تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

 "نقاقو" التواصل الاجتماعي يملؤون العالم ثرثرة..فيما آخرون يملأون العالم عملاً وعطاء

محمد الأحمد مع رجال الجيش في أحد المواقع المتقدمة
مصدر الصورة
محمد الأحمد مع رجال الجيش في أحد المواقع المتقدمة-خاص

بالأمس القريب وبلا سبب معروف، ظهرت فورة على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن سيدات ألمانيا وكيف نهضن ببلادهن من قلب الأنقاض بعد الحرب العالمية الثانية ، في ظل غياب شبه تام لرجالها الذين غيبت الحرب أو أقصت الغالبية منهم .

في سورية التي يعاني أهلها للعام التاسع على التوالي ويلات الحرب ,ضجت مواقع التواصل  بموضوع النساء الألمانيات دون الرجوع إلى أصله وتفاصيله والتأكد من صحته، ليتبين بعد البحث أن عدد "نساء الأنقاض" لم يكن كبيراً، ولم يقمن بإزالة الأنقاض طواعية ودون مقابل، وذلك بحسب ما نشرته المؤرخة الألمانية "ليوني تيربر" في كتابها الذي اعتمدت فيه على أبحاث علمية ..

تذكر المؤرخة أنه وعلى الرغم من أن 60 ألف امرأة تقريباً شاركت في برلين بإزالة الأنقاض، إلا أن هذه النسبة لا تزيد عن خمسة بالمائة من نسبة النساء إلى سكان المدينة آنذاك. وفي منطقة الاحتلال البريطاني لم تبلغ هذه النسبة إلا 0.3 بالمائة.

في برلين تم حث النساء على المشاركة بإزالة الأنقاض عن طريق تخصيص نصيب أعلى من المواد الغذائية لهن عن غيرهن من المناطق، وكل ذلك تم بالدرجة الأولى لصالح شركات بناء خاصة وتحت إشرافها.مع الجيش في البادية

ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً في سورية نظّموا قصائد المديح والإعجاب وبدأت المقارنة بين ما نعيشه اليوم في ظل الحرب، وبين ما أصبحت عليه ألمانيا اليوم، وبتساؤل لا يخلو من التهكم يسألون: هل سنصبح كألمانيا يوماً ؟ ولست أدري هل خطر لأحدهم أن يسأل نفسه: ماذا عساني أفعل لبلدي كي أنهض به، وأتحرر من كوني عين مراقبة تصطاد الأخطاء وتنقض على السلبيات لتجعل منها فورة تضج بها الصفحات لأيام و ربما لأسابيع ثم تخبو الفورة "ولا مين شاف ولامين دري" لتعود الأمور كما كانت بل وأكثر استفحالاً . أليس الأجدى أن يفكر أصحاب العيون الثاقبة والفكر المتقد الوثاب للنقد بطريقة يكونوا فيها يداً فاعلة ومساعدة، لتصبح سورية أفضل وأقوى بأهلها, بجميع أهلها ؟.

نقول لهؤلاء " النقاقين" إن واقعنا الذي تنتقدونه ليل نهار مليء  بأمثلة مضيئة عن أناس اتخذوا العمل الإنساني هدفاً و الأمل بغد مشرق يقيناً.. إذ خلف الأضواء هناك من يعمل بصمت على أرض الواقع، لا يريد شهرة ولا مكسباً مادياً يعمل بما يستطيع في الصفوف الخلفية دعماً للجيش العربي السوري وأهالي الشهداء والجرحى.

يمكن أن نصفه بــ "مايسترو الدعم الميداني" ، هو محمد الأحمد ابن محافظة طرطوس،  الذي فتح منزله منذ بداية الحرب للأسر النازحة من ريف حلب وغيرها، وجعل من مخيم الكرنك منزله الثاني، فكانت معظم مهامه الإنسانية تنطلق منه، وهو بدأ وحيداً رغم صعوبة الدرب وما يصدفه من عقبات أكثرها نقص المادة أمام اتساع المساحة وكثرة الناس التي تحتاج الدعم المادي والصحي والتعليمي و... و.. الخ . إيمانه بسوريته دفعه إلى بيع محله الخاص دون تردد كي يسد النقص المادي، في حين عملت الجهات الحكومية على  تأمين الحماية للحملات الداعمة للجيش في الجبهات.مع أطفال نازحين

لم يستمر محمد في دربه الصعب وحيداً، بل أصبح معه مجموعة من الممولين المدنيين، تعدادهم يقارب السبعة أشخاص، يدعمون باللباس والمال والطعام، عناصر الجيش وذوي الشهداء والجرحى والنازحين.

