تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

د. وائل عواد يكتب من الهند عن كورونا و يوميّات قنّاص كركرونا (دغدغونا) - 1 -

مصدر الصورة
خاص

 سألني أحدُ الأصدقاء قبل أزمة  عصر كورونا: ترسلُ الكثيرَ من الفيديوهات والمقالات، فهل لديك الوقت لمطالعتها ومشاهدتها؟ وكنتُ صريحاً معه بالإجابة بأنّني لا أشاهد معظم الفيديوهات، بل مقاطع منها لثوانٍ لأشارك بها الآخرين، أمّا المقالات القيّمة فأطالعها وأبحث في مصداقيّتها ودقّتها قبل المشاركة إذا كان الأمر يتعلّق بمقالةٍ قيّمةٍ أو دراسةٍ تستحقُّ الاهتمام. ولكنّنا في بعض الاحيان نقعُ بالخطأ دون قصدٍ ونرسلُ، وقد حصل معي ذات مرّةٍ أن أرسلتُ مقطعاً صغيراً لفيديو عن قنّاصٍ لم أكمله وأرسلتهُ إلى مسؤولٍ كبيرٍ لأوّل مرّةٍ، وفي وقت فراغي قمتُ بمشاهدةِ المقطع بالكامل وهنا كانت الكارثة، فاعتذرتُ للمسؤول وعملت حظراً على رقمه وقرّرت ألّا أفعلها ثانيةً وألا أرسل قبل مشاهدةِ المقطع بالكامل.

وبما أنّنا في عصر الحجرِ الصحيّ في المنازل، ولا أخفيكم سرّاً، فقد وجدتُ الوقت الكافي الآن للاطّلاع والتّعليق والمشاركة والهيصة والميصة والتهريج، هذا في بداية الحجر، ونلتمسُ سترَ الله من الآخرة.

ومن كثرةِ ما قرأتُ من تعليقاتٍ على أبو روس هالفيروس السّاقط ونصائح طبيّةٍ وتعليقات مذيعين، والجميعُ خبيرٌ وخميرٌ عالآخر، لذلك قرّرتُ أن أطبّق البعض منها لعلَّ وعسى، لا ندري، ربّما كان بها الدّواء، وقد ذكّرني هذا بقصّة أشعب حين كان جالساً على الطّريق، وسأله أحد المارّة عن سبب تجمّع النّاس هناك، فقال إنّهم يوزّعون الطّعام، ولاحظ أشعب أنّ العدد بدأ يزدادُ واصطفّت الجماهير بانتظار دورها وهنا بدأ يصدّقُ كذبته، ووقف معهم على الدّور لربّما حدثَ ذلك حقّاً وأكلَ نصيبه من الطّعام المجانيّ ...

ولمّا كانت النّصائح كثيرةً، ولن يتسنّى لي تجميعها في يومٍ واحدٍ، قرّرتُ العملَ بها حبّةً حبّةً.

النّصيحة الأولى : الماء السّاخن

من النّصائح التي أثارت اهتمامي شربُ الماء السّاخن وأنّ الماء السّاخن يقتلُ الفيروس الذي وجد طريقَه إلى الفم أو بينما هو ملتصقٌ بالبلعوم لعدّةِ ساعاتٍ حاليّاً، وبذلك تقضي المياه السّاخنة عليه. طبعاً، لمعلوماتكم، فإنّ هذه المعلومة لم أدرسها في قسم التّشريح ولا حتّى في قسم التّخدير والعناية المشدّدة والذي هو اختصاصي، ولكن ربّما تغيّرت الأحوال، ويترتّبُ عليّ الإسراع بالعلاج الحتميّ لأنقذ روحي ...لذا بدأت منذ أوّل يومٍ  بتطبيق  التّعليمات الصحيّة، وتوجّهت إلى مادّة المتّة من الأرجنيتن ودول أمريكا اللّاتينيّة،  وهي مشروبي الصباحيّ المفضّل منذ أن وعيتُ على الدنيا ...

