تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

التخويف وحده لا يكفي

مصدر الصورة
عن الانترنيت

الدعوة التي وجّهها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس الأول الاثنين، بالوقف الفوري لإطلاق النار في جميع أنحاء العالم، والتركيز المشترك على خوض حرب شاملة ضد وباء «كورونا»، ربما تكون تأخرت كثيراً، لكنها رغم ذلك تبقى دعوة مهمة، لكنها في الوقت نفسه تواجه تحديات موضوعية كفيلة بأن تحصرها في إطارها الإنساني، والوعظي الذي لن يجد آذاناً صاغية عند كل هؤلاء الجبابرة الذين يتكسّبون من تلك الحروب، والصراعات الدامية التي تكاد تنحصر في نصف الكرة الجنوبي، أي عند الشعوب التي سبق أن عانت استنزاف ثرواتها، وما زالت تعاني، ابتداءً من عصر الاستعمار القديم وصولاً إلى عصر الاستعمار الجديد الذي نعيشه منذ أكثر من خمسة عقود، في ظل «صراعات الهيمنة» بين القوى الكبرى التي لم تكتف باستنزاف سابق لثروات شعوب عالم الجنوب الذي يعانى الفقر، والتخلف، والتبعية، ولكنها تمعن في التنكيل المزدوج في هذه الشعوب، بتوجيه ثرواتها المحدودة لشراء الأسلحة من الكبار أولاً، ثم بدفع الأثمان الباهظة من أرواح شعوبها التي تسقط ضحية تلك الحروب.

من الضروري أن يعطي الأمين العام للأمم المتحدة أولوية للبحث عن إجابات لثلاثة أسئلة مهمة، نظراً لأن منهاجية التخويف والترويع التي تعتمدها حالياً معظم الحكومات من مخاطر تفشي الوباء بسرعات رهيبة أمام عجز الإمكانات في أغنى دول العالم وأكثرها تقدماً، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والدول الأوروبية الكبرى: فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وكلها دخلت، فعلياً، مرحلة الخطر، أو «ذروة الخطر» من الوباء، لن تأتي بأية نتائج مأمولة في ظل بقاء الأوضاع على ما هي عليه، أي بقاء منظومة إدارة السياسات داخل الدول، ومنظومة إدارة العلاقات بين الدول على ما هي عليه.

أول هذه الأسئلة يتعلق بتلك الحروب والصراعات المتفجرة في كثير من دول عالم الجنوب، وفي القلب منها عالمنا العربي، هو تحديد مسؤولية تفجر واستمرار تلك الحروب، لأن الإجابة عن هذا السؤال، بالضوابط والجدية اللازمة، هي التي ستجيب أولاً عن سؤال: هل يمكن وقف هذه الحروب والصراعات، أم لا؟ لكن السؤال الأخطر والأهم هو: كيف سيكون مآل هذه الصراعات والحروب بعد انكشاف غُمة وباء كورونا؟ بوضوح أكثر: كيف سيكون حال الدول التي تواجه هذه الصراعات والحروب بعد التخلص نهائياً، عاجلاً أم آجلاً، من هذا الوباء؟ أهمية السؤال تزداد إذا أخذنا في الاعتبار أن هذه الدول، وبسبب تلك الحروب والصراعات، تفتقد المؤسسات الصحية الضرورية، فضلاً عن أنها تفتقد الموارد والثروات التي يمكن بها توفير الأجهزة الطبية لمواجهة الوباء، ما يعنى أنها، بعد انتهاء نكبة الوباء، ستكون في أوضاع مأساوية، أو بالأحرى، أشد مأساوية، وهذا أمر يستلزم التفكير فيه، والاستعداد له من الآن من جانب الأمين العام للأمم المتحدة، والمنظمة الدولية، والعالم كله.

السؤال الثاني، حسم الإجابة عن السؤال المحوري: هل فيروس كورونا فيروس عشوائي فرض نفسه من دون أي تدخل من أي طرف، أم أنه ابن شرعي لحرب التدمير الشامل البيولوجية، وأنه وليد الصراع على الزعامة الدولية؟

السؤال مهم في ظل الكم الهائل من الكتابات، والفيديوهات، والاتهامات المتبادلة التي تؤكد أن الفيروس جرى تصنيعه من جانب طرف دولي، أو أكثر بشكل مشترك، لتدمير أطراف أخرى بعينها، لكن شاءت الأقدار أن يتحول انتشاره إلى وباء عالمي. والأمم المتحدة يجب أن تكون مستعدة من الآن لحسم الإجابة عن هذه الأسئلة الخطيرة، لأن ما يحدث الآن هو جريمة ضد البشرية جمعاء، يجب ألا تمر من دون محاسبة، وعقاب، وهذه من الآن مسؤولية الأمم المتحدة، ووكالاتها المتخصصة، وبالتحديد منظمة الصحة العالمية، ومحكمة العدل الدولية، والمنظمة الدولية لحقوق الإنسان.

والسؤال الثالث الذي يجب أن يشغل الأمين العام، وغيره من قادة المنظمات الدولية، ومراكز البحوث والدراسات والجامعات، والأكاديميات العلمية، هو: كيف سيكون النظام العالمي بعد انتهاء غُمة الوباء من ناحية هيكليته، ومن ناحية منظومته القيمية؟

أي، هل ستحل قوى عالمية كبرى جديدة محل القوى المسيطرة الآن، في ضوء قدراتها على مواجهة الوباء والانتصار عليه، أمام عجز قوى أخرى فقدت قدرتها على حماية شعبها، وفقدت قدراتها الزعامية؟ هنا تتجه الأنظار نحو الصين كقوة صاعدة، ونحو الولايات المتحدة كقوة تتجه إلى الأفول، أم أن النكبة العالمية ستفرض منظومة بديلة من القيم الأفضل التي يأملها الأمين العام والتي تحدث بها في كلمته المشار إليها، أول أمس الاثنين، في مقر الأمم المتحدة، في مدينة نيويورك التي تتصدر ذروة الوباء الآن في الولايات المتحدة، بشهادة رئيس بلديتها «بيل دى بلاسيو»، يوم الأحد الماضي، بقوله إن «مستشفيات المدينة على وشك الانهيار»، وفضحه للأنانية المطلقة، وغياب التوحد القومي في مواجهة الوباء، بقوله إن «ولاية نيويورك بحاجة إلى 30 ألف جهاز تنفس، يمكن أن تكلف كل منها ما يصل إلى 40 ألف دولار»، ومعرباً عن أسفه إزاء «تنافس الولايات (الأمريكية) فيما بينها لشراء تلك الأجهزة».

الإجابة عن هذه الأسئلة الكبرى الثلاثة هي التي يمكن أن تنقذ العالم، وتوفر له حبل الرجاء في مستقبل أفضل بعد انقشاع غمة الوباء، لأن التخويف وحده من هذا الوباء لن يقدم الرجاء الذي تأمله البشرية الآن.

د. محمد السعيد إدريس

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.