تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

د. وائل عواد يتابع الكتابة من الهند من وحي الحجر الصحي عن كورونا و يوميّات قنّاص كركرونا ...رح يجننونا - 3 -

مصدر الصورة
خاص

 

 

النّصيحة  الخامسة : حمّام الساونا، الغرغرة ومجفّف الشّعر

بدأت تزدادُ الأمورُ سوءاً، وقاربت الفيروسات بالوصول إلى عتبة كلِّ بيتٍ ولم نحصل بعدُ على اللّقاح ، والعلماءُ منهمكون في البحث عن لقاحٍ،  والأطبّاء والممرضات يعملون على قدمٍ وساقٍ  لمعالجة المصابين  وإنقاذ أرواح الآلاف منهم ؛ بينما تبثُّ وسائلُ التّواصل الاجتماعيّ والقنوات الفضائيّة المرئيّة والمسموعة النّصائحَ حول كيفية الوقاية وتستضيفُ العديدَ من الأخصائيّين في جميع العلوم الطبيّة والنفسيّة والعشبيّة وحتى الفهمانولوجيّة. ومن بين النّصائح التي لفتت انتباهي هذه المرّة، كانت نصيحة استخدام حمّامات البخار والساونا لقتل الفيروس، وكذلك جهاز تجفيف الشعر باعتبار أنَّ الحرارة السّاخنة ستمنع تكاثره وتلعن سلّاف سلّافه . بيدَ أنّي تذكّرتُ أنَّ الحجرَ الصحّي المفروض لن يسمحَ لي بالخروج إلى النّادي،  ولا أملكُ في بيتي سوى مجفّف الشّعر وجهازٍ كهربائيٍّ صغيرٍ للبخار يكفي لشخصٍ واحدٍ كنتُ أحتفظُ به لأطفالي الصّغار عندما يصابون بنزلةٍ صدريّةٍ أو أنفلونزا بسبب تقلّبِ الطّقس. بحثتُ عنه في الدّواليب والمخازن، لأجدهُ بعد عناءٍ شديدٍ، لكنّنا نحتاجُ إلى المزيد من أجل العائلة وسوف نحاول أن نستخدمه بالتّناوب .

أمّا عن وصفة الغرغرة بالماء الفاتر المالح، وصفة  الفقير هذه، فقد اعتدنا عليها منذ الصّغر، ونستخدمها لتطهير الفم من الجراثيم في حال عدم توفّر المعقّمات الأخرى، لكنّها حازت اهتمامنا بسبب الفيروس اللعين. لقد قمتُ بتطبيقها مراراً وتكراراً، ومن كثرةِ الغرغرة، ارتفع ضغطي وزاد عطشي  ولم أعد أتذوّقُ طعم الأكل  وبدأت بقعٌ حمراءُ اللّونُ تظهر في سقف حلقي لأتضوّع ألماً كلّما تناولتُ شيئاً...

راودتني فكرةُ استخدام طنجرة البخار!

وكان لابدَّ من الحصول على استثناءٍ يخوّلني دخول الحرمِ المطبخيّ مرّةً ثانيةً باعتبار أنّ الوضع في غاية الأهميّة وقد يشكّل تعذّر وجود البديل خطراً قاتلاً، فتوجّهتُ نحوَ طنجرة البخار،ِ وملأتُها بالماءِ، وأغلقتُها بإحكام ٍ، وقمتُ بإزالة الصفّارة من أعلاها، ووضعتُ خرطوم النّرجيلة من طرفٍ ومن الطّرف الآخر أحكمته بقارورةِ ماءٍ من البلاستيك شطرتها إلى نصفين، وبدأتُ أستنشقُ البخارَ من الطنجرة. كانت النّارُ عاليةً فلم أنتبه لذلكَ، بل كنتُ أستنشقُ البخارَ، وفجأةً ارتفعَ الصّفيرُ، واندفعتِ المياهُ السّاخنةُ وطار غطاءُ طنجرة البخار، وتصبّبَ الماءُ المغليّ منسكباً عليّ ممّا تسبّب بحروقٍ في وجهي وفمي وصدري، فهرعتُ إلى الحمّامِ أصرخُ من الألمِ، وسقطت في بانيو الحمّام وأنا أفتح المياه الباردة لتخفيف الوجع وآلام الحروق .