و بعد أن كنت أحتسي كأس متّةٍ باليوم، صرت أشربُ ثلاث كؤوسٍ، وكلُّ كأسٍ معه إبريقين من المياه السّاخنة كي لا أتركَ مجالاً  للفيروس ليعيش في بلعومي، وكنتُ أمطرُه بالمياه السّاخنة التي ستقوده إلى مثواه الأخير ليحترقَ بأسيد المعدة . وكانت النتيجةُ ان أتردّدَ إلى الحمّام بشكلٍ غير طبيعيٍّ للتبوّل، وبدأت بالرّياضة من المكتب إلى المرحاض مثل خيط المكّوك، رايح جاي ...

وبما أنّني خبيرٌ في رياضة اليوغا، قرّرتُ أن أجتهدَ من عندي، إذ تعلّمتُ رياضة اليوغا لسنتين متتاليتين، وتدرّبتُ على إدخالِ الماءِ من فتحة أنفي اليمنى وإخراجهِ من الفوّهة اليسرى للأنف، ولهذا  قرّرتُ أن  أُجرّبَ بالماء السّاخن وأصبَّ الماء السّاخن من  إبريق المتّة باعتبار أنّ هذه الفيروسات تختفي وراء الغشاء المخاطيّ والشعر، ولابدَّ من إجراءاتٍ إضافيّةٍ للقضاء عليها، إذ لم يتبقّ المزيد من الوقت ...

وبالطّبعِ، أدخلتُ الإبريق إلى الحمّام ولم أخبر أحداً من أفرادِ العائلةِ، وبدأتُ بصبِّ الماء ولسوء حظّي كانت فوّهة الإبريق كبيرةً، ولأنّي خبيرٌ بالعناية المشدّدة في إدخال الأنابيب إلى صدر المريض أثناء العمليّات الجراحيّة، فقد وقعت  الكارثة هنا إذ احترقَ أنفي من الدّاخل والخارج وبدأتُ أسعلُ بجنونٍ، وخرجتُ من الحمّام وانا أصرخُ من الألم باحثاً عن قطعة ثلجٍ أخفّفُ بها الحروق والألم وأنا أشاهد أنفي قد تمَّ سلقهُ بالماء السّاخن وأصبح وردي اللون مثل الشمندر ويصلح تناوله برغيف خبزٍ كسندويشةٍ مقرمشةٍ...

النصيحة الثّانية : الكمّامات

ممّا لا شكّ فيه بأنّها ضروريّةٌ وتقي المرءَ من الإصابة بالعدوى من شخصٍ مريضٍ، وإذا كُنتَ كثير الخروج من المنزلِ فما عليك سوى وضعها على وجهك لتغطّي أنفك وفمك. وطبعاً مازلتُ أحتفظُ ببعض الكمّامات الطبيّة من خلال عملي في المشافي الحكوميّة وبالذّات قسم العناية المشدّدة. قمتُ بتوزيع الكمّاماتِ على أفراد عائلتي، ولكنّها لم تكن مُرضيةً فهناك كمّاماتٌ على موقع الأمازون أفضل وأحسن بما أنّها غالية الثّمن مقارنةً بكمّاماتي المجانيّةِ الباليةِ ...

ومن خلال متابعتي للفيديوهات وشاشات التّلفاز وكيفيّة لبس الكمّامات، بدأت أشكُّ بخبرتي الطبيّةِ، هل أضع اللّون الأبيض من الدّاخل أم الأزرق؟ وخجلتُ أن أناقش أطفالي وقرّرت متابعة الشّاشات والتّعليقات على الكمّامات لأتعلّم من جديدٍ بعد انقطاعٍ طويلٍ عن غرفة العمليّات ...

