تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

د. وائل عواد يتابع الكتابة من الهند من وحي الحجر الصحي عن كورونا و يوميّات قنّاص كركرونا - هاري هاري نيوز- 16 -

مصدر الصورة
خاص

 

  • "إلك عندي خبر بس بيني وبينك..."
  • "تفضّل، ولو..."
  • "بس مابدي حدا يعرف فيه."
  • "مابدها سؤال!"
  • "الهند مدّدت الحجر حتى 3 مايو/ أيار، الشهر المقبل."
  • "متأكّد؟"
  • "عم قلّك خذها مني .هي طلعتي من الاجتماع السرّي."
  • "يعني انشره؟"
  • "فوراً، بس لا تذكر المصدر."
  • "ليش"
  • "لا تفضحني، رجاءً. ما حدا عرف فيه غيرك أنت أوّل واحد."
  • "طيّب، خلّيني شوف إذا بيقبلوا بنشره دون ذكر المصدر!"
  • "أنت بس قول من مصدر مقرّب جدّاً جدّاً وموثوق."
  • "حلو، شكراً لك. ما فيّي استغني عن خدماتك، نلتقي مساءً."

وطبعاً، كنتُ أوّل من نشر الخبر على صفحتي! وهذا ذكّرني بحادثةٍ، إذ كان أحد أقربائي يشغلُ منصباً هامّاً، وعندما يريدُ أن يَنشُرَ خبراً في العاصمة دمشق،  يتّصلُ بكبار المسؤولين، ويقولُ له: "لك عندي خبر مهمّ، ما بدي حدا يعرف فيه" ويعدهُ أن يبقى سرّاً،  وخلال أقلّ من  نصف ساعةٍ يكون معظم سكّان العاصمة على علمٍ به .

غريبون نحن في صناعة الخبر ونشره وتبنّي المواقف دون العودة إلى مصادرها أو التّحقّق منها، وهذه الظّاهرة منتشرةٌ في جميع المجتمعات، وهناك من يجنّدها ضدّ خصومه وتُنشَر بسرعةٍ كبيرةٍ.

الخبر العاجل ومصداقيّته- الشّبق الصّحفيّ

في عام 1998، كانت الهندُ قد أجرت تجربةً نوويّةً، وقد علمتُ بالخبر خلالَ أقلّ من ساعةٍ من إجراء التّجربة، ولم تكن الهندُ قد أعلنت بعدُ عنها. وهنا ومن مُنطلقٍ وطنيٍّ، ولِحرصي على أن تكون إذاعتنا بدمشق هي السبّاقةُ بنشر الخبر، اتّصلتُ بالإذاعة هاتفيّاً وعلى حسابي الخاصّ، وقلتُ للزميل هناك عن السّبق الصحفيّ، وطلبَ منّي أن أجهّز الخبرَ للنّشرة القادمة  بعد ثلاث ساعاتٍ؛ بينما اتّصلت بإذاعةٍ أجنبيّةٍ تستضيفني باستمرارٍ لأطلعهم على الخبر، فقاموا بقطع إرسال البرنامج، وأجروا معي لقاءً مباشراً على الهواء؛ وبعد ساعتين من نشر الخبر، بدأت وسائل الإعلام  في جميع أرجاء العالم تروّج للخبر والتّعليقات وردود الأفعال ...

وثمّة حادثةٌ أخرى كنت فيها السبّاق بنشر الخبر والتأكّد من مصداقيّته، إذ كان عن حادثة تحطّم طائرتين للرّكاب في سماء العاصمة دلهي ومقتل جميع الرّكّاب بتاريخ 12-11-1996، وبَدأَت التّحريّاتُ من قبل اللّجان الرسميّةِ للكشف عن ملابسات الحادث، وحصلتُ على محتويات الصّندوق الأسود وأرسلتُها إلى صحيفة المدينة السعوديّة، وقد نشرتُها بالكامل، وبيعت الآلاف من النّسخ. وبعد أسبوعٍ من نشر الخبر، صرّح وزير الطّيران السعوديّ بأنّ ما نشرتهُ الصّحيفة هو بالكامل لما كان داخلَ الصّندوق الأسود للطّائرة.

