تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

كيفية الحفاظ على النظام العالمي

مصدر الصورة
عن الانترنيت

إميل أفدالياني *

أي محاولة للحفاظ على النظام العالمي من دون تعاون الصين لن تعمّر طويلاً.

مع صعود الصين، وتزايد المتاعب التي يعانيها الغرب، بات النظام العالمي الحالي في حالة من التغير المستمرّ. ولتحقيق الاستقرار فيه، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز تحالفاتها عبْرَ منطقة أوراسيا، ووضع خطط اقتصادية، والعمل مع الصّينيّين عن كثب. وسوف يكون استبعاد الصّين ضارّاً، ولكن منحها تنازلات كبيرة محفوف بالمخاطر أيضاً. وسيحتاج الدبلوماسيون الغربيون والصينيون إلى إيجاد حلٍّ وسط إذا كانوا يريدون أن يكونوا أنجح من سابقيهم في فترات أخرى من التاريخ.

يعتقد كثيرون في الغرب أنّ نهوض الصين الاقتصادي يشير إلى أن بكين تعمل في الخفاء على ريادة نظام عالمي جديد، تغيَّرت فيه موازين القوى.

وفي كثير من الحالات من العصور القديمة والوسطى، كان صعود قوة جديدة، يحدُث بمساعدة عوامل عديدة مثل الركود، والتراجع التدريجي، والمواجهة العسكرية بين مختلف القوى القائمة.

وعلى سبيل المثال، كانت الولايات المتحدة قوية بالفعل في أوائل القرن العشرين، ولكنّ الاقتتال الداخلي خلال الحربيْن العالميّتيْن بين القوى الأوروبية، هو الذي هدَم صرْح النظام العالمي بقيادة أوروبا، ومهَّد السبيل أمام الهيمنة الأمريكية.

ولكن على الرغم من إمكانية تحديد الرياح المتغيّرة للنظام العالمي من خلال أساليب تحليلية مختلفة، فإنّ من الأصعب بكثير، العثور على طرق للحفاظ على نظام قائم. ويتطلب الأمر كوكبة حاشدةً من القادة اللامعين من الأطراف المتنافسة، لإدراك فداحةِ الخطر الذي يشكله التغيير الجذري، واتخاذ إجراءاتٍ معاً لتهدئة التوترات.

والسؤال الرئيسي الذي يجب طرحه هو: هل لا يزال الغرب يملك الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية اللازمة لدعم النظام العالمي القائم، وعدم السماح له بالانزلاق في الفوضى، كما فعل قادة العالم عن طريق الخطأ في النصف الأول من القرن العشرين؟

ومن الشائع أن تؤدي التحديات التي يواجهها النظام العالمي إلى مواجهة عسكرية مباشرة. وكان التقاعس عن التّواؤم مع ألمانيا في أوائل القرن العشرين، أحد العوامل التي قادت إلى الحرب العالمية الأولى، كما أنّ الدبلوماسية الخاطئة في معاهدة فرساي أدّت جزئياً إلى الحرب العالمية الثانية. والقائمة تطول.

ويُمثل صعود الصين إلى السلطة حالة أخرى للدراسة. فالصّين تستعدُّ لتصبح لاعباً قوياً في السياسة العالمية، بفضل صعودها الاقتصادي، وتطوّرها العسكري المتزامن. وتوجد لدى بكين ضرورات استراتيجية تتصادم مع ضرورات الولايات المتحدة. فهي في حاجة إلى تأمين موارد النفط والغاز، المتاحة بسهولة أكبر حالياً، عبْر مضيق «ملَقا». وفي عصر الهيمنة البحرية الأمريكية، يجب على الصين إعادة توجيه اعتماد اقتصادها، وكذلك طرق إمداداتها، إلى أماكن أخرى.

وهذا هو الدافع الرئيسي الذي يقف وراء مبادرة الحزام والطريق، التي تبلغ كلفتها نحو تريليون دولار، والتي يُقصَد منها إعادة ربط منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بأوروبا عبْر روسيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وفي الوقت ذاته، يوجد لدى بكين طموح متزايد لإحباط الهيمنة البحرية الأمريكية قبالة السواحل الصينية.

وفي ضوء هذه العوامل، لا مناصَ من زيادة الشكوك المتبادلة بين بكين وواشنطن، على مدى السنوات والعقود القادمة.

وهكذا نجد أنفسنا في خضمّ نظام عالميّ متغير. ولكنّ الأشدّ إثارةً للاهتمام، هو ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة (أو الغرب بشكل جماعي) لإنقاذ النظام الحالي.

من جانب الولايات المتحدة، يمكن أن يساعد تعزيز أنظمة التحالف القائم بقيادة الولايات المتحدة مع دول الشرق الأوسط ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، للاحتفاظ بالنفوذ الأمريكي في أوراسيا.

وثمة إجراء قوي آخر لتوطيد النظام العالمي الحالي، وهو زيادة التواجد الاقتصادي لواشنطن عبْر منطقة أوراسيا.

ولكنْ بصرف النظر عن التحركات الاقتصادية والعسكرية التي تتخذها الولايات المتحدة تجاه الحلفاء، فإنّ أي محاولة للحفاظ على النظام العالمي الحالي، من دون تعاون الصين، لن تعمّر طويلاً.

ومن دون إدراج الصين في النظام العالمي، لا يمكن وضع التدابير لظروف أمنية معقولة. ولكي يتسنى الحفاظ على النظام العالمي، يجب أن يكون متلائماً مع التحديات الصاعدة، والفرص الجديدة.

المطلوب وسيلةٌ تسمح للصين بالمشاركة في نظام عالمي معدّل، يجري فيه تأمين بعض مصالحها. ذلك فقط، سيزيد من فرص الأمن طويل الأمد في أوراسيا.

* عمِل في العديد من شركات الاستشارات الدولية

موقع: «يورآسيا ريفيو»

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.