وصلت كمّاماتٌ صفراءُ اللّون من لندن ون -95  بفتحة تهوية،ٍ ربّما هي مخصّصةٌ للشعب العربيّ باعتبار أنّهم يحتاجون فتحةً للتّدخين ونفَسِ النرجيلة ...وكنت محتاراً ماذا أرتدي  من الكمّامات، وأيّ لونٍ منها الزرقاء أم الخضراء أم البيضاء أو الصفراء أو حتّى السّوداء؟  أردتُ تقليد الملكة إليزابيث التي ارتدت جميع الألوان  حسب الفترة التاريخيّة للوباء، فوضعت جميع أنواع  الكمّامات في جيبي باعتبار أنّ العاصمةَ مزدحمةٌ، ونزلتُ  لتغطيةِ الأحداث في العاصمة الهندية حيث أنا موجود . كان المنظرُ مرعباً على الحدود مع دلهي للولايات الثّانية حيث تجمّع  الآلاف من العمّال الذين كانوا يحاولون العبور للعودة إلى قراهم مشياً على الأقدام. عُدت سريعاً إلى المنزل وأنا أضع جميع الكمّامات على وجهي خوفاً من العدوى؛ وعندما دخلت البيتَ، تمّ تجريدي من كافّة الألبسة مع إبقاء الحذاء خارج المنزل، وأُلقيَ بالثّياب في الغسّالة بعد بخّها ورشّها بمعقّماتٍ ومبيداتٍ للحشرات والباكتيريا، وكأنّني عشّ دبابيرٍ، حتّى أوشكتُ على الإغماء. ودخلتُ الحمّام، وكانت علامات المطّاط المتنوعِ للكمّامات  ظاهرةً على وجهي، وقد رسمت خطوطاً حمراء وسوداء محقنةً بدماء الوجه والغبار بشكلٍ مخيفٍ. ولم يصدّقني أحدٌ من أفراد عائلتي أنّه بسبب الكمّامات، وقالوا ربّما أنّني تعرّضتُ لضربةٍ طائشةٍ من هراوة شرطيٍّ هنديٍّ يفرضُ حظر التّجوال بالقوّة. ولم يسمحوا لي بعدها بالخروج من المنزل، فاكتفيتُ بالتزامِ الحجر الصحيّ والعمل من البيت  تحت شعار (خليك بالبيت الله يخليك ومافي حاجة للكمامات)  ....

النّصيحة الثالثة أكل الثّوم والبصل

في حوارٍ مع قناة روسيا اليوم في برنامج (اسأل أكثر) حول أصل الفيروس فيما إذا كان أمريكيّاً ام صينيّاً ، وفي سؤالٍ عن دور الدّول العربيّة في معالجة والكشف عن مصلٍ للفيروس، تطرّقتُ بسخريةٍ  إلى أنّنا، نحن العرب، مشغولونَ بالعلاج بالثّوم والبصل بينما ينفقُ العالمُ مليارات الدولارات للكشف العلميّ عن لقاحٍ لهذا الوباء. وكان عدد المتابعين للحلقة قد تجاوز المليون مشاهدٍ وحصدَت مئاتِ التّعليقات من المشاهدين. وبما أنّني محجورٌ، فقد بدأتُ بقراءتها. ومن بين التّعليقات الظّريفة، لفتَ انتباهي تعليقُ أحدهم بإلقاء اللّوم عليّ  ونَعتي بالجهل حول فوائد الثوم والبصل، ولم أقبل ذلك، بل تأثّرتُ بشكلٍ كبيرٍ، وشعرتُ بتأنيب الضمير لقناعته بأنّني استهزأتُ بهاتين النبتتين، وأنا ابن فلّاحٍ وابن مدينة السَّلَميّة في سورية الشهيرة بزراعة البصل السلمونيّ، وثمّة معملٌ لتجفيف البصل فيها! وبالمناسبة ففي بلدتي يتغزّلُ العاشق بالقول لعشيقته (يا بصلة حياتي) بدلاً من ( يا تفّاحة حياتي)ِ ...