إنّها وقفاتٌ في حياتنا الإعلاميّة تدفعنا للمزيد من العطاء والحفاظ على الدّقّة والسّرعة والمسؤوليّة تجاه ما ننشرهُ كي لا ننشرَ الأخبار الكاذبة والملفّقة والتي تهدف للإساءة، وتحريض النّاس، وحشد الرأي العامّ للهدف المنشود من ورائها؛ فالشّبكة العنكبوتيّةُ مصدرٌ مهمٌّ  للمعلوماتِ، وكذلك مطالعتها مجّانيّةٌ، ولكن ما نريده هنا الحذر والانتباه، فهي سلاحٌ ذو حدّين .

ومن مساوئ وسائل التّواصل الاجتماعيّ أنّها أصبحت منصّةً لنشر الأخبار الكاذبة وتداولها بين مجموعاتٍ كبيرةٍ من النّاس، إذ تنتشر الأكاذيب بسرعة البرق، دونَ التأكّد من مصدرها أو مصداقيّتها بأضعافٍ مضاعفةٍ من الخبر الصّادق، وهذا ما دفع بالعديد من دول العالم إلى فرض رقابةٍ على الرّسائل المتداولةِ، ومحاسبة الأشخاص الذين يروّجون للأخبار الكاذبة والمحرّضة للفتنةِ.

لقد كتبتُ مقالةً قبل عامٍ وأسميتها  (وزارة البروباغندا)، تطرّقتُ بها إلى واقعنا الحاليّ والعالم الذي نعيش به، والذي  أصبح فيه اللّامعقولُ معقولاً والمرفوض مقبولاً والعكس صحيح. يتمّ التّصفيق للظّالم ويُهانُ المظلوم، يُكرّمُ النصّابُ ويحاسب الفقير، يغدو صاحب الحقّ الضحيّة والإرهابيّ والحرامي وما إلى ذلكٍ … نسمع الخبرَ الكاذبَ ويصدّقهُ الكثيرون، ويُروّج للكذبة حسب البلد بنفس الأسلوب والوسيلة لتحقيق الغاية، حتّى أنّ الكثيرَ من الحكم والأمثال تحاكُ وتروى وتسند إلى أشخاصٍ ومفكّرين لم يتفوّهوا بها إطلاقاً. نشارك في البعض منها دون قصدٍ، ومن ثمّ نعود لنفي الخبر بعد التّدقيق على مستوى الفرد، بينما تقوم بعضُ شبكات الإعلام بنفي الخبر الكاذب بعدَ وقوع الكارثة وتفشّي الخبر بين النّاس، وكلّ ذلك  يدفعنا للقول أنّ هناك حاجةٌ ماسّةٌ لتشكيل وزارة البروباغندا . ولنا أسوةٌ بقوله تعالى في القرآن الكريم

"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ".(ًصدق الله العظيم)

لقد دفع الحجر الصحيّ بالنّاسِ المحجورين إلى تداول العديد من الفيديوهات  والأخبار والمواضيع، منها شيّقٌ ويستحقُّ القراءة، ومنها مُكرّرٌ من عشرين صديقٍ ومجهول المصدر. هل سألتَ نفسك ذات مرّةٍ فيما إذا كان الخبر صحيحاً أم ملفّقاً؟ كيف تعاملت مع الخبر؟ ومن أرسله؟ وماهو مصدره؟ وما هوالهدف من نشره ؟

دأبت شبكات التّواصل الاجتماعيّ ، مثل تويتر والفيس بوك والواتس آب ويوتيوب  إلى تشديد الرّقابة وإلغاء المئات من الحسابات الوهميّة وقامت بإغلاق الآلاف  من البروفايلات المزيّفة والحسابات المشبوهة والمموّلة، وكثيراً ما يُرسلُ صديقٌ طلب صداقةٍ وتَقبلهُ دون تردّدٍ باعتبار انّ هناك صديقٌ مشتركٌ بينكما، ولا بدّ أن يكون الشّخصُ جيّداً. وتقع المأساةُ بأن يستغلّ الصديق المشترك أصدقاءك للإساءة والاستغلال والابتزاز فيما بعدُ، والأمثلة كثيرةٌ.

