تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أوروبا وبريطانيا بعد «بريكست»

مصدر الصورة
عن الانترنيت

د. غسان العزي

المفاوضات التي تبدأ حول هذه العلاقة الجديدة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ستكون شديدة التعقيد وستعاني صعوبات جمة كونها تحمل رهانات كبرى

بعد حوالي نصف قرن من «المساكنة» حصل الانفصال بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي اللذين عليهما الآن التوصل إلى بناء علاقة جديدة عبر مفاوضات لن تكون من السهولة بمكان، بعدما رأينا كم كان الطلاق صعباً وتطلب أكثر من ثلاث سنوات طويلة من المفاوضات الشاقة حول اتفاق تسبب بخلافات داخلية حادة في بريطانيا بين الحزبين الكبيرين، وحتى داخل الحزب المحافظ الذي استقالت زعيمته ورئيسة الحكومة تيريزا ماي واضطر خلفها بوريس جونسون إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة منحته أغلبية مريحة، ناهيك عن الخلافات بين لندن وبروكسل ودخول الرئيس ترامب على الخط لتأجيجها.

يجمع المراقبون على أن المفاوضات التي تبدأ حول هذه العلاقة الجديدة ستكون شديدة التعقيد وستعاني صعوبات جمة كونها تحمل رهانات كبرى.

أولى هذه الصعوبات أن الفترة الانتقالية بعد البريكست تنتهي مع نهاية العام الجاري وخلالها تستمر لندن في تطبيق السياسات الأوروبية من دون المشاركة في صناعتها. ويمكن لها إذا شاءت أن تطلب تمديداً لسنتين إضافيتين من المفاوضات شريطة أن تتقدم بمثل هذا الطلب قبل شهر يوليو/تموز المقبل. لكن جونسون يرفض رفضاً قاطعاً هذا السيناريو، ويفضل أن يقع في حفرة كما صرح ذات يوم، وقد أدخل هذا الرفض في صلب قانون البريكست الذي أقره البرلمان في الشهر المنصرم رغم أن المراقبين والسياسيين المعنيين يجمعون على استحالة التوصل إلى اتفاق وإبرامه من قبل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا قبل نهاية العام.

في تشرين الأول الماضي في «الإعلان السياسي» الذي رافق اتفاق البريكست، وضع الأوروبيون والبريطانيون هدفاً هو التوصل إلى اتفاق تبادل- حر من دون رسوم جمركية ولا حصص، الأمر الذي يسمح للندن بالحفاظ على موقعها في السوق الأوروبي المشترك من دون أن تلتزم بتطبيق حرية تنقل الأشخاص. لكن التوصل إلى مثل هذا الهدف لن يكون بالأمر اليسير. فقد رفض جونسون أن تنتمي بريطانيا إلى «الفضاء الاقتصادي الأوروبي» على الطريقة التركية ولا حتى الطريقة النرويجية القاضية باحترام الحريات الأربع ( تنقل الأشخاص والسلع والخدمات والرساميل) في مقابل الاستفادة من حسنات السوق المشترك. بالنسبة لجونسون التزام هذه الحريات مكلف من ناحية السيادة البريطانية وتترتب عليه تكاليف مالية باهظة. النموذج الذي أراده جونسون هو الاتفاق الأوروبي-الكندي( سيتا)، والذي تطلب التوصل إليه سبع سنوات من المفاوضات بين كندا والاتحاد الأوروبي، وبالتالي فمن الاستحالة بمكان التوصل إلى مثله في غضون أشهر معدودة لاسيما أن الجغرافيا تفرض على الأوروبيين وضع شروط وخطوط حمر مع لندن أكثر بكثير مما فعلوه مع كندا وذلك حماية لسوقهم المشترك من منافسة بريطانية غير شرعية محتملة.

التجارة ليست الرهان الوحيد للمفاوضات، فهناك أيضاً مسألة الصيد البحري، وهي الأخرى تقبع في قلب مفهوم السيادة بالنسبة إلى جونسون الذي طالب «باسترداد السيادة على مياهنا السمكية» قبل أن يتقدم بمشروع قانون تبناه البرلمان في نهاية الشهر المنصرم يطلب انسحاب لندن من اتفاقية «السيادة المشتركة للصيد» في نهاية المرحلة الانتقالية.

هناك أيضاً الأمن والدفاع. لندن تتطلع إلى استمرار مساهمتها في «نظام شينغن المعلوماتي» في نطاق التعاون البوليسي الأوروبي وبالتالي البقاء في «وكالة يوروبول». وفي المجال القضائي تود الإبقاء على عضويتها في «وكالة يوروجوست» وبالتالي الاستمرار في تطبيق «مذكرة التوقيف الأوروبية».

في مجال الدفاع كشفت لندن عن رغبتها في المساهمة في عمليات دفاعية مشتركة ولكن بحسب كل حالة على حدة، كما في بنى وأدوات الدفاع الأوروبي مثل «الصندوق الأوروبي للدفاع».

بسبب ضخامة المهام الملقاة على عاتق المفاوضين فإن عدم التوصل إلى اتفاق في غضون العام الجاري أمر محتمل، ما يعني بأن بريطانيا ستغدو على الفور دولة خارجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي منذ اليوم الأول من العام المقبل، وبالتالي فما عدا جزيرة إيرلندا (التي خصص لها اتفاق بريكست فصلاً كاملاً) سوف يتم فرض الرسوم الجمركية والرقابة الكاملة على الحدود بين بريطانيا والقارة الأوروبية. وستكون النتائج جد سيئة على الاقتصادات الأوروبية والبريطانية على حد سواء.

لكن ذلك لا يعني توقف المفاوضات التي سوف تستمر بحثاً عن أفضل علاقة مستقبلية ممكنة بين الشريكين السابقين.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.