ولذا قرّرتُ العودةَ للجذور والبحثِ عن فوائد الثوم والبصل، فقد يكون فيها منالنا المنشود، وأحصل على حقّ براءة الاختراع باكتشاف اللّقاح .اشتريت عشرة كيلوغراماتٍ من الثّوم والبصل، وتجرّأتُ بدخول الحرم المطبخيّ على الرّغم من خطورة التّعدي على قدسيّات الزّوجة، ولكن كما تعلمون الظرفُ طارئٌ ويتطلّبُ جهوداً مشتركةً للكشف عن العلاج المنشود. وكان شرطُ الزّوجة الوحيدُ هو أن أقوم بتنظيفِ المطبخ وغسل الأواني التي سأستخدمها في هذه الخلطة العجيبة ...

 ابتلعتُ فصّين من الثّوم من القطرميز الذي اشتريته من الصيدليّة، وبدأتُ بتقشير البصل والثّوم، وابتعدَ جميع أفراد العائلة عن حقل تجاربي،  وتفرّغت للتّجربة المطبخيّةِ، وأخذتُ بالتّقطيع، وقمت بقضم رأس ثومٍ طازجةٍ، فشعرت بسيخ نارٍ في فمي قذفتهُ للمعدة بكأس ماءٍ فاترٍ مع اللّيمون، والدّموع تملأ عينيَّ، وأتصوّرُ أنّ ربّاتِ البيوت  يتعاطفن معي في هذه الّلحظات المأساويّةِ. وضعتُ المزيجَ في الخلّاط، وأضفتُ الملح والقليل من زيت زيتون وليمونتين مع ملعقةٍ من خلِّ التفّاحِ، وجهّزتُ الخليطَ وأفرغته في القطرميز (الوعاء الزجاجي)...

طبعاً، لابدّ من أن نَذكرَ هنا بأنّ عملية غسل الأواني والملاعقِ والخلّاط وكلّ ما استخدمتُ وطرطشتُ عليه (رشرشت)، كانت أقسى وأصعبَ من التّجربة المخبريّة المطبخيّة، إذ سمحت لي زوجتي باستخدام الماء السّاخن للجلي وتنظيف بلاط المطبخ،  وقمتُ بتشغيل  المروحة السقفيّةِ ومروحة الشّفط وشطفتُ المطبخ ومسحتهُ، بينما رقدَ الخليطُ في القطرميز بعدَ أن رفض أفراد العائلةِ تناول الوصفة العجيبة، وقمت بتناول ملعقتين دفعةً واحدةً حتى أقضي على "أخو الشليتة" ، الفيروس، وتمّت معاقبتي بعزلي في غرفتي طيلة النّهار وامتدّت لساعاتٍ متأخّرةٍ من اللّيل. وتحقّق جزءٌ من الدّواء للدّاء على الأقل، في العزلة الاجتماعيّةِ التامّة، وأنا أتجشّأ بشكلٍ مستمرٍّ طيلةَ اللّيلِ، وانتفخت معدتي  لدرجة أنّني جلستُ على الشّرفةِ لالتقاطِ أنفاسي، وتقدّمتُ بتعهّدٍ لزوجتي بعدم التعدّي ودخول الحرم المطبخيّ ثانيةً ...

سامحكَ الله يا صديقي المعلّق على الحلقة، وأتمنّى ممّن قرأ تأنيبه لي أو ممّن يعرف عنوانه، أن يخبرهُ بأنّني أدعوهُ على حسابي الخاص  لزيارة مدينة ووهان الصينيّة وأقدمُ له القطرميز وخلطة الشّفاء، هديّةً ليتناولَ ملعقةً على شواطئ بحر الصين الجنوبيّ وأتشي أتشي ...يرحمنا ويرحمكم الله .

و لحين أن يكتشف العلماء اللّقاح ويتنفّس الأطبّاء الصّعداء، برضاي عليك التزم البيت وانتظر وصفةً جديدةً  ...

                                                     الدكتور وائل عوّاد

                                             كاتب و صحفي سوري مقيم في الهند

 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.