وبما أنّنا نؤمنُ بنظريّة المؤامرة في العالم العربيّ بشكلٍ فظيعٍ، فإنّ الكثير من الفرضيّات والنّظريّات والمناظرات والاجتهادات تركّزُ على ملفّاتٍ وأحداث ترتبط بنظريّة المؤامرة؛ ووباءُ فيروس كورونا خيرُ دليلٍ على ذلك. والأنكى من ذلك، أن تستلم مقالةً أو خبراً وقد حُذِفَ منه المصدرُ أو الكاتبُ، وقد يُرفقُ في بعض الأحيان بعبارة (منقول) لمن يستحي من التبنّي.

وتملكُ قلّةٌ من الدّول العربيّة هيئاتٍ تشريعيّةً لمحاربة الإشاعة والأخبار الكاذبة  كدولة المغرب العربيّ.

ويمكن تصنيف الأخبار الكاذبة  إلى ثلاثة أصنافٍ:

الأوّل – معلوماتٌ عامّةٌ مروّجٌ لها بقصد الفكاهة وليس الضرر؛

الثّاني – حقائق مزيّفةٌ عن سابق قصدٍ وإصرار؛ٍ

الثالث والأهمّ – المعلومات المسرّبة وهي حقيقيةٌ يتمّ الترويج لها  بعد الحصول عليها من قبل مواقع مثل ويكيليكس.

ما هو العلاج والجرعات المطلوبة لمحو الأميّة الإعلاميّة؟

 منحنا الحجرُ المنزليُّ المزيد من الوقت للبحث والتّمحيصِ وقراءة الكثير من الأخبار القيّمة التي تهمّنا قبل مشاركة الأصدقاء وكبار المسؤولين لأنّك تصبح مسؤولاً عن نشر الخبر.

وأذكرُ هنا مشاركتي بخبرٍ، لم يكن يهمّني كثيراً، عن استقالة شخصيّةٍ هنديّةٍ ومنحه وظيفةً فوريّةً في بريطانيا. لم أدقّق بالخبر وأرسلته لكبار الإعلاميين الهنود، وأرسل لي صديقٌ كبيرٌ، وهو من الإعلاميّين المخضرمين، يسألني عن مصدر الخبر، وفيما إذا كنت قد تأكّدت من مصدره ومصداقيّته؟ جاء جوابي بالنّفي: "لم أتأكّد، ولكن كنت أعتقد أنّ الخبر يهمّك." قال لي: "يا صديقي الدّكتور، أنت شخصيّةٌ إعلاميّةٌ معروفةٌ، وأيّ خبرٍ منك ننشره دون التأكّد." و فعلاً قمتُ بمتابعة الخبر والبحث عن مصدرهِ، وتبيّن أنّه خبرٌ زائفٌ. أخبرتهُ بذلك معتذراً، وقد شعرتُ بتأنيب الضّمير والمسؤوليّة تجاه  المساهمة في نشر خبرٍ كاذبٍ دون التأكّد من صحّته، ولذا أنصحكم، إذا لم يكن لديكم الوقتُ الكافي للتحرّي، بالتريّث وعدم النّشر، وهذا ما أقوم به حاليّاً. وإذا كان الخبر مهمّاً، أقوم بالتحقّق من مصدره ومن الشّبكة التي روّجت له قبل تداوله مع الأصدقاء.

علينا ان نزع بذور الثّقافة الحقيقيّة في المجتمعِ، وهذا يتطلّب التّعاونَ والتّنسيق مع الأكاديميّين والصّحفيّين الغيّورين مثلي لدرء هذا الخطر؛ ولذا أجدُ نفسي جزءاً من هذه النّخبةِ ولست وحيداً في محاربة الخطر، وشعارنا: (نحن معاً، سويّاً، سنحارب الجهل وننشر الوعي والخبر الصّالح الصّادق، ولن نسمح لأحدٍ بخداعنا...)

