مرّتْ هذه الكلمة معي أثناء الدراسة في المرحلة الثانوية، وربما الإعدادية، وغابتْ تماماً عني وعن ذاكرتي حتى صادفتني يوم أمس وأنا أُبحر منقبّاً في شبكة الإنترنت، تلك الشبكة الرائعة التي سُميتْ ظلماً (العنكبوتية)، عندما مرّ معي اسم عالم الفلك الشهير "البتّاني" وكتابه (زيج الصابيء). فأكملتُ الإبحار ووجدتُ أنّ:
+ كلمة (زيج) لغوياً، هي كما وردت في المعاجم:
زيج: اسم. جمعها : أَزْياجٌ، زِيجَةٌ، زِيجاتٌ
الزِّيج: كُلُّ كتاب يتضمن جداول فلكية يُعرف منها سير النجوم، ويُستخرج بواسطتها التقويم سنة سنة.
الزِّيجُ أيضاً: خيط البنّاء، سمّاهُ العربُ: المِطْمَرَ، والمِطْمَارَ، والإِمام. وقال الأَصمعي: لست أَدري أَعربي هو أَم معرّب.
+ وأما "البتّاني" فهو أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان البتّاني الحرّاني الرقيّ الصابئي. وُلد حوالي عام (240هـ - 854 م) في "بتّان" بإقليم حرّان الذي يقع في شمال غرب الجزيرة الفراتية العليا بين مدينتي الرقة والرها، كانت أسرته من العرب الصابئة، ومنها جاءت نسبة "الصابئي".
هو أحد أعلام الفلك والرياضيات، والمثلثات، والجبر، والهندسة، والجغرافيا. وتعتبر أبحاثه مرجعاً للفلكيين من بعده. وقد أمضى البتّاني حياته العلمية متنقلاً بين (الرقة) و(إنطاكية)، يرصد الأجرام السماوية بمرصد البتّاني في أنطاكية أو مرصد الرقة. وتُعتبر أرصاده الصحيحة أدقُّ ما أجراه الفلكيون العرب من أرصاد، رغم افتقاره للآلات الدقيقة التي توافرت لاحقاً.
وفي إطار تلك الأرصاد الصحيحة، رصد البتّاني زاوية الميل الأعظم، وكان أول من اكتشف ميل محور الأرض في دورانها حول نفسها بالنسبة لدورانها حول الشمس، وذلك قبل "كوبرنيكوس" بخمسة قرون.
لذا يُعتبر البتّاني من أعظم الفلكيين، وهو أول من أوجد جداول فلكية لها مستوى كبير من الإتقان والدقة.
+ وأمّا كتابه (زيج الصابيء) فهو أهم وأشهر كتب (الأزياج) عند العرب. ألفه البتّاني وبناه على (57) باباً سماها في المقدمة ..
ويقول في صدر كتابه: ((إنّ من أشرف العلوم منزلة وأسناها مرتبة وأحسنها حلية وأعلقها بالقلوب وألمعها بالنفوس وأشدها تحديداً للفكر والنظر وتذكية للفهم ورياضة للعقل، علم صناعة النجوم، لِما في ذلك من جسيم الحظ وعظيم الانتفاع بمعرفة مدة السنين والشهور والمواقيت وفصول الأزمان وزيادة الليل والنهار ونقصانها ومواضع النيرين وكسوفها ومسير الكواكب في استقامتها ورجوعها وتبدّل أشكالها ومراتب أفلاكها وسائر مناسباتها ...
ووضعتُ في ذلك كتاباً أوضحتُ فيه ما استعجم وفتحتُ ما استغلق وبيّنتُ ما أَشْكل من أصول هذا العلم وشذّ من فروعه، وصحّحتُ فيه حركات الكواكب ومواضعها من منطقة فلك البروج على نحو ما وجدتها بالرصد وحساب الكسوفين، وجعلتُ استخراج حركات الكواكب فيه من الجداول لوقت انتصاف النهار من اليوم الذي يُحسب فيه بمدينة الرقة وبها كان الرصد والامتحان على تحذيق ذلك كله إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق)) ...
+ أما الأزياج الأخرى، فقد أورد "حاجي خليفة" في كتابه (كشف الظنون) أكثر من عشرين منها، وأورد هنا بعضها:
الزيج الشامل للبوزجاني
زيج الفزاري
زيج ابن حماد الأندلسي
زيج ابن السمح
زيج ابن الشاطر الأنصاري الدمشقي
زيج أبي حنيفة الدينوري
زيج ألوغ بيك
الزيج الجامع والبالغ لكوشيار
الزيج العلائي
وغيرها ...
