تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

يا قرد.. أيلي!؟

مصدر الصورة
مملكة اوغاريت -وكالات

في طفولتي كنت أسمع الناسَ يقولون (يا قرد!) عندما يفاجئون بأمرٍ ما أو يشعرون بالخوف وعندما كبرت كنت أستهجن هذه الكلمة وأعتبرها دليلاً على التخلف. لكن أصلَ ومنشأَ ودلالةَ هذه الكلمة بقي لغزاً محيراً بالنسبة لي، خاصة وأن بيئتَنا الجبلية لا تعيش فيها القرود!

غير أني عرفت السرَ مؤخراً عندما زرت مدينةَ يبرود العريقة والتقيت بالأب الأرشمندريت جورج حداد الذي يجري دراساتٍ علمية على حضارةِ مملكة أوغاريت التي كانت حدودُها الجغرافية التاريخية هي الحدود الحالية لمحافظة اللاذقية! حيث ابتكر المعلمُ الأوغاريتي في موقعِ رأس شمرة قرب مدينة اللاذقية السورية، قبل أربعةٍ وثلاثين قرناً من الزمن، أولَ أبجدية في تاريخ البشرية، ما يزال ترتيبُ حروفِها متبعاً في كثير من اللغاتِ الحية حتى الآن.

وقد ذهلت عندما قال لي الأب جورج أن كلمة (يا قرد) ليست عربية، بل أوغاريتية، وليس لمعناها الحقيقي أية علاقة بالقرد كما يظن بعضُ الناس، فقد عثر على نصٍ أوغاريتي ترد فيه لفظةُ "يا قرد" بمعني (يا قوي، يا جبار)! أي أن عبارة (يا قرد) التي تتردد على ألسنةِ القرويين في جبال اللاذقية، هي عبارةٌ أشبهُ بالدعاءِ والاستجارة، توارثها الأبناءُ عن الآباء عبر آلاف السنين! وقد ظلوا يكررونها حتى بعد أن نسوا معناها الأوغاريتي الحقيقي!

ومع أنني لست متخصصاً في الدراسات القديمة، إلا أنني بدأت أفكر بالعبارات المتوارثة الملتبسة التي ما تزال دارجة في قرانا. في طفولتي كان الواحد منا عندما يريد أن يستنجد بالله أو أن يعبر عن دهشته، أو استحسانه لشيء ما كان يقول "أيلي!"

وقد دهشت لأنني لم أنتبه قبل ذلك الوقت إلى أن هذه العبارة تعني (يا إلهي)! فمن المعروف أن (إيل) هو كبير الآلهة العربية السامية وقد كانت عبادتُهُ دارجة في المناطقِ السورية الساحلية، حتى أن لبنان كان يطلق عليه اسم "بيت إيل". وقد قرأت في (موسوعة الفلكلور والأساطير العربية) لشوقي عبد الحكيم أن جميعَ الشعوبِ والقبائلِ السامية ادعت انتماءَها إلى هذا الإله، فكلمة (إيل ) في اللغات السامية تعني "رب" كما تعني القدرةَ أو القوة عند اليونان والكلدان. وتذهب الأساطيرُ إلى أن إيل هو الذي بنى مدينةَ جبيل، ويوصف بأنه كان يملك أربعةَ عيون، عينان إلى الأمام وعينان إلى الخلف، عينان يقظتان، وعينان نائمتان، أي أنه كان بوسعه أن "ينام مستيقظاً ويستيقظ نائماً"

حسن م. يوسف

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.