عند بداية كل عام دراسي هناك حملة لتأمين القرطاسية و الحقائب لأبناء الشهداء، وعند كل فصل شتاء هناك حملة لتأمين ألبسة صوفية من طواقي وقفازات بالإضافة للجوارب والأطقم الداخلية لعناصر الجيش المتمركزين في المناطق شديدة البرودة ....

كما تم تأسيس ثلاثة مطابخ : الرئيسي في طرطوس و الآخرين متنقلين بحسب تطورات جغرافيا المعارك ، وهي معنية بتأمين مياه الشرب ووجبات ساخنة لمقاتلي الجيش العربي السوري.

من جبهة  تيرمعلة  في ريف حمص الشمالي إلى جبهة القدم في غوطة دمشق، حيث ينجز الطبخ في الصنمين بدرعا ويتم توصيله إلى عناصر الجيش في القدم ، مروراً بجبهة ريف حماة الشمالي، وتأمين أغذية وأدوية لأهالي بلدتي كفريا والفوعة في ريف ادلب عام ٢٠١٥ يوم تم حصارهما  لمدة تزيد عن ثلاث سنوات من قبل العقول الظلامية التكفيرية، قبل أن يتم تحريرها بفضل سواعد الجيش العربي السوري عام ٢٠١٨.أحد المطابخ الميدانية التي يشرف عليها محمد الأحمد

والقائمة تطول بعمليات الدعم على كامل الجغرافيا السورية وعلى مدى سنوات الحرب التسعة، واليوم يجري التركيز على جبهات إدلب.

وتبقى هناك حالات انسانية تسلط الضوء عليها مواقع التواصل الاجتماعي، استوجبت تحركاً سريعاً من محمد وزملائه , كحالة السيدة العجوز التي لقبت "بأم الشهداء"، حيث تكفل السيد محمد الأحمد بها وخصص لها مصروفاً شهرياً ووصفها  بـــ "أم سورية" وغيرها من الحالات المشابهة .

عمل محمد في الأساس يعتمد على تركيب كاميرات مراقبة و أجهزة استقبال تلفزيونية ، و يقوم في بعض الأحيان بتدريب الشباب وبالأخص جرحى الجيش، ليكتسبوا مهنة يعيشون من خلالها، وعند سؤاله إذا قام وأصدقائه بتمويل دورات تدريبية لصالح تعليم النساء والفتيات ممن جارت عليهم الحرب، كأعمال حرفية ومهن يدوية ممكن أن يعيشوا من خلالها مستقبلاً، أجاب: بأن المساعي موجودة، لكن نسبة الراغبات باتباع دورات تعليمية أو مهنية خجولة للأسف وهو يأمل أن تنتشر هذه الثقافة بين الناس، ثقافة الدعم وثقافة النهوض من جديد وعدم الاستسلام.

محمد واحد من كثيرين أمثاله من أبناء سورية البررة , حملوا الوطن وأبناءه أمانة في أعناقهم وقدموا جهداً وعرقاً ومالاً, هدفهم السامي يتمثل في تقديم الدعم والمساعدة لكل من يحتاجها من أبناء سورية. لا يعرف محمد وأمثاله التعبير عن مشاعرهم على صفحات التواصل الاجتماعي ولا يملؤون العالم ضجيجا وشكوى من الواقع الصعب ..بل على العكس هم يعملون بصمت ويقدمون بصمت ويسعون لتغيير الواقع بصمت ...فأين منهم " نقاقو " الفيس بوك وغيره من صفحات التواصل الاجتماعي . ...محمد وزملاؤه يعملون ..وغيرهم يثرثرون ...فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .

ريم عيسى

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.