم أرد لمقالتي هذه أن تكون درساً للتعلّم ويتسنّى للجميع قراءته، ولكنّني أردته درساً عمليّاً بعد أن تأكّدت من مدى التّغيير الذي أحدثته هذه الجلسات اليوميّة من التأمّل لمدّة ساعةٍ في حياتي، وهي كافيةٌ، وكما قيل مفتاح النّجاح هو الثّقة بالنّفس، وهذا يكمن في طريقة التّحضير و الاستعداد  لكسب هذه الثّقة، فالحلّ موجودٌ في نفس كلّ شخصٍ، إذ يترتّب عليه أن يمتلكَ الاستعداد كمن يذهب للامتحان قويّاً محضّراً درسه جيّداً منتصب القامة وكأنّه بين النّجوم.

كم مرّةٍ كنت أقول لذاتي: "أنا شخصٌ آخر“، لقد كنت مليئاً بالحيوية والنّشاط، هادئاً ومتحفّظاً ولا أستطيع أن أغيّر من ذلك شيئاً، لا يمكنني أن أكون شخصاً تافهاً.

بقي ثلاثة أيّامٍ على اكتمال القمر كي يصبح الوقت هادئاً ونبدأ بالتّفكير بمشاريع جديدةٍ وندّون أهدافنا، ولذلك تحتاجُ هذه الأيّام للعمل الجادّ والنّشاط وطرد الأشخاص السّيّئين من حولك والأفكار السّلبيّة قبل أن يكتمل القمر، وعليك ان تحضّر نفسك لزرع بذور قلبك النّقيّة على القمر والتّركيز بوعي على عقلك وجسدك وروحك كي تحقّق رغباتك، ولا مانع من أن تقيم حفلةً استعراضيّةً في منزلك استعداداً لليلة اكتمال القمر. دوّن رغباتك وردّدها بصوتٍ عالٍ وضعها بجانب سريرك أو تحت الوسادة، فهذا امتنانٌ واعترافٌ بجمال الحياة، ولكي تكون مشاعرك وروحك أكثر قدسيّةً وجمالاً وتألّقاً. لقد اختلف العلماء في تفسير هذه الظّاهرة من تأثيرات منازل القمر على الحياة البشريّة، ومنهم من بدّد هذه المزاعم  وعلاقة التّغيرات الفلكيّة في السّلوك البشريّ،  ولم تجد الدّراسات  العلميّة أيّ ارتباطٍ  للاضطرابات العاطفيّة بهذه الظّواهر، وقد تعرّض الباحثون فيها إلى انتقاداتٍ لاذعةً لاحقاً للطّرق التي تمّ استخدامها في اكتشافات العلماء وتفسيراتهم. ولكنّ العلم يقول أنّ حركة المياه في البحار والمحيطات وظواهر المدّ والجزر مرتبطةٌ بمنازل القمر وجاذبيّته للمياه على الأرض، وبما أنّ 75% من الكتلة الجسديّة لجسم الإنسان هي من المياه، فلاشكّ أنّها تتأثّر بهذه الظّواهر شأنها شأن بقيّة الموجودات على الأرض. وحسب علم التّنجيم الفيدي في الهند فإنّ القمر (تشاندرا) من جنسٍ أنثويٍّ،  وهو مؤشّرٌ للعقل والعواطف والسّلوك والرّومانسيّة  والحمل والعقل والذّكاء والفخر وما إلى ذلك، وثمّة علاقةٌ حتميّةٌ قويّةٌ غامضةٌ  بين البيولوجيا  والسّلوك البشريّ والدّورة القمريّة، ولذا يتعيّن علينا في هذه الأيّام موازنة عقلنا المفرط والصّعود بأفكار عقلنا الباطن إلى عتبة الوعي لاستكشافه وعلاج المشاكل المترسّبة فيه، كما تساعدنا العلاجات الرّوحيّة في التّغلب على الآثار السّلبيّة الضارّة للقمر والخسوف والكسوف.

ولو لم تكن هناك علاقةٌ بين النّجوم والقمر والنّفس البشريّة لما اهتمّ الكثيرون منذ الأزل بالأبراج، ومهما بلغت ثقافتنا فإنّ فضولنا يدفعنا لقراءة طالعنا اليوميّ في الجرائد، وفي كثيرٍ من الأحيان نتّصل بأحبّائنا بينما هم يستمعون إلى الأبراج اليوميّة ليطّلعوا على مدى تأثير دورة القمر على حظّهم وشخصيّتهم ومستوى طاقتهم، خاصّةً مواليد حاكم برج البروج برج السّرطان فهو الأكثر حساسيّةً وعاطفيّةً بين جميع علامات  البروج الاثني عشر.

 وبهذا أنصحك ألّا تبالي بشيءٍ، بل انظر في المرآة صباحاً حتّى وإن كان التيّار الكهربائيّ مقطوعاً افتح النّافذة، اشعل شمعةً لتجلب الشّفاء للذّات، ولو كنت تعيشُ في قبوٍ اخرج خارج المنزل واصطحب قطعةً من المرآة التي بحوزتك وانظر إلى نفسك وقل :”سوف أتغيّر، لقد تغيّرت. كم أنا جميلٌ وكم أنا راضٍ عن أدائي!“، وتذكّر أنّ الحياة ليست مشكلةُ تحتاجك لحلّها، ولكنّها هديّةً لنستمتع بها ونرتقي بأنفسنا إلى المنزلة المرموقة بعد سقوطنا إلى هاوية الفناء. وكما يقول مولانا جلال الدّين الرّوميّ: ”من يحملُ قنديله في صدره لا يعنيه ظلام العالمين.“

جرّبوها لن تخسروا شيئاً وطمئنوني عن النّتائج...

وللقصّة بقيّةٌ

الدّكتور وائل عوّاد

الكاتب والصّحفي السّوريّ المقيم في الهند

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.