ثمّةَ طرقٌ عديدةٌ متوافرةٌ على الشّبكة العنكبوتيّة للاستعانة بها في الكشف عن الأخبار الملفّقةِ، والاعتماد على وسائل إعلامٍ موثوقةٍ لتبادل البحوث والمعلومات للتحقّقِ من الوقائع؛ وهذا يتطلّب شفافيّةً في وسائل التّواصل الاجتماعيّ والابتكار والرّقابة الذاتيّة .

سوف نقوم بطرح سبلِ محاربة هذه الظّاهرة من خلال منبر اتّحاد الإعلاميّين العرب، حيث سأطرح هذه القضيّة بمحاضرةٍ تفاعليّةٍ عبر الشّبكة العنكبوتيّة (أونلاين) بين مجموعاتٍ كبيرةٍ من نخبة الإعلاميّين العرب المنتشرين في شتّى بقاع الأرض والأعضاء في الاتّحاد. وعندما طلب منّي الزميل أحمد الياسري من العراق الشّقيق، العضو المؤسّس للاتّحاد، البدء بهذه الحملة التفاعليّة، لم أتوانَ عن الموافقة على طلبه مشكوراً، وعلى الفور أعطيته الموضوع الذي أرغب بمناقشته تحت عنوان: "دور الإعلامييّن العرب في رصد الإشاعة الإعلاميّة في زمن كورونا".

وسوف أنشر التّسجيلات والتفاعلات في حينها ...

وأخيراً وليس آخراً، فإنّ نشر الأخبار الكاذبة يشبه نشرَ الأطعمة الفاسدة، وهو أسوأ من بيع المبيدات الحشريّة المنتهية الصّلاحيّة؛ وهذا يذكّرني بحادثةٍ في إحدى المؤسّسات العامّة، إذ كنت أستمعُ إلى جدالٍ بين زبونةٍ متوسّطة العمر وموظّف المؤسّسة، إذ تشكو الزّبونة من عدم فعاليّة البخّاخ المبيد للحشرات الطّائرة والزّاحفةِ، وخاصّةً الصّراصير، فردّ عليها الموظّف ، بروح الدعابة المعتادة ،قائلاً : "عليكِ أن تمسكي الصّرصور بكلتا يديكِ، وتغدغيه (كركرونا)، وعندما يضحك، ترشّي المبيد في فمه، ومن ثمّ تُمسكي بالخفّ (الشّحاطة) وتتخلّصي منه (تفعسيه)"، وردّت عليه: "والله يابنيّ قد تخلّصت من أحد عشر صرصوراً بالشّحّاطة، ولم أقتل واحداً منها بدوائكم".

صح، صح... نسيتُ أن أخبركم خبر عاجل هاري هاري: هذا فيروس كورونا اللّعين عم يموت من أشعة الشّمس الدّافئة، على أبواب منازلنا، وهو ناطر نطلع! ما فشر بعينه خلّونا بالبيت، كي نغلبه وتنفجر مرارته (تطقّ) من القهر، و روحة بلا رجعة إلهي ...

 

صدقّوني أجسامنا قويّةٌ وقادرةٌعلى محاربة الفيروس، وصدقّوني لسنا بحاجةٍ إلى لقاحٍ لمحاربة الوباء. علاجنا الوحيد تقوية مناعتنا، ولا مانع من تناول الأغذيّة التي تقوّي مناعتنا ، وشحن معنوياتنا و أن نزيد من ثقتنا بالخالق، إله الكون ، وخلقه لنا بهذه الطّبيعة المتكاملة ، والأهمّ من كل  ذلك في هذه المرحلة الحرجة  بقاؤنا في منازلنا ...

وسوف نتذكّر هذه السّنة بأنّنا قد حُجرنا وانحبسنا قبل الشّياطين – والعياذ بالله - أي قبل حلول شهر رمضان  المبارك...

والتتمّة في القصّة القادمة ...

                                     الدّكتور وائل عوّاد

                          الكاتب والصحفي السّوريّ المقيم في الهند

 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.