ومازلتُ طريحَ الفراشِ لا أقوى على الحراكِ أو حتّى إظهار وجهي لأحدٍ، وفشل العلاج فشلاً ذريعاً...

النّصيحة السّادسة: التّوابل الهنديّة خيرُ دواءٍ لكلِّ داءٍ

تشتهرُ الهندُ بالتّوابل المتنوّعةِ التي تضيفُ نكهةً مميّزةً للأطباقِ المتنوّعة اللّذيذة، ونطلِقُ عليها في عالمنا العربيّ (بهارات) وقد جاءت هذه التّسميةُ من خلال  التّبادل التجاريّ بين الهنود والتّجار العرب وتيمُّناً بمصدرها الأصليّ  (الهند)  والتي تعني بهارات باللّغة الهنديّة. بيدَ أنّ المشكلةَ الأساسيّةَ تكمنُ في أنّ الكثيرَ من زوّار شبه القارّةِ والمقيمين الأجانب يشكون من كثرة الفلفل الحارِّ بالطّعام، ويعانون من مشاكل معويّةٍ جراءَ ذلك، وهذه الشّكوى الأساسيّةُ لكل مقيمٍ أجنبيٍّ خصوصاً من الطّلبة والسيّاح، والقلّةُ القليلةُ بينهم من يتمتّعُ بالتّوابل الهنديّة، وإنّي لأشعرُ بارتياحٍ عظيمٍ لمن يتأقلمُ بسرعةٍ مع الأطباقِ الهنديّةِ الحارّةِ، وهذا يسهّلُ عليَّ عناءَ البحثِ عن مطعمٍ لا يقدِّمُ أطباقاً حارّةً لدعوة صديقٍ زائرٍ. وفي أحيانٍ كثيرةٍ نذهبُ إلى المطعم وأُقنعُ ضيفي بأنَّ هذا المطعم بالذّاتِ لا يقدّمُ طبقاً حارّاً، وأختار لهُ أصنافاً من الأطباقِ المشويّةِ والبرياني والعدس الأسود (دال ماخني) وخبز التنوّر، وأؤكّدُ على النّادل ألا يضع توابلَ حارّةً على الإطلاق، وأتقصّدُ أن يسمعَ ضيفي ذلك حتى لا يظنَّ أنّي قد غدرتُ به، ويقول (لا معليش خليه حادّ خفيف مو مشكلة)... وما إن يحضرَ الطّعامُ، ويتذوّق أوّل لقمةٍ، حتّى يشكو الضّيفُ من الطّعام الحارِّ، ويقولَ: (هذا عالخفيف كيف لو كان مثل ما بياكلوا؟!) ويكتفي الضّيفُ بتناولِ خبز التنوّرِ مع لبنٍ صافٍ، وأشعرُ بخيبةِ أملٍ لأنّهُ هدر هذه الأطباقَ الشهيّةَ، وأعتذرُ لهُ، فيردُّ قائلاً: (لا عليك لقد قلت له ضع  قليلاً من البهارات). وأتناول الطّعام لوحدي  قدر ما استطعتُ وأقرمش خبز التنوّر والبصل المفلفل الذي أعصر عليه اللّيمون وهو يمتعضُ ويرمقني بنظراتٍ جانبيّةٍ  يكاد يفترسني بها، ومن المؤكّد أنه أشبعني مسّباتٍ في قرارة نفسهِ...

وفي الوقت الذي يجتاح فيهِ وباء فيروس كورونا (كوفيد19) الكرةَ الأرضيّةَ، دبَّ الهلعُ والرّعبُ في نفوس البشريّةِ جمعاءَ، والتزمَ الملايين من الأشخاص منازلهم خوفاً على حياتهم، منهم من فعلَ ذلكَ طوعاً، ومنهم من التزمَ قسريّاً بعد قراراتِ معظم حكومات العالم بالالتزام بالبيت للحدِّ من الانتشار. ولا يقلُّ الوضع في جنوب آسيا سوءاً، لكنّهُ مايزال تحت السيطرة .

