تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هزيمة استراتيجية

مصدر الصورة
عن الانترنيت

سوف يتوقف الخبراء العسكريون ومراكز الأبحاث العالمية مطولاً أمام نتائج الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان بعد توقيع اتفاق خفض العنف بين الولايات المتحدة وحركة طالبان أواخر الشهر الحالي، الذي يمهد لانسحاب القوات الأمريكية والأطلسية بعد 19 عاماً على غزو هذا البلد.

فالولايات المتحدة التي بدأت الغزو في السابع من تشرين الأول 2001 لاجتثاث تنظيم القاعدة عقاباً له على تفجيري نيويورك، وجدت نفسها خلال عقدين عاجزة عن تحقيق انتصار حاسم، بعد خسائر بشرية ومادية تفوق كل الحسابات، إضافة إلى فشل استراتيجي في تحقيق أي هدف من أهداف الغزو؛ فلا «القاعدة» انتهى أمره، ولا «طالبان» التي أطيح بها من السلطة بسقوط كابول بعد شهر من الغزو، أمكن هزيمتها، ولا الديمقراطية لاقت نصيبها من النجاح، ولا عملية إعادة الإعمار التي أنفقت من أجلها مليارات الدولارات ظهر أثرها على الأرض.

كانت الولايات المتحدة تحاول خلال السنوات الأخيرة البحث عن مخرج مشرّف يوقف النزف البشري والمادي لقواتها، ويخرجها من مستنقع مكلف جداً شبيه بالخروج المخزي للقوات السوفييتية عام 1989، فأقامت شكلاً من أشكال المفاوضات السرية مع حركة طالبان بواسطة أطراف ثالثة، ثم انخرطت بمفاوضات علنية متنقلة، لعلها تتوصل إلى اتفاق معها، يوفر لها غطاء للانسحاب، إلا أنها في كل مرة كانت تواجه بشروط صعبة من جانب الحركة تعتبر الموافقة عليها بمثابة إعلان لهزيمتها.

كان عدد القوات الأمريكية والأطلسية في أفغانستان في عهد الرئيس جورج بوش قد تجاوز المئة ألف جندي، وعندما انتهت ولايته، كانت حركة طالبان تسيطر على أكثر من نصف البلاد، وتشن هجمات على العاصمة كابول. ومع وصول باراك أوباما إلى السلطة وعد بالانسحاب من أفغانستان، بعدما أدرك استحالة تحقيق نصر عسكري هناك، مع مواصلة النزف العسكري والمادي الأمريكي من دون أية نتيجة.

ثم بدأ تقليص التواجد العسكري إثر بدء المفاوضات مع «طالبان» لعل ذلك يقنع الحركة بجدية الولايات المتحدة في الانسحاب، وبالتالي تخفف من سقف شروطها، حيث يبلغ الآن عدد القوات الأمريكية والأطلسية نحو 16 ألف جندي.

هناك سبعة أيام لاختبار نجاح خفض العنف بعد توقيع الاتفاق، وبعدها يصار إلى تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية ومباشرة العملية السياسية للتوصل إلى تسوية للحكم تكون حركة طالبان ممثلة أساسية فيه.

إذا كان ما تحقق حتى الآن يعتبر فشلًا استراتيجياً مهيناً للولايات المتحدة، فإن آفاق ما بعد الاتفاق لا تبدو مطمئنة، لأن القوى الأفغانية تواجه امتحاناً صعباً هي الأخرى، ف«طالبان» التي ستصل إلى كابول منتصرة، سوف تعمد إلى تطبيق سياسات تتناقض مع تلك المطبقة حالياً من جانب حكومة الرئيس أشرف غني باعتبارها الطرف المنتصر، كما أن الحرية الدينية والسياسية المعقولة في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة قد تتعرض للقمع والتطرف، ما ينذر بتفجر صراع داخلي سياسي وقبلي على مثال ما حصل بعد الانسحاب السوفييتي.

مصدر الخبر
افتتاحية الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.