ويتساءلُ الكثيرُ عن سبب المناعةِ في الهندِ من الأمراضِ، إذ عزا البعض ذلك للتوابل الحارّةِ التي تساعد على زيادة المناعة ضدّ البكتيريا والفيروسات وغيرها وقد يكون فيها الدّواء!

وهنا كان لا بدَّ من البحث عن وصفةٍ هنديّةٍ بناءً على النّصائح الكثيرة التي وصلتني عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ. وبما أنّني مقيمٌ في الهند، استشارني العديدُ من الأصدقاء وناشدوني بمدّهم بهذه الوصفة الهنديّةِ العجيبة وكيفيّة تحضيرها؛ ولأنّني لست خبيرَ توابلٍ أو طبيب أعشابٍ، كان لا بدَّ من الاستعانةِ بنفرٍ صديقٍ. طبعاً، هناك العديدُ من الجيران بالقرب من منزلي ينحدرون من ولاية كيرالا الجنوبيّة وتاميل نادو والبنغال والبنجاب، ووقع اختياري على العائلة من ولاية كيرالا باعتبار أنّها تشتهرُ بجميع أنواع التّوابل وتصدّرُ للدّولِ العربيّةِ. طلبتُ من جاري أن يسأل زوجتهُ عن أسماء النباتاتِ الحارّةِ كي أطلبها من السّوق، وقلت له إنّها لتحضيرِ طبقٍ هنديٍّ حارٍّ، وبسرعة البرق وصلتني الرّسالة مشكوراً، بيدَ أنّهُ أرسلَ لي فلفلاً أحمر من عندهِ، وقال إنّها قويّةٌ وستعجبك في طبختك. وسارعت بإرسالِ الطلبيّةِ إلى  البقّال الذي أرسلها لي بأقصى سرعةٍ، وشملت اليانسون والكمّون والكركم والحبّة السّوداء وجوزة الطيبة والقرنفل ونبات الحلبة والقرفة والزّعفران إضافةً إلى الفليفلة الحمراء والخضراء والبودرة منها والحليب الطازج.

بحثتُ على قناة اليوتيوب عن كيفيّةِ تحضير الوصفة الهنديّة لعلاجِ فيروس كورونا، ووجدت ضالّتي، وقمتُ بتحضير المزيج، فغليتُ الحليبَ وأضفتُ التّوابلَ وأنا أمزجها وفتحت قصاصة الجريدة الصّغيرة التي أرسلَ لي جاري بها فلفل كيرالا، وكانت الرّائحة نفّاذةً للغاية ممّا سبّب لي العطاس المبرّح  حتى ظنَّ جيراني أنّني مصابٌ بالفيروس، فهرعوا لإغلاق النّوافذ على بعد سبعة بيوتٍ مجاورةٍ،  وغطّوا الشّبابيك بالسّتائر. أبعدتُ الفلفلَ عن أنفي وقذفتهُ في الخليط وتركته على نارٍ هادئةٍ لبضع دقائقَ، ومن ثمَّ وضعته جانباً كي يبردَ.

قمتُ بغسيل الأواني، وخرجتُ إلى الشّرفةِ أمارسُ الرّياضةَ وأبتسمُ حتى لا يظنَّ الجيرانُ أنّي مصابٌ، وألقيتُ التحيّةَ على من كان يتلصّصُ من وراء السّتائر عليّ ...

بردَ الخليط وسكبتهُ في كأسٍ كبيرٍ حتى ألعن أبو سلّافه للفيروس، وشربتهُ دفعةً واحدةً دون توقّفٍ كي لا أتضايق من شربه، وكان ماكان. لقد شعرتُ بسيخ نارٍ يخرجُ من فمي ولو كنت تنّيناً صينيّاً لما كان عويلي وصراخي بهذه القوّة، شعرتُ بأنّي سأحرقُ المباني المجاورةَ من شدّة النّار المنبعثة من جوفي، وأعتقد أن حريقاً قد شبَّ عند الجيران بعد ان اشتعلت شجرة الكينا المتاخمة لشباك الشّرفة لمنزلي ...

بدأت أشعرُ بألمٍ شديدٍ في المعدة ومغصٍ، وكأنَّ سكاكين الجزّارينَ تقطِّعُ أحشائي وأنا أصرخُ بصوت عبد الحليم حافظ نار نار... فلفلك نار عم يكوينا ....

بدأت سيولٌ من الدّموعِ تنهمرُ من عينيّ الحمراوين مثل فيضانات  شوارع العاصمة الهنديّةِ في الأمطار الموسميّة الغزيرة ...

لا أدري كم شربت من المياهِ الباردةِ ومكعّبات الثلج والآيس كريم فانيلا وشكولاتة أقضمُ وأبتلعُ (زلط) ولم يخفَّ الألمُ، وأنا أمسح الدّموع بالشراشفِ. كانت تجربةً عصيبةً، ولن أشرح ما حدث لي في اليوم التّالي، ولكنّي بقيتُ سهراناً طيلة اللّيل على أنغام  أغنيةِ الموسيقار الرّاحل ملحم بركات التي يقول فيها وهو يترنحّ على المسرحِ: واواوا ووواه  أووواه أووواه ... أووواه واه واه...  إلى آخرها ... ولحقتها أغنيةٌ بصوت  كوكبِ الشّرق الرّاحلة أم كلثوم، لم أعِ  منها سوى عبارة : غصب عنّي غصب عنّي ...

في الصباح بدأتُ بمتابعة آخر الإحصائيّات في الهند عن عدد المصابين بالفيروس، وارتفاع الخطّ البياني على الرّغم من الإغلاق التامِّ المفروض على البلاد لثلاثة أسابيعَ، ونحن مازلنا في الأسبوع الأوّل وسطَ مخاوف من تمديد فترة الإغلاق التامِّ وفرضه بالقوّة...

وهنا سألتُ نفسي بينما يؤنّبني ضميري ويشمتُ بي عقلي الباطن بالقول : يعني لو كانت البهارات تنفع للوقاية من الفيروس لكانت الهند من الدّول الأولى في صناعة التّحاميل المتبّلةِ وتصديرها لجميع دول العالم، إي تضرب إنت واللي أعطاك الوصفة ...

وكي أقيكم منها، نصيحتي لكم  التزام منازلكم، وألّا تتناولوا هذه الوصفة حتى وإن نزلَ الشفاء بها، وحتّى لو تمَّ تصنيعها طبيّاً على شكل تحاميل أو لزقاتٍ فرنجيّةٍ...

وإلى حين الكشف عن العقار نتقدّم بالشّكر والامتنان ونرفع القبّعات للأطبّاء  والطّاقم الصحيّ في كلِّ مكانٍ  لجهودهم الجبّارة  وتفانيهم في عملهم  في خدمة البشريّة، ونطلب الرّحمة لأرواح أولئك الذين دفعوا حياتهم ثمناً لإنسانيّتهم أثناء تأدية واجبهم المهنيّ ومنهم صديقي وزميل الدّراسة د. غفونت مراديان، الطّبيب السّوري الأرمنيّ ابن القامشليّ خرّيج الهند،  وهو الطّبيب السّوري الثّالث الذي توفّي بالفيروس وهو يعالج المرضى في إيطاليا. ونتضرّعُ إلى الله كي يهدي العلماء ويسرعوا بالكشف عن اللّقاح لإنقاذنا جميعاً...

يقول علماءُ النّفس :"عندما تركّز على المشكلة سوف تزيد المشاكل، ولكن عندما تركّز على الاحتمالات فسوف يتوفر لك المزيد من الفرص للحلّ".

لقد وصلتني رسالةٌ صباحيّةٌ من أخي وأنا أختتم المقالة ، في هذه اللّحظة، أغنيةً للسيّدة فيروز تقول كلماتها : عندي ثقة فيك ...عندي أمل فيك... بيكفي.، شو بدك يعني يكون فيك أكثر؟ معقول في أكثر! ...

لذااااا

سوف أزوّدكم بالمزيد من الاحتمالات، وإلى حين  خوض تجربةٍ بوصفةٍ جديدةٍ، الزم بيتك من أجلنا جميعاً...

 وللقصّة تتمّةٌ ...

                                                    الدكتور وائل عوّاد              

                                            كاتب وصحفي سوري مقيم في